2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
هل نجحت المقاربة الرسمية في التعامل مع الظواهر الإجتماعية بالمدرسة العمومية؟
باعتراف من عدة مؤسسات دولية، فالتعليم المغربي لازالت يتخبط في عدة مشاكل، حالت دون تقدمه على مستوى الترتيب في التقارير التي تصدرها منظمات عالمية، بل إن المدرسة المغربية باتت في السنين الأخيرة جزء من المشكل عوض أن تكون جزء من الحل، إذ برزت على السطح العديد من الظواهر الاجتماعية التي اعتبرها الكثيرون شذوذا عن المألوف وخروجا عن الإطار الذي جاءت من أجله المدرسة العمومية.
هذه الظواهر الإجتماعية دفعت الدولة المغربية بمختلف مؤسساتها إلى اتخاذ تدابير وإجراءات بين الفينة والأخرى، بهدف تصحيح وتقويم الإعوجاج الذي أصاب المدرسة العمومية، كما أن العديد من المنظمات الحقوقية والنقابية والمدنية دقت ناقوس الخطر في العديد من المناسبات محذرة من “انهيار ودمار” قد يضربان عمق التعليم عامة والعمومي على وجه الخصوص.
حلول فاشلة..وغياب العقلانية في صرف الميزانية
ويقول عبد الرزاق الادريسي، الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم، (التوجه الديمقراطي)، “إنه لحدود الساعة فجميع الحلول التي تقدمها الجهات الرسمية تجاه المشاكل التي تعاني منها المدرسة العمومية تبقى غير ناجعة، فمثلا خلال اجتماع للمجلس الحكومي يوم الخميس 9 نونبر 2017، تمت مناقشة ما تعرض له أساتذة من عنف من طرف تلامذتهم، فعبر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني عن تنديده بما حصل كما عبر عن تضامنه مع رجال ونساء التعليم، وعن شجبه للعنف من جميع الأطراف، لكن ذلك يبقى مجرد كلام”.
ويردف، الإدريسي، أن المبادرة الثانية التي قام بها العثماني هي انتقاله إلى وزارة التربية الوطنية رفقة الوزير المكلف بحقوق الإنسان ووزير الثقافة المكلف بتدبير قطاع التعليم، إضافة إلى مسؤولين كبار، وذلك من أجل تنظيم اجتماع، كرر فيه العثماني فقط ما قاله خلال المجلس الحكومي، رغم ما يكتسيه هذا الاجتماع من أهمية”، لكن يستدرك المتحدث في تصريح لـ”آشكاين”، قائلا:”هذا كله يبقى مجرد حلول ترقيعية”.
وأكثر من ذلك يضيف القيادي النقابي، “أن هناك أنباء تروج في الإعلام تفيد أن رئيس الحكومة يُعِدّ قانونا للقضاء على العنف في المدرسة، وفي الحقيقة فالقانون الإطار هذا الذي يتحدث عنه رئيس الحكومة لا علاقة له بالعنف بل هو قانون أعده سلفه عبد الإله بنكيران بتوصية من المجلس الأعلى للتربية والتكوين، على أن تتم مناقشته والمصادقة عليه من طرف حكومة العثماني”.
وهنا تسأل “آشكاين”، ما الذي يعيب هذا القانون الإطار؟ فيجيب الإدريسي، “أول شيء سلبي فيه هو أنه ينص على المجانية في التعليم الأولي والإبتدائي والتأهيلي، لكن على مستوى التعليم الثانوي فالأسر المغربية ملزمة بالأداء، لذلك فنحن نسجل ممارسة الحكومة المغربية لتعتيم حيال هذا الموضوع وبالتالي فرئيس هذه الأخيرة أو ناطقها الرسمي ملزمان بالتوضيح للمغاربة حقيقة هذا القانون الإطار وما ينص عليه من بنود، خاصة وأن النقابات التعليمية لا علم لها بهذا الموضوع، في وقت يجب إشراكها لأنها معنية بالأمر لطرح رؤيتها وتصوراتها للنهوض بالقطاع”.
وكشف المتحدث، أن “البنك الدولي ورغم كونه مسؤولا أيضا في ما وصل إليه قطاع التعليم بالمغرب من انتكاسات، أكد في دراسة له أنه “لو صُرِفت فقط الميزانية المخصصة لقطاع التربية الوطنية بشكل عقلاني وبدون رشوة ولا محسوبية ولا زبونية، فإن المغرب سيحتل الرتبة الثالثة إفريقيا من حيث جودة التعليم وسيقفز 62 درجة على المستوى الدولي”، بمعنى أنه عندما تؤكد منظمة دولية وجود فساد في التعليم المغربي فما الحاجة لصرف 43 مليار درهم في المخطط الإستعجالي، وما الداعي لتخصيص 6.5 مليار درهم بشكل سنوي لقطاع التعليم؟”
المدرسة وعصر اندحار القيم
من جانبه، قال عبد الإله دحمان الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، الموالية للذراع النقابي لحزب “العدالة والتنمية”، الذي يقود الحكومة المغربية، (قال):” إننا إن كنا نثمن طريقة تعاطي المقاربة الرسمية مع إشكالات الظواهر الإجتماعية في المدرسة، إلا أنه يجب أن ننتبه إلى أن الأمن المدرسي هو جزء من الأمن العام للمجتمع وبالتالي فلا يمكن أن نجد حلا لظاهرة العنف داخل المدرسة مثلا، بمعزل عن القضاء على الظاهرة داخل المجتمع وبنيته، وبالتالي فالعنف في المؤسسة التربوية فهو نتاج طبيعي لنظيره في المجتمع ككل، لذلك فالمقاربات التي يجب نهجها لا بد أن تكون شمولية تقتضي استحضار البعد الإقتصادي والاجتماعي والقانوني والتربوي والإعلامي، لأن ظاهرة العنف الآن هي تمظهر لأزمة داخل المجتمع”.
