لماذا وإلى أين ؟

الذي ينقص اقتصاد المملكة

عبدالرزاق الحجوي

تهتم كل الدول حتى المتقدمة ببسط السجاد الأحمر للمقاولات الصناعية الكبرى، لكن ذلك لن يجزئ عن دور المقاولات الصناعية المتوسطة والصغرى التي تشكل العمود الفقرى لاقتصاديات أكبر الدول المصنعة؛ هذه الفئة تعاني في المغرب من علو عتبة ولوج الإنتاج والتصنيع بسبب الارتفاع الكبير لأسعار العقار، ما يجعل كلفة بناء أو كراء معمل بالمغرب جد مرتفعة؛ الأمر الذي يقلص بشكل كبير من فرص ولادة مقاولات منتجة من هذا الصنف الحيوي. كما أن أحد أهم العوامل المؤثرة في كلفة التصنيع هو أسعار الطاقة الكهربائية، حيث لا مجال للمقارنة بين كلفتها لدى الدول التي تنتجها من الطاقة النووية وباقي الدول.

فهل من بديل للمغرب من أجل فك هذه العقدة غير تحمل الدولة لإنشاء مدن صناعية، توزع حسب الكثافة السكانية للجهات؟ فحاجة المغرب من هذا النوع من العقار قد تتجاوز نصف مليون هكتار، وجب تحضيرها للسوق داخل أجل عشر سنوات؛ من أجل توفير القطع المجهزة لبناء المصانع بسعر معقول يتراوح بين 200 و 300 درهم للمتر مربع، حسب الجهة. تفوت بشرط بناء المعمل وتشغيله داخل أجل أقصاه سنتان، وبشرط الاستمرارية إلى حين بلوغ سقف معين من الأداءات الضريبية، قبل حذف حجز تحفظي للدولة على العقار. مع شروط جزائية صارمة ضد المخالفين لدفتر التحملات.

كيف يمكن تحقيق ذلك؟ إن تصنيف RA الذي تعمل به الوكالات الحضرية لتعريف المناطق الفلاحية، يشغل عشرات ملايين الهكتارات في ربوع المملكة، نسبة كبيرة منها بين محدود وعديم المردودية، بسبب التغيرات المناخية؛ حيث يتراوح ثمن المتر مربع داخل هذا التصنيف بين عشرة دراهم ومائة درهم للمتر حسب المناطق. أما سعر التجهيز فيقدر بمائة درهم للمتر شاملة لكلفة الربط بشبكات التجهيز والتطهير. لتبقى قضية تنافسية سعر بيع الكيلواط للمصانع في ظل استحالة تحمل كلفة بناء مفاعلات نووية، قد يكون الحل الوسط نفسه الذي سمح بحل أزمة الكهرباء للمدن المصرية حديثا، وهو محركات الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية الألمانية الحديثة،
الأعلى كفاءة ومردودية.

إن سعر الطاقة عنصر أساسي في إقناع المصنعين بالاستثمار بعد سعر الكلفة الإجمالية لبناء المصنع، يضاف إلى ذلك مدة الحصول على التراخيص الإدارية ومدة حل النزاعات ونسبة تنفيذ الأحكام القضائية. حيث ستحتاج هذه المدن الصناعية إلى نظم إدارية وقضائية خاصة بها، ينتقى لتسييرها صفوة الأطر النزيهة. إن نسبة الشباب المرتفعة بالمغرب، إضافة إلى عدد الأسواق المفتوحة للمنتوج المغربي بحكم اتفاقيات التبادل الحر، ثم الموقع الجغرافي، بعد تنافسية متوسط الأجور مقارنة مع الدول الغربية؛ لهي مفاتيح نضوج ثروة حقيقية لم تثمر بسبب الإرتفاع الكبير لأسعار العقار قبل تشبع القطاع الصناعي من حاجته منه أولا، والبيروقراطية ثانياً، ثم تنافسية سعر الطاقة الضعيف ثالثا؛ ما حد من قدرة المغرب على استغلال هذه المقومات الثمينة والحيوية، خاصة بعد فتح عدة أسواق عالمية، وبعد تأهيل شبكات كل من الطرق والنقل الجوي والبحري. ذلك لأن كلفة بناء مصنع بالمغرب لا تزال جد جد مرتفعة مقارنة بعدة دول منافسة لنا على سوق الاستثمار، بل تفوق نظيرتها لدى كثير من الدول الغنية بعدة أضعاف.

بعد قطف ثمار مشروع من هذا النوع ستستأصل جذور الضعف لكل من الدخل العام والفردي، لتتساقط بسهولة كل الأهداف المثالية من تعليم عمومي ناجح وخدمات جيدة للصحة العمومية، وحتى إمكانية الإستغناء عن الاقتصاد غير المهيكل مع إعادة هيكلة جذرية لأجهزة العدالة والإدارة؛ وهي الأوراش التي يحتاج النهوض بها إلى موارد مالية أكبر بكثير من المتاحة فعليا اليوم. فكم سيكون قد كسب الاقتصاد الوطني من نقاط وزمن ثمينان لو حرصت الدولة على معالجة الأمر منذ الانخراط في مسلسل تحرير التجارة العالمية؟ وكم سيهدر إن بقيت أسعار هذا النوع من العقار في متوسطها الحالي؟ فهذه العقبة تحتاج إلى العلاج الجذري وليس النسبي، لأننا نفعل كل الأشياء لكننا لا نكملها كما قال المفكر عبدالله العروي.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x