لماذا وإلى أين ؟

في مخاطر اليمين الأوروبي المتطرّف على المنطقة المغاربية

محمد سي بشير

فازت، كما كان منتظرا، زعيمة اليمين المتطرّف في إيطاليا، جيورجيا ميلوني بالانتخابات التّشريعية في إطار تكتّل جمعها مع سالفيني وبرلسكوني، زعيمي اليمين رفقتها، وهو فوز متوقّع، بالنّظر إلى موجة التطرّف السّياسي التي اجتاحت أوروبا، في العقدين الأخيرين، وهو، أيضا، في المقام الثّاني، ما سيكون له الوقع السيّئ في استمرار تأثير العنصرية والسّياسات المناهضة للهجرة والمهاجرين، بصفة خاصّة، على المنطقة المتوسّطية برمّتها، وعلى المغرب العربي، حصريا.

الإشكالية المطروحة، منذ العقدين الأخيرين، نجاح اليمين المتطرّف في إثبات نفسه على مسرح التّشكيلات السّياسية التي تتنافس على الحكم. ومع ذلك، كلّه، نجاحها في نشر فكر وأيديولوجية كلّها كراهية، بل واستفادتها من شبكة اتّصالاتٍ تتضمّن قنوات إعلامية، مجلاّت، منصّات رقمية، والآن، وسائل التّواصل الاجتماعي، للتّغطية على أيّة أصوات ترتفع للتّنديد بفكرها وبسياساتها، وهو ما ستحاول المقالة معالجته مع التّركيز على التّداعيات على المنطقة المغاربية من ناحيتين: الأولى، المهاجرون المغاربيون في أوروبا. والثّانية تشير إلى العلاقات مع هذه التشكيلات والحكومات التي قد تشكُّلها، في حال فوزها بالانتخابات، كما هو الحال في إيطاليا وقبلها السويد، وهما عضوان في الاتّحاد الأولى التي تربطنا معها، في تونس، الجزائر والمغرب، اتّفاقات شراكة.

على المستوى الفكري، هناك دعوات، في الأوساط الأكاديمية والإعلامية، خصوصا في فرنسا، إلى مراجعة الرُّؤى التّي تصنّف اليمين المتطرّف ضمن التّيارات الشعبوية في محاولة للسّعي نحو شرعنة تلك الرُّؤى والكراهية للأجانب والمهاجرين، إضافة إلى اعتبار أنّ اليمين المتطرّف إنّما هو توجُّه سياسي لحماية النّقاء العرقي، الحضارة الغربية والنّجاة بالأوروبيين والغرب ممّا ينتظرهم إذا حلّ ما يهدّد الحضارة الغربية من ظاهرةٍ من بنات خيالات هؤلاء، وهي الاستبدال الكبير.

على المستوى السّياسي، هناك سعي إلى تعويض التّراجع اليساري واليمين الوسط بصعود التّيارات اليمينية المتطرّفة والحركات الشّعبوية التي كانت تتحرّك على هامش الحياة السّياسية، وبدون تمثيل داخل المؤسّسات السّياسية أو بروز إعلامي. ولكن، في العقدين الأخيرين، شهدت أوروبا تصاعد موجة اليمين المتطرّف وتمدُّد تمثيليّته في بعض البرلمانات، وصولا إلى تمكّن التّيار من امتلاك منابر إعلامية وتشكيل محور أوروبي بتوزيع جغرافي شمل إيطاليا وفرنسا مرورا بألمانيا والنّمسا، وانتهاء بأوروبا الشّمالية التي كانت الاشتراكية الاجتماعية تفوز بالانتخابات، وتشكّل الحكومات فيها لكنّها تراجعت مع تمدُّد اليمين المتطرّف.

أمّا التّداعيات على المغرب العربي من النّاحيتين المذكورتين، فإنّنا نعلم أنّ المهاجرين يعيشون أسوأ مرحلة منذ إقامتهم في الغرب، حيث يُهاجمون في هويتهم، سواء في المدارس، العمل، النقل، أو لتجديد اقاماتهم وشرعنة وجودهم في بلدان الغرب، كما يُضيّق عليهم، خصوصا بالنّسبة للجيل الثّاني (والثاّلث والرابع، الآن، في فرنسا، على وجه الخصوص التي وصل إليها المهاجرون مع نهاية الحرب العالمية الثانية أو قبلها بقليل) الذي استفاد من الجنسية وحقّ الانتخاب من دون أن ينسحب ذلك على تمثيلية المهاجرين في أيٍّ من المؤسّسات أو يبرز وجودهم في الإعلام، إلاّ في النّادر، أو في الاقتصاد، قياسا إلى النّجاح في الرّياضة، خصوصا كرة القدم، التي برزوا فيها وصنعوا أمجادا للبلدان التي يُقيمون فيها، لكن من دون أن يتعدّى ذلك إلى انعكاس ايجابي يُذكر على المهاجرين من أبناء بلدانهم التي ينحدرون منها، خصوصا من النّاحية السّياسية المؤثّرة على السّياسات العامّة التي قد تحسّن من حياتهم، وترفع عنهم تلك التضييقات.

