لماذا وإلى أين ؟

اندماج فدرالية اليسار .. الحلم الموؤود

آشكاين/إدريس بيكلم

تأسست فيدرالية اليسار في أواخر سنة 2014، كتتويج لحوار سياسي دام لأكتر من تلاث سنوات بين مكونات تحالف اليسار الديمقراطي بالمغرب، ورغبة في بناء صرح يساري كبير، يفتح آفاقا جديدة لتوهج اليسار وطنيا، كبديل عن واقع التشرذم والتراجع الذي عرفته الأحزاب اليسارية التقليدية بالمغرب، وهو مشروع طموح يسعى للارتقاء بالعمل السياسي والحزبي، والنضال من أجل توسيع هامش الحريات الديمقراطية ببلادنا وتدعيم قيم الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان، في إطار ممارسة سياسية مبدئية ومرتبطة بالقيم اليسارية التي تتبناها هذه الأحزاب، وعبر المزاوجة بين النضال الجماهيري والتواجد داخل المؤسسات الدستورية، وبعد دخولها انتخابات 2016 لم تتحصل الفيدرالية سوى على مقعدين على المستوى الوطني، ما لم يمكنها من التواجد القوي داخل البرلمان، غير أن الممارسة البرلمانية لممثليها شكلت إحدى نقاط الضوء المميزة للولاية البرلمانية الحالية، وعلى وجه الخصوص، الوجه البارز في الفدرالية النائب عن دائرة المحيط بالرباط والعضو السابق للمكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، عمر بلافريج، والذي تميز حضوره بالبرلمان وخارجه بالكثير من الحركية والجرأة والجدل.

عمر بلافريج النائب الفريق
نالت التجربة النيابية للنائب عن فدرالية اليسار عمر بلافريج، الكثير من النقاش والجدل للجرأة في طرح القضايا وتناولها، ولحدة الموقف الذي يصدح بها داخل قبة البرلمان، والخارجة عن المألوف والمعتاد من نقاشات ومواقف رتيبة وأحيانا مضحكة ، عمر الذي عرف كيف يستغل جيدا كل دقيقة منحت له لابراز مواقفه، وتقديم بدائله التي تمتح غالبها من قواميس ومطالب الشارع والحراكات الاحتجاجية والمطلبية في مختلف القضايا، حتى وصف بصوت الحراك الشعبي داخل البرلمان، خاصة وأنه كان داعما وفاعلا في حركة 20 فبراير، ولم يكتفي عمر بالخطابات والنقاشات الحادة داخل مجلس النوب، بل عمل على نقل النقاش من داخل القبة للشباب في الخارج، عبر اللقاءات والندوات أو المهرجانات ومختلف المناسبات التي يشارك فيه، إضافة الى إستغلاله لمنصات التواصل الإجتماعي خاصة فايسبوك للتواصل مع المتابعين والمدونين والنشطاء، وتمثل تجربة البودكاست السياسي، محطة مهمة في تجربة النائب عمر بلافريج، من خلالها يناقش مختلف القضايا البرلمانية والسياسية والاجتماعية مع رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة الشباب منهم، ولقيت هذه المحطة تفاعلا مهما ولافتا، في لحظة توجه الشباب ورواد منصات التواصل الاجتماعي للتفاعل حول المستجدات السياسية بالبلاد، وفي لحظات سياسية متميزة كان صوت عمر بلافريج داخل البرلمان مثيرا، وجريئا في نفس الوقت، وممتدا خارج المؤسسة التشريعية حيت التفاعل مع جميع الاصوات سواء المنتقدة للأداء العام للبرلمان أو لأدائه الشخصي، وقدم تحليلات مهمة وقراءات قوية للأحداث والقضايا الراهنة والملحة، و ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي وحضور بلافريج فيها بشكل كبير والترويج لعمله ومهامه البرلمانية، خاصة فيما يتصل بمواقفه من بعض الملفات الكبرى المثيرة للجدل، ومن بينها تدخلاته بصدد مناقشة قوانين المالية، التي قدم على إثرها انتقادات للحكومة ومشاريع قوانين المالية، مقدما مقترحاته بخصوص إصلاحات التعليم والصحة، وتصويته المثير للجدل ضد اعتماد ميزانيات البلاط ، ورفضه بناء القطار الفائق السرعة TGV، مقدما برامج ومقترحات ذات طابع اجتماعي وتنموي تعتبر بالنسبة إليه ذات اولوية قصوى.

وحدة اليسار الفكرة التي تأكل أبنائها.
ولد حلم توحيد اليسار الديمقراطي شاهقا، كبيرا ككبر أحلام اليساريين بالمغرب ومتعاطفي هذه التجربة ، وعقد للحلم الذي أصبح مهمة، لقاءات ومحطات نقاش كبيرة بل وضع له أفق وجدول زمني لتنفيذه بين مكونات الفدرالية الثلات، حزب الطليعة الديمقراطي الإشتراكي، القادم من التجربة الإتحادية الأصيلة والحزب الإشتراكي الموحد القادم من رحم المنظمة الماركسية 23 مارس وبعده منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، و مزيج من التيارات اليسارية الأخرى التي انتظمت فيه بشكل قانوني حتى يكون للجميع صوت في داخله، إضافة الى الحزب النقابي الذي يسيطر على الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حزب المؤتمر الوطني الإتحادي سليل الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، أجمعت هذه المكونات على خيار الوحدة والاندماج في حزب واحد، لكنها اختلفت في المسار والتوقيت، ودب الخلاف حتى في صفوف الحزب الواحد، خاصة لدى تيارات الإشتراكي الموحد، التي لم يكتفي بعضها بالتحفظ على هذا المسار داخليا وتنظيميا، بل وامتد ذلك لتصويب سهام الرفض والانتقاد إلى الشركاء في الحلم، قبل أن ترتد السهام فيما بينهم فيصبح الجميع ضد الجميع في الحزب، وحرب الكل ضد الكل صارت تأتي على الأفراد والمواقع، وتضعف المواقف، وتؤجل الحلم الفكرة إلى أجل غير مسمى، حيت منهم من يدعو للتسريع قبل موعد الإنتخابات المقبلة ومنهم من يرى الشروط الموضوعية والذاتية لا تسمح بذلك راهنا ولا يطرح متى موعد هذه النضوج، فبعدما كان الخلاف بين الشركاء صار بين أعضاء الحزب الواحد، والخلاصة أن خيار الوحدة والإنذماج بات في حكم المؤجل إلى حين والفكرة قد لا تولد أو ستولد ميتة، بعد كل هذا المسار والتجربة.

الإنتخابات بعبع اليسار القاتل
تعتبر فدرالية اليسار قرار المشاركة في الانتخابات قرارا تكتيكيا، تمليه الظروف الذاتية والموضوعية وضرورات النضال العام مع الجماهير، وهي بذلك إتخذت خيار الاصلاح أو التغيير من داخل المؤسسات بالموازاة مع النضال الجماهيري في الشارع، غير أن الإنتخابات شكلت لهذا التكتل مند ضهوره غاية مؤرقة، سواء من حيث الإعداد أو حتى النتائج، فمسلسل الإعداد يشهد دائما كما حاليا خلافات حادة تصل حد القطيعة والصراع، ومع إقتراب انتخابات 2021، تشهد مكونات الفدرالية سباقا محموما حول الترشيحات وتزكية وكلاء لوائحها في عدد من الدوائر، وطفت من جديد على السطح خلافات الرفاق الحادة، حول عدد من الأسماء المقترحة لهذا الصدد، واتهامات للقيادات خاصة للزعيمة منيب بالتدخل لترجيح كفة الموالين لها على حساب اختيارات القواعد، ووصلت الأمور حد التلاسن والمشاحنات في الاجتماعات محليا ووطنيا، الأمر الذي يقوض قدرة الرفاق على خوض هذه المعركة وفرصهم في تجاوز النتائج المحصلة عليها في انتخابات 2016.

قدم عمر بلافريج عن فيدرالية اليسار مثالا للنائب البرلماني الجاد والملتزم السياسي المتفاعل مع المجتمع ومشاكل المواطنين والوطن الكبرى، من خلاله محاولاته إثارة العديد من القضايا المؤرقة والشائكة في المجتمع للنقاش في البرلمان، ومع الشباب والساكنة في دائرته الانتخابية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وهو بذلك حريص على تمثل قيم اليسار ومواقفه وممارساته، ما جعل تجربته محض إشادة وتقدير العديد، وزرع أمل بناء فريق برلماني أو أكثر متشبع بهذه القيم ممارس لهذه القناعات والمهام، غير أن انتكاسات السنين الأخيرة، والحروب الدونكشوطية بين رفاق الحزب والفيدرالية، ونقاشات الجدل حول ايهما انضج أولا الشروط الذاتية أو الموضوعية للوحدة أو هما معا، وسباق نيل التزكيات لوكالة اللوائح، وغيرها تهدد الأمال التي عقدت على تطوير هذه التجربة، وتهدد كذلك بالعودة بالمشروع إلى مربع البدايات من جديد.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

3 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
بيروقراطية خانفة
المعلق(ة)
30 يونيو 2021 11:11

يسار القيادات العليلة…يقولون بالسيادة للشعب ويمارسون البيروقراطية ويتطاحنون على الكراس.يقولون بالعمل الجماهيري ويفككون البنية التنظيمية المعلومة….المهم شغالهم هذاك غير ميستبلدوش المغاربة ……انهم كغيرهم من الاحزاب رغم الدندنة المختلفة

ALI
المعلق(ة)
30 يونيو 2021 03:19

اليساري بالمغرب سياسي مغمور يغالبه الخطاب المشحون بالشعارات الطوباوية على التقيّد بالبراغماتية.. يفتقد اليسار بالمغرب لتبنّي المحرك السياسي الشعبي الفعال .. لطالما ظل ضحية الشخصة، سجين رأى نخبة سياسية فاقدة للبوصلة ودينامية المرجعية الواضحة المعالم؛ قولبة اليسار المتعدد المشارب والتوجهات بالمغرب في تكتل يساري مصطنع ” موحد ” أكسبه هجانة النشأه وتخبطاً في صراعات القيادات الأفقية ..

Karam
المعلق(ة)
29 يونيو 2021 23:49

الرادكالية والتطرف لا تجدي نفعا لا لأهلها ولا لمجتمعها. احزاب لا شعبية لها ولا مستقبل رغم التجربة الكبيرة لمسيريها. إن هم لم يتعلموا من هفوات الزمن فكيف يمكنهم تأطير المجتمع؟؟؟ إلى مزبلة التاريخ

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

3
0
أضف تعليقكx
()
x