لماذا وإلى أين ؟

هل تحولت حالة الطوارئ في المغرب لحجر على حرية التعبير؟

بالرغم من أن الأحكام الخاصة بحالة الطوارئ الصحية هي واحدة من الحالات المُجازة في كل من القانون الدولي وحقوق الانسان لمواجهة الأخطار، من قبيل الأوبئة، إلا أنه منذ إقرارها في المغرب بتاريخ 23 مارس 2020، أي قبل حوالي سنة من الآن، والآراء تتباين بخصوص الصيغة المُعتمدة في عدد من القرارات التي وُصفت بـ”الصارمة” لمنع عدد من الوقفات الاحتجاجية، تحت مبرر منع التجمعات جراء التدابير الاحترازية المصاحبة لتفشي فيروس كورونا، في الوقت الذي سُمح فيه لوقفات أخرى تعرف تجمعات بشرية، وهو ما اعتبره كثيرون “تقييد في حرية التعبير، وإضعاف للأصوات الحقوقية”.

وشهد المغرب في الآونة الأخيرة احتجاجات كثيفة، من تنسيقية “الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” و”حاملو الشهادات المطالبين بالترقية”، و”الممرضين المجازين من الدولة ذوي تكوين سنتين” وغيرهم من الفئات الاجتماعية، وفي المقابل هناك من الاحتجاجات ما يتم فضها من طرف عناصر الأمن الوطني باستخدام القوة والعنف، والتي يتم تركها تحتج، أمام مرأى السلطات، كما حصل مع احتجاجات جماهير الرجاء البيضاوي، في الأسبوع المنصرم.

وكانت ميشيل باشيليت خيريا، مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، قد أكدت في وقت سابق أن بعض الحكومات تستخدم قوانين الطوارئ التي فرضت بسبب أزمة كورونا “لسحق المعارضة والسيطرة على الناس” في إشارة منها لعدد من الدول من بينهم المغرب؛ غير أن المغرب أكد بعدها على لسان بعثته الدبلوماسية في جنيف أن الإجراءات التي طبقها لاحتواء فيروس كورونا تتماشي مع “سيادة القانون في احترام كامل لحقوق الإنسان”.

احترام حق المواطن في حالة الطوارئ الصحية


وفي سياق شرح حالة الطوارئ الصحية، يوضح كريم عايش، الباحث في السياسات العمومية ومدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، بأنها “مرحلة لحظر كل الأنشطة والممارسات والحقوق التي يتمتع بها المواطن تحت طائلة المنع والتوقيف والعقوبة، وهذا أمر شائع لدى الكثيرين ممن يعتبرون الطوارئ الصحية قيودا على التمتع بالحقوق والمكتسبات، في حين أن أول حق للمواطن تم احترامه هو سن الحكومة لقانون يحدد حالة الطوارئ ومدتها وصلاحياتها، وصلاحيات السلطات بها وهذا من صميم مبدأ دولة الحق والقانون وهو أيضا عمل تشريعي يوافق فصول الدستور المنظمة للعمل التشريعي خاصة في حالات الطوارئ والتهديد العام لسلامة الدولة والأفراد”.

“من الضروري إن لم يكن الأولوية التذكير بالهدف الحقيقي لحالة الطوارئ وهو حفظ الصحة العامة وسلامة المواطن من الإصابة بفيروس كورونا وما تتبع هذه الأصابة من مضاعفات صحية واجتماعية واقتصادية” يزيد عايش في حديثه مع “آشكاين” مشيرا إلى أنه “من اللامنطقي تحميل الدولة مسؤولية المعالجة الشاملة للإصابات إذا كان المجتمع لا ينضبط للتدابير الوقائية ويحمي نفسه ضد الإصابة، وبالتالي لا يمكن اتهام قانون حالة الطوارئ بخرق الحريات والحقوق إذا لم يقم المجتمع باحترام هذا القانون”، مشددا  على أنه “إذ يسمو قانون حماية صحة المجتمع على مصلحة الأقلية، ويصنف ضمن الأمن القومي للدولة”.

ويبرز عايش في السياق ذاته أنه “وبغض النظر عن أهمية الكثير من الملفات الاجتماعية وحدة الأزمة على فئات اجتماعية كثيرة فهذا لم يكن سببا في تحدي نصوص القانون والمصادمة معه تحت طائلة إلحاح المطالب، إذ لا أحد يدري كم عدد مصابي الاحتجاجات وكم عدد العدوى التي أثارتها بعد ذلك، لأن المسؤولية تحتم إعمال حس الوطنية في احترام تدابير حالة الطوارئ وعدم التفكير الفئوي ضدا على الحالة العامة للمغرب والذي أثبت بالرغم من تواضع إمكانياته رفعه لتحديات كبيرة، تهدف لتحقيق الرؤية الملكية في تدعيم التنمية المستدامة وتوفير العيش الكريم وتحقيق الكرامة لمختلف الفئات”.

