لماذا وإلى أين ؟

من”وقتاش تغني يا قلبي” إلى”أح نوتيلا”..لماذا ابتذلت الكلمات في الأغاني المغربية؟

أصبح الخوض في الحديث عن كتابة الكلمات في الأغاني بصفة عامة والمغربية بصفة خاصة، يعرف الكثير من الشجون في الآونة الأخيرة، ولعل ما يجعل هذه الظاهرة تطفو على السطح هي التنوع الكبير الذي أصبحت الأغنية المغربية تعرفه في السنوات  الأخيرة، حيث تتدخل العديد من الأسباب التي تجعل الخوض في هذه الإشكالية من الصعوبة بمكان، منها ما هو إجتماعي يتعلق بالسلوك الفردي تجاه الموسيقى، ومنها ما هو سيميائي يتعلق بتطور اللغة التعبيرية التي يتحدث بها أفراد المجتمع، والتي أفضت إلى الوضعية التي آلت إليها الأغنية المغربية الآن، والحديث في هذا الجانب يستوجب الأخذ برأي ما يروج عند عموم الجمهور، وحسبنا هنا ابتذال الكلمات في بعض الأغاني المغربية، التي أصبح الكثيرون يعتقدون بأن موجة بعض الأغاني خصوصا منها الشبابية هي أغاني “هابطة”، وتساهم في إسفاف الذوق العام وابتذال الفن والأغاني المغربية، خصوصا بعد ظهور موجة ما سمي بـ”الواي راي “، وتطورات الأغنية الشعبية بصفة عامة .

وبالرجوع إلى تاريخ تطور المعاني التي كانت تحملها كلمات الأغاني المغربية قديما، نجد أن مقولة الفن ابن بيئته تنطبق كثيرا على هذه المسألة، ففي عهد الاستعمار عرفت الأغنية المغربية أوجها، حيث كانت تحارب الظلم والطغيان وتعاكس توجهات الإحتلال الفرنسي للبلاد في سنوات الثلاثينيات، والأربعينيات، والخمسينيات من القرن المنصرم، وحتى بعد ذلك كانت الأغاني الشعبية في الستينيات والسبعينيات تحث على السلوكيات والقيم الإيجابية في المجتمع، وكانت فنون العيطة أو أغاني الشيخات، فضلاً عن المواويل الزجلية، وغيرها من أصناف الغناء الشعبي كلها سليمة الكلمات وذات مضامين اجتماعية وسياسية وعاطفية ترقى بالأذن دون إسفاف ولا ميوعة.

وبالرغم من أن جل الانحطاط الذي تعرفه الأغنية المغربية، يقتصر بشكل كبيير على الأغنية الشعبية، فإن هذه الأخيرة كانت وسيلة فعالة من وسائل التواصل والتلاحم بين الناس، في هذه الفترة الزمنية من تاريخ المغرب حيث ارتبطت بوجدان الشعب، وتجسد فرحه وحزنه وأمله وألمه، ومنبثقة من رحم المواطن الشعبي، ولعل أبرز ما تسبب في انحطاط كلمات الأغنية الشبابية والشعبية اليوم هو الانفتاح الكبير الذي عرفه عالم الفنون والأغاني، علاوة على تطفل الكثير من الأشخاص على هذا المجال لعدة أسباب مادية واقتصادية بالأساس، باعتبار أن مجال صناعة الأغاني مجال مفتوح، ومدر للدخل، خصوصا بعد عصر التواصل الإجتماعي والثورة التكنولوجية .

هل تعيش الأغنية المغربية اليوم أزمة ذوقية جمالية؟

ولفهم هذا التراجع طرقنا باب المختصين وحتى لا تكون أحكامنا واستنتاجاتنا قيمية طرحنا السؤال على  أحمد أمحجور، أستاذ موسيقى وموزع ألحان مغربي، خبر مجال التوزيع الفني للأغاني وكتابة الكلمات لسنوات واشتغل مع رواد الأغنية المغربية منهم عبد الوهاب الدكالي، وعبد الهادي بلخياط، حيث  أكد في سؤال لـ”آشكاين” عن سبب تراجع وانحطاط الكلمات في الأغاني المغربية  :” أن هذا التراجع هو عادي وطبيعي في مجال الصناعة الموسيقية، لأنه راجع بالأساس إلى توليف الأذن على الاستماع لأغاني معينة، فمثلا إذا قامت الإذاعات والقنوات ببث أغاني من نوع فني معين وبشكل متكرر لفترة زمنية طويلة، تصبح أذن المستمع والمتلقي  أكثر تقبلا لذلك النوع من الموسيقى، وبالتالي فإن الاستماع لأي نوع موسيقي جديد، هو الاستماع لكلمات جديدة، قد تعجب البعض ويجدها شاعرية ويرددها دائما، وقد لا تعجب الآخرين ويجدونها مبتذلة ،” حسب المتحدث .

ويضيف أمحجور في حديثة مع “آشكاين”، “أن رداءة الأغاني المغربية في الآونة الأخيرة، راجع بالدرجة الأولى إلى قبول بعض الجهات والمؤسسات منها حتى التابعة للدولة، لهذا النوع من الانحطاط الذي يستمد شرعيته من الدعم المالي الذي يتلقاه من بعض المؤسسات الخاصة، والحكومية إلى بعض الفنانين الذين لا يعرفون للإبداع طريقا، حيث يصبح الفن والإبداع تحت الطلب وخاضع لشروط السوق والعرض، وما يريده الجمهور، “، يقول المتحدث.

ويستدرك الملحن والموسيقي ذاته:” أن الحديث عن القطع الموسيقية لا يعني أن كل الموسيقى المغربية، كلماتها مبتذلة، فهناك قطع مازالت تصدر الآن ستبقى من الخالدات رغم كل التغييرات التي تعرفها الساحة الغنائية المغربية، باختلاف تلاوينها، وهناك فنانون لهم وزن ثقيل في الساحة، ويحملون هاجس اختيار الكلمات والإبداع في أغانيهم دائما، ولا يمكننا أن ننكر ذلك.” يقول أمحجور

لماذا الأذواق لا تناقش ؟

يقول المثل الفرنسي “الأذواق لا تناقش “، وبالرغم من أن الدراسات النفسية تعتبر أن الذوق الموسيقي هو اختيار شخصي، لا علاقة له  بالمستوى الفكري والنفسي لأي إنسان، وتاريخيا ظهر مع موجة فن الربب خلال الثمانينات في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما كان بعض المثقفين الكبار يستحسنون، ويدندنون بعض أغاني الراب، وهو ما لم يكن مألوفا آنذاك، وأصبح عاديا وطبيعيا الآن، كأن تجد مهندسا تعجبه أغاني الـ”واي راي “، وربما تجد محاميا استحسن حتى أغنية “بنات الدنيا” الأخيرة لحاتم إدار، لأن المثل الذي بين أيدينا لهو خير حكمة تبرر ما قد يختلف عليه هذا وذاك.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x