2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

آشكاين/وسيم الفائق
يأتي شهر رمضان مرة كل سنة، مُحَملا برموز مقدسة، بطقوس دينية و عادات شعبية، شهر يستثمره المسلمون في العبادة والتقرب من الله، والإكثار من الطاعات، بينما يستغله آخرون لمضاعفة مداخيلهم من أعمال تجارية، مستفيدين من تهافت الناس على الأسواق، وهوس الإستهلاك المفرط. و في هذا الشهر كذلك، يفقد بعض الناس عملهم، وآخرون تغلق أبواب رزقهم المعتادة، فيما تصبح أنشطة أخرين محظورة، و تفرض على العاملين والعاملات بها “العطالة”.
“عاطلو رمضان”، سلسلة رمضانية ارتأت جريدة “آشكاين” أن تسلط من خلالها الضوء على فئة من الأشخاص يضطرون إلى التخلي عن أعمالهم التي يزاولونها طوال السنة خلال شهر رمضان، سلسلة تحاول رصد واقع هذه الفئة خلال رمضان، وذلك من خلال شهادات حية.
النكافة… قبل رمضان
النكافة “زعيمة” كل عُرس مغربي، دونها وأتباعها من “صانعي الفُرجة ” لا يقام أي زفاف، أو على الأقل لا تكتمل أركانه، ليست مجرد “مهنة” بل هي رمز أصيل من “ثقافة” المغاربة. تتكفل بأزياء العروسة وإطلالاتها، وتُصِرُّ أن تُخرجها إلى الحاضرين في أبهى حلتها، كما توكَلُ لها مهمة تنبيه الحاضرين لـ”طقس برزة” العروسة، أثناء دخولها، عبر ما يُسمى بـ”التعشاق”، مع إثارة حشود النساء لإعلاء أصوات الفرح، واستعراض مهاراتهن في إلقاء “الزغروتة المغربية”، أكاد أقول أن نجاح العُرس مرتبط بمدى نجاح النكافة في تسيير شؤونها مع “سيدة العرس”، فإن هي أحسنت التعامل معها، وإظهارها بما يرضي مَشاهِد الحاضرين، والحاضرات اللواتي يدققن في تفاصيل كل صغيرة وكبيرة، تمكنت “راداراتهن” من التوