لماذا وإلى أين ؟

ما بعد تازمامرت.. هذه قصة إجهاض كتاب جماعي يفضح ما حدث وكيف حاول مخبران اختطافي (الحلقة 26)

تفاصيل النجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو  (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو  الذي كُتب له العيش بعد قضائه أكثر من 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر  إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..

باقتراح من أصدقاء فرنسيين، شرعنا، أنا والمرزوقي والرايس، في إعداد كتاب نحكي فيه بشكل جماعي ما عشناه في تزمامارت بكل تفاصيل المعاناة التي اقتسمناها. كنا نلتقي في مقهى “شهرزاد” بالرباط، وأوكلنا للمرزوقي مهمة التحرير باللغة العربية، وكنا نمد الصحافي إنياس دال بما حررناه. وقد قطعنا شوطا كبيرا. أياما على ذلك ستبعث إلينا دار النشر الفرنسية Armon Levy تقترح علينا توقيع عقد.

ونحن على هذا المنوال، حيث كنا نلتقي مرتين أو ثلاث في الأسبوع، لم نكن نعي بأننا كنا مراقبين، إلى أن اختُطف المرزوقي لمدة 48 ساعة حينما كان يهم بالذهاب إلى فرنسا، قبل أن يتم الإفراج عنه بعد تدخل السفارة الفرنسية. عندما أفرج عنه التقينا من جديد وقررنا مواصلة إعداد الكتاب، كان رأي المرزوقي أن نتمهل في ذلك فيما الرايس استعجل إتمام التحرير. هذا الأخير كان قد أعد مخطوطا على شكل كتيب صغير تطرق فيه إلى أحداث انقلاب الصخيرات، حرره من داخل السجن المركزي بالقنيطرة حين مكث فيه لمدة سنة عقب مغادرتنا تزمامارت بمبرر أنه محكوم عليه بالإعدام، قبل أن يتم الإفراج عنه بتدخل منظمات حقوقية وطنية ودولية.

عندما غادر السجن أمد كريستين دور السرفاتي بالكتيب لإصداره من فرنسا، وقد تكتم على ذلك دون أن يخبرنا. ولأن كريستين كانت مع تؤيد فكرة إصدار كتاب جماعي عمدت إلى الاحتفاظ بكتيب الرايس لإعطائنا مزيدا من الوقت للانتهاء من الكتاب.

شخصيا كنت حائرا بين تمهل المرزوقي واستعجال الرايس، وفي الأخير كنت أكبر خاسر بينهما. فبواسطة أحمد وايحمان الصحافي في جريدة الاتحاد الاشتراكي شرعت الجريدة في نشر كتيب الرايس عبر سلسلة حلقات حين استعاده من كريستين، وقد تكلف بترجمته إلى العربية الصحافي حميد الجماهري، وبعد ذلك صدر على شكل كتاب بعنوان “من الصخيرات إلى تزمامارت.. تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم”، ليكون بذلك أول كتاب يتحدث عن تزمامارت. ولما هدأت الأمور عند المرزوقي شرع بدوره في إصدار كتاب عنونه بـ”الزنزانة رقم 10″، وبالتالي كنت أكبر خاسر من المعادلة إذ لم أصدر كتابا باسمي، إلى الآن.

أثناء الإفراج عن المرزوقي بعد اختطافه استقبلته في منزلي وقد نبهني إلى أن دوري في الاختطاف وشيك، لأنه عندما كان مختطفا تلقى كمّا من الأسئلة عني، لذلك تشاورت مع أصدقائي في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فنصحوني بضرورة أن أطلب من أي أحد يطرق بابي وصل استدعائي إلى حيث يريد. توجس المرزوقي كان في محله، إذ بعد 15 يوما تقريبا استوقني رجلان أمام المنزل الذي كنت أقطنه في حي الخير في يعقوب المنصور بالرباط، وأخبراني بأني مدعو إلى “كوميسارية حسان” وبالضبط إلى “المكتب 24″، وبالطبع طلبت منهما وصل استدعائي فأجبراني بأن الأمر لا يتطلب ذلك وأنهم يقومون بإجراء روتيني وسيعيدونني إلى المنزل، فأصريت على طلبي مذكرا إياهم بما حصل للمرزوقي حين اختطف، فضحكا قائلين إن من استوقفوه “كلاب لا يفقهون شيئا” وبأنهم سيرافقونني وسيعودون معي إلى منزلي، لكن أمام تشبثي بضرورة تقديم وصل الاستدعاء أولا طلبا مني أن أبقى في المنزل في انتظار عودتهما إلي، ولم تمض أقل من نصف ساعة حتى عادا فسلموني الوصل وأوصاني بأن أكون في الموعد على الساعة الرابعة مساء

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x