وتتجلى هذه الأزمة، يوضح دحمان في حديث مع “آشكاين”، في “كون المدرسة العمومية عاجزة عن أداء أدوارها المنوطة بها، ففي الوقت الذي كان منتظرا أن تصحح اختلالات المجتمع، أصبحت تعاني من هذه الإختلالات، لأننا نعيش في عصر اندحار القيم في سياق العولمة والتحولات الكونية والتغيرات الحاصلة اليوم في الضمير الجمعي للمجتمع المغربي”، وطالب دحمان في هذا السياق، بـ” استراتيجية وطنية ومقاربة ذات طابع ديمومي عوض التفاعل اللحظي مع الإشكالات التي تضرب المدرسة والتي تكون في الغالب محط نقاش عمومي”.
وشدد المتحدث، على أن هذه الاستراتيجيات، لن تعطي أكلها إلا إذا أعقبتها المتابعة والمواكبة مع ضرورة إشراك الفاعلين ومختلف مكونات المجتمع، على أن ينتهي ذلك بوضع تقييم لهذه العملية حتى نعرف نتائج ما زرعناه، وحتى نرى ما إذا كنا قد حصلنا على الحلول أم أننا بصدد تعميق الأزمة”.
ضعف التعبئة المجتمعية
يوسف علاكوش الكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم، الموالية لحزب “الإستقلال”، لم تختلف رؤيته للموضوع عن نظيراتها التي طرحها المتدخلان السابقان، إذ يرى أن “الجهات الرسمية تتعامل مع هذه الظواهر الإجتماعية التي تعرفها المدرسة بمقاربة علاجية آنية وأحيانا بمقاربة زجرية، في وقت تملك هذه الجهات ما يكفي من الوسائل لاعتماد مقاربة مندمجة، لكن عندما يتعلق الأمر بالفعل التربوي فيجب عليها التعامل بمقاربة شمولية على اعتبار أن المدرسة هي مؤسسة للتنشئة الإجتماعية لأنها ترعى فعلا معقدا وهو التربية ولأنها تتعطى مع عنصر بشري سيصبح مواطن الغد”.
ويفسر علاكوش ذلك بكون أي تعامل مع الأمر بـ”فعل تحكمي مع ظواهر معينة فمصير ذلك هو الفشل، وبالتالي فالمقاربة الشمولية التي تندمج فيها كل المعطيات والتي تأخذ بعين الإعتبار التحولات السوسيولوجية للمجتمع المغربي والمتطلعة إلى الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة، هي الضامنة للقيم والهوية المغربية التي تعد مواطن الغد كما سلف الذكر”.
ويعزي علاكوش في تصريحه لـ”آشكاين”، فشل جميع البرامج الحكومية تجاه النهوض بقطاع التعليم ، إلى “ضعف التعبئة المجتمعية، أي أنه قبل برمجة وشرعنة أي قرار يجب إعمال الحكامة الجيدة التي تقتضي الإشراك والتشارك وغير ذلك فمآله الفشل”، مضيفا، “نحن كفاعلين في القطاع، لا ننظر للأمر بنظرة تشاؤمية، بل إننا ندق ناقوس الخطر لأن التعليم هو أمر يهم الجميع وليس شأنا حكوميا وبالتالي يجب على كل مكونات المجتمع المغربي أن تتظافر جهودها لإنقاذ الوضع المتأزم التي تعيشه المنظومة التعليمية”.
المغاربة يريدون لأبنائهم تعليما جيدا
وكما سلف الذكر، فإن المنظومة التعليمية في المغرب عجزت عن مسايرة التقدم الذي يعرفه المجتمع، كما أن الإجراءات التي يتم اتخاذها لتصحيح الوضع باتت – في بعض الأحيان- مجرد حبر على ورق، وفي أحيان أخرى يمكن اعتبارها “حلولا ترقيعية” لم ترق إلى تطلعات كل الفرقاء المعنيين، وباعتراف من أعلى سلطة في البلاد، حين تساءل الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية 2017-2018 :”أليس المطلوب هو التنفيذ الجيد للمشاريع التنموية المبرمجة، التي تم إطلاقها، ثم إيجاد حلول عملية وقابلة للتطبيق، للمشاكل الحقيقية، وللمطالب المعقولة، والتطلعات المشروعة للمواطنين، في التنمية والتعليم والصحة والشغل وغيرها؟”
ويضيف ملك البلاد في ذات السياق، “والمغاربة اليوم، يريدون لأبنائهم تعليما جيدا، لا يقتصر على الكتابة والقراءة فقط ، وإنما يضمن لهم الانخراط في عالم المعرفة والتواصل، والولوج والاندماج في سوق الشغل، ويساهم في الارتقاء الفردي والجماعي، بدل تخريج فئات عريضة من المعطلين”.