تعيش تلك الجاليات، على كلّ المستويات، عنصرية تزداد وتيرتُها، يوما بعد يوم، وبخاصّة أنّ صعود التّيارات اليمينية جعل من تلك التّضييقات شيئا عاديا سيُرفض تصنيفُه ضمن الإجراءات التي يمكن وصفها انعزالية غربية على نفسها داخل المدن، وفي تصوّر ممارسة السّياسة أو الإدراك والصُّورة النّمطية للمهاجر في مخيّلة كلّ القطاعات، خصوصا الاجتماعية منها التي تشهد، كلّ يوم، تضخيما لأحداثٍ منعزلة تحسبها مقدّمة لظاهرة الاستبدال الكبير، كلّما كانت هناك فرصة لبروز ممارسة المسلمين، مثلا، شعائرهم الدّينية على غرار صوم رمضان، أداء صلاة الجمعة أو إقامة صلاة العيد وشعيرة الذبح في عيد الأضحى أو، بصفة خاصّة، ارتداء الحجاب والخمار بالنّسبة للفتيات والنساء العاملات أو في الجامعات والفضاء العام، بصفة عامّة.

على المستوى المغاربي، يعود صعود اليمين المتطرّف بالضّرر على العلاقات مع الاتّحاد الأوروبي، حيث تعمل تلك الحكومات على الانكفاء على المستوى الدّاخلي، ولا تعطي للعلاقات مع الضفّة الجنوبية أيّة أهمّية، حيث إنّها تُفضّل المستويات السّيادية على العمل الأوروبي الجماعي، وعندما تقوم بالعمل الأوروبي تفضّل أن يتمحور التّعاون في المجالات الأمنية الخاصّة باحتواء الهجرة السرّية (مراكب ومهرّبين)، استرداد المهاجرين مع رفضها التطرُّق للمشكلات التي يثيرها تصاعد اليمين المتطرّف على الجاليات المغاربية، بصفة خاصّة. كما تربط تلك الحكومات بربط تحسين العلاقات بملفات ليس لها حظ من الواقع على غرار ما تقوم به فرنسا، مثلا، مع كل من الجزائر والمغرب، حيث ترفض منح تأشيرات دخول لرجال الأعمال والسياسيين والطلبة، لأن البلدين، زعما، ترفض إصدار تصاريح قنصلية تسمح باسترداد المهاجرين غير الشرعيين، وهي قضية أمنية بحتة، إذ لا يمكن التعرّف، يقينا، على هؤلاء المهاجرين في غياب وثائق رسمية. وقد طالبت الجزائر، والمغرب أيضا، بضرورة التيقن من هويات هؤلاء المهاجرين قبل إصدار تلك التصاريح، ما دفع باريس إلى اتّخاذ قرار بمعاقبة الجزائر والرباط بتقليص إصدار التأشيرات للفئات المذكورة. قد يقول قائل إن باريس ليس فيها حكومة يمين متطرّف، وهو الحقيقة الظاهرة، فقط، إذ إن التوجه، منذ العقدين الأخيرين، لأسباب انتخابية ثم اقتصادية وإعلامية – أيديولوجية، يشير إلى غلبة الأفكار المتطرّفة، يمينا ويسارا، وتزداد وتيرتُها مع تصاعد وتيرة الأزمة الاقتصادية وضغوط اليمين المتطرّف، إعلاميا وسياسيا خصوصا، وهو الأمر الواقع في فرنسا، منذ فترة.

نشاهد، يوميا، على القنوات الإعلامية الأوروبية، استضافات في استوديوهات تحليلية، فكريا وسياسيا واجتماعيا، لتصاعد موجة العنصرية بتضخيم أحداث جانبية تمسّ الأمن العام، وذلك عندما يكون أبطاله والضالعون فيه من أبناء الجاليات المغاربية، ومع تصاعد موجة اليمين المتطرّف سياسيا ثم، مع النّجاح في الانتخابات، كما جرى في السويد وإيطاليا أو في فرنسا، حيث نجح قرابة المائة من اليمينيين المتطرّفين في الفوز بمقاعد برلمانية في الجمعية الوطنية. ولن يزداد الوضع إلا سوءا، والتداعيات بالضغوط على حكومات المغرب العربي لن تزداد إلا تمدّدا، خصوصا في الميادين الأمنية والاجتماعية – الهوياتية.

وإذا صدقت الأخبار التي رشّحت أنّ الرئيس الفرنسي، ماكرون، ينوي حلّ الجمعية الوطنية (البرلمان) في مارس/ آذار 2023 بعد إقرار قانون التقاعد المثير للجدل، فانّ الترشيحات تصبُّ في صالح اليمين المتطرّف واليمين المتشدّد للفوز بأغلبية المقاعد، ما سيمنح فرصة للرئيس بالتبرؤ من كل الأزمات والمشكلات التي ستشهدها فرنسا، خصوصا على المستويين الاقتصادي والإقليمي – الدُّولي. يعني هذا السيناريو أن المنطقة المتوسطية الجنوبية في أوروبا ستكون تحت رحمة اليمين المتطرّف، وهي الجهة المقابلة للمغرب العربي، والأكثر التصاقا به سياسيا، أمنيا، واجتماعيا، وهوياتيا، ما سيولد عنه تداعيات لا يمكن حصرها، على تلك المستويات، ولكنّها، حتما، ستكون ذات طبيعة سلبية، خصوصا أنها تتزامن مع تراجع جل المؤشرات في المنطقة المغاربية، سواء على مستوى عملية التحوّل نحو الديمقراطية أو بالنسبة للملفات الداخلية، خصوصا الاجتماعية منها والاقتصادية.

جيورجيا ميلوني، بالنتيجة، هي المقدّمة، والتداعيات ستكون كبيرة جدا على المنطقة المغاربية. ويحتاج رفع التحدّي من دول المغرب العربي كلها عملا تعاضديا بعيدا عن الخلافات، لأن الآخرين ينظرون إليها بالعين نفسها، ومن خلفية المخيلة نفسها، ومن خلال الصُّورة النمطية نفسها.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x