تعدد المنع والغاية واحدة

من جهته، يرى الحقوقي عادل تشيكيطو، أن “السلطات المغربية تتعامل مع الحق في الاحتجاج السلمي، في زمن كورونا، بمزاجية غير مفهومة” مشيرا إلى أنه “في الوقت الذي تسمح فيه بتنظيم عدد لا بأس به من الوقفات المتوافقة مع مصالحها والمنسجمة مع توجهاتها، تُدر فيه قرارات أخرى لمنع التجمعات وعدد من الوقفات والمسيرات المطالبة بالحقوق والمنددة بتراجع الحريات وباعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان وعن نشطاء الرأي والصحفيين، بعنف وباستعمال غير مبرر للقوة”.

“كل المؤشرات والأرقام المعلن عنها بشكل مستمر من قبل المنظمات الدولية، أو المؤسسات الرسمية من قبيل المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومؤسسة الوسيط، تؤكد أن حقوق المغاربة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تراجع، ولا تطمئن” يزيد رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، في حديثه مع “آشكاين” أن “مؤشرات تقييد حرية التعبير بالمغرب، ارتفعت منذ فرض حالة الطوارئ الصحية، وارتفعت عدد حالات الاعتقال إثر ذلك، وما يوجد في الواقع أكثر حدة مما هو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، أما ما يصل للإعلام”.

 

وعن الوضع الحقوقي في المغرب، منذ تفشي فيروس كورونا، يؤكد تشيكيطو على أنه “لا يمكن بتاتا تقييم الوضع الحقوقي في المغرب خارج سياق ما يحدث اليوم من انتهاكات وتجاوزات في مجال حقوق الإنسان، وأبرزها عملية المنع التي تتعرض لها أغلب الوقفات الاحتجاجية، والاعتقالات التي تتصدر اليوم صفحات الجرائد الورقية، آخرها من يتابع بسبب تدوينة فيسبوكية، ومن تم اعتقالهم من أساتذة، ومن ممرضين، ومن محتجين في أحداث الفنيدق، بالرغم من أنه أُطلق سراحهم في وقت لاحق، إلا أن العنف والاعتقال في حالة الاحتجاج السلمي، تحت مبرر حالة الطوارئ، هو تقييد لحرية التعبير”.

طبيعة المطالب تحدد نوعية التفاعل

غير أن الحبيب استاتي زين الدين، مختص في الحركات الاحتجاجية، وأستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي بجامعة عبد المالك السعدي، رأى أن طبيعة التفاعل بين المحتجين وقوات الأمن تعود بالأساس إلى الملف المطلبي المُعبر عنه في الشكل الاحتجاجي، مشيرا إلى أنه مثلا “جماهير الرجاء لا تخاطب السلطات العامة وأفقها محدود جدا، مرتبط، أساسا، بوضع داخلي لإدارة الفريق مع جماهيره، لكن باقي الاحتجاجات أفقها مركب وممتد في المكان والزمان يسائل السياسات العمومية وصانع القرار، وهذا يحيل، دون إطالة، على المعاني الفضفاضة التي ينظر بها لمفهوم النظام العام والحفاظ على استقراره وانتظاميته من طرف ممثلي السلطة”.

“عددا من الحكومات وبعد تقييم الوضع، اختزلت كل دروس الوباء في التضييق على الحق في حرية الاحتجاج والتظاهر السلمي، بدواعي المحافظة على الأمن الصحي للمواطن”، يزيد زين الدين في حديث سابق مع “آشكاين” مؤكدا على أن “ما كنا ننتظره هو رؤية جديدة لطريقة تدبير الاجتماع والسياسية لتعزيز المسار الديمقراطي الذي سلكه المغرب، مع العلم أن التقييد المسبق للتجمع السلمي لا يكون إلا في حالة وجود أسباب وجيهة وقوية تشير إلى ترجيح وقوع عنف، كما أن وضع القيود المسبقة يجب أن تتم في غياب إجراءات بديلة يمكن أن تمنع العنف، واتخاذ إجراءات إيجابية من أجل ضمان تمتّع المتظاهرين السلميين بشكل فعال وكامل بحريتهم في التجمع دون خوف على سلامتهم الجسدية”.

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
يوسف.ق
المعلق(ة)
2 أبريل 2021 19:56

الاستشراف حكامة والمستشرف حكيم وغير ذلك ضبابية في القرار. ما الأفق على المديين : قريب وبعيد ؛ في فك طلاسم البرزخ بين الهشاشة والمقاربة الأمنية ، وما هي التمثلات اللاواعية في الفكر الجمعي للمواطنين حول الأمن كمؤسسة وأبوابها المفتوحة لتقليص الهوة بين المواطن والمسؤول الأمني (فطعن شرطي وقائد هو إنذار لا ينبغي النظر إليه بشكل معزول / ولا يمكن إلا أن نندد ونشجب هذه الأفعال التي مست مواطنين في زي رسمي ) . لكن ما هي الخطة الاستشرافية لكي لا تتحول العلاقة إلى صدام، ونفور مستقبلا حتى يمارس الأمني مهنته بكل أريحية بعيدا عن التشنجات والمواطن ينظر نظرة الرضى والطمأنينة. فالكل يبحث من زاويته عن عيش كريم واستقرار نفساجتماعي داخل الوطن الواحد

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x