لماذا وإلى أين ؟

المبروكي : لا علاقة لإرتفاع نسبة الانتحار بغياب الوازع الديني

ارتفعت نسبة الانتحار وسط الشباب مؤخرا بشكل لافت وظاهر للعيان، ما قد يجعله تطورا خطيرا  يكشف عن حجم التدهور الكبير في الصحة النفسية العامة، وخاصة في بعض المناطق التي تعرف ارتفاع نسبة البطالة والفقر، وما يزيد من تفاقم الظاهرة، هو غياب إحصائيات رسمية ودراسات أكاديمية حقيقة عن الانتحار في المجتمع المغربي.

وللحديث عن هذا الموضوع، “اشكاين” تستضيف  الدكتور جواد مبروكي، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي، وطبيب ومحلل نفساني، في إطار فقرة ضيف “السبت ” للحديث عم أسباب الإنتحار وأسباب ارتفاعها وتيرتها في المجتمع المغربي .

في البداية مرحبا بك على موقع “آشكاين” هل يمكن لنا أن نعرف الأسباب والدوافع النفسية التي تجعل الإنسان يقدم على الإنتحار؟

بداية أشكر جريدة “أشكاين” على هذه الإستضافة، وجوابا على سؤالكم يمكن القول أولا أن الإنتحار في أعظم الأحيان تكون أسبابه نفسانية مثل الاكتئاب أو الاضطراب الميزاجي ذو القطبين أو كل حالات الدُّهان، أما في بعض الحالات يكون نتيجة أزمة اقتصادية أو بعد فضيحة اجتماعية أو ارتكاب جريمة كيفما كان نوعها.

طيب ..مؤخرا طرح الموضوع في البرلمان خلال  جلسات الأسئة البرلمانية حيث رفض وزير الشباب والرياضة الطالبي العلمي ،الربط بين ارتفاع نسبة انتحار الشباب وبين النقص في البنيات التحتية وغياب الترفيه؟ كيف ترى هذه المقاربة؟

شخصيا أرى أن هناك علاقة، فمثلا لو كان لدينا هيكل صحي نفساني في جميع أركان الوطن ولدينا مشروع طبي نفساني يتأقلم مع وضعيتنا المجتمعية وبرامج إعلامية ودراسية وتحسيسية للمجتمع مع تطوير الثقافة الطبية (الغائبة في المجتمع المغربي) والنفسية خاصة لكانت نسبة الانتحار منخفضة جدا.

هل تعتقد أن ما يقال حول كون انخفاض نسبة التدين عامل أساسي في ارتفاع ظاهرة الإنتحار في نظرك؟ او بالمعنى الآخر هل غياب الوازع الديني سبب رئيسي ؟

ليس هناك أي دراسة تثبت أن انخفاض نسبة التدين عامل أساسي في الانتحار والعكس صحيح، لأن الانتحار هو الحل الوحيد للانسان من انتهاء عذابه ويرى أن الانتحار سينقده من هذا الألم المعنوي القوي، والفئة الكبيرة التي تنتحر تمر من عدة مراحل من التفكير حتى تصل إلى القناعة أن الانتحار هو الحل المنقد، حيث يفكر المريض في طريقة الإنتحار والتي تكون عادة صائبة وناجحة ويُحضر تدريجبا كل اللوازم ويدرس المكان واليوم والتاريخ وحتى الساعة، بمعنى آخر يبرمج عملية انتحاره بدقة لكي تنجح ، والأمراض النفسية التي تنتهي بالانتحار هي أمراض بيولوجية لا علاقة لها بدرجة الايمان أو التدين ، وبالتالي فإن دور الايمان والتدين يكون وقائيا بحيث يقوي قدرات الانسان النفسية والبشرية والتي تمنحه القدرة على الدفاع أمام المشاكل والصدمات. وبالتالي فإن اعتبار محاولة الانتحار ضعف روحي هو الذي يجعل المجتمع المغربي يستخف من خطورة الانتحار ويتعامل مع هذه المحاولة بكل برودة وكأنه شيء بسيط عادي أو كأنه لا يأخذ المحاولة الانتحارية بجدية و لا يرون انها عملية خطيرة وبأن حياة المريض تبقى تحت خطر تكرار المحاولات الانتحارية في أي وقت خاصة إذا لم يُعالج ويوضع تحت المُراقبة الطبية في مستشفى لحمايته من نوازعه الانتحارية وتوفير الخدمات العلاجية له.

ارتفاع حالات الانتحار سجلت في عند الشباب وأيضا عند الأشخاص فوق 40، لماذا في نظرك؟  

أرى أنه من الصعب أن نتكلم عن “تزايد حالات الانتحار” إذا لا نتوفر على احصائيات، لكن ما نلاحظه هو أن الصحافة تعلن تقريبا يوميا حالة انتحار وهذا لا يعني أن حالات الانتحار قد ازدادت، وإذا أعلنت الصحافة  عن حالات الانتحار مثلا في منطقة دون أخرى فهذا لا يعني احصائيا أن هذه المناطق فيها الانتحار أكثر من منطقة أخرى، لانه من الممكن أن تكون  سلطات هذه المناطق تخبر الصحافة عن الانتحار أكثر من مناطق أخرىو، ربما أن الصحافيين و المسؤولين على هذه الجهات يهتمون أكثر بحالات الانتحار، وقد يكون  بالفعل حالات الانتحار عالية في هذه المناطق مقارنة مع باقي مناطق المغرب وهنا يجب الحصول على الأرقام ، فالمنظمة العالمية للصحة أكدت أن المعدل العالمي لحالات الإنتحار بلغ  حالة واحدة في كل 40 ثانية،  أما بالمغرب فعلى الصعيد الوطني في العام 2012 تم تسجيل 1628 حالة انتحار علماً أن هناك صعوبات في تقديم إحصاءات دقيقة لظاهرة الانتحار في مجتمعنا، بل وتغيب بصفة نهائية .

هل يمكن للطب النفسي أن يتنبأ بالانتحار لدى المريض ؟ وهل الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية والضعف الروحي هي أسباب رئيسية عند المغاربة المنتحرين؟

محاولة الانتحار تعتبر من الأولويات ذات الخطورة العالية وتعد من المستعجلات في الطب النفسي لأنه يهدد حياة المريض و تقع المسؤولية المباشرة على الطبيب و العائلة في حماية حياته حيث يجب إخضاعه للعلاج الفوري في المستشفى خاصة إذا لاحظ الطبيب أن هناك أعراض ومؤشرات تدل على خطر الانتحار كأن يُعبر المريض شفوياً أو كتابياً عن أفكار انتحارية أو يقدم على محاولة انتحار، و لا تُشترط موافقة المريض المعني على الخضوع للعلاج حيث أن القانون يسمح للعائلة والطبيب باتخاذ الإجراءات اللازمة لأن المريض في مثل هذه الحالات يشكل خطراَ شديداً على نفسه و بالتالي من الواجب وضعه تحت مراقبة صارمة و اتباع الطرق العلاجية التخصصية اللازمة وفق القواعد الطبية المتعارف عليها عالمياً ، والانسان الذي يلجأ للإنتحار هو مريض وقد وصل عذابه الداخلي إلى درجة قصوى حيث يرى أن الانتحار هو الحل الوحيد ليوقف هذا الألم النفسي ،اعتبار محاولة الانتحار ضعف روحي هو الذي يجعل المجتمع المغربي يستخف من خطورة الانتحار ويتعامل مع هذه المحاولة بكل برودة وكأنه شيء بسيط عادي أو كأنه لا يأخذ المحاولة الانتحارية بجدية و لا يرون انها عملية خطيرة وبأن حياة المريض تبقى تحت خطر تكرار المحاولات الانتحارية في أي وقت خاصة إذا لم يُعالج ويوضع تحت المُراقبة الطبية في مستشفى لحمايته من نوازعه الانتحارية وتوفير الخدمات العلاجية له ، ويجب التحذير من مسألة خطيرة وهي أنه عندما يُنقل المريض في أعقاب محاولته الانتحارية إلى قسم المُستعجلات، يتم الاكتفاء فقط بتقديم الإسعافات الأولية له و من ثم يُسمح له بالعودة الى منزله بدون أن يخضع في الحين لفحص طبي نفساني كافي لتقويم خطورة الانتحار وإصدار ما يجب القيام به لحماية المريض من طرق علاجية سليمة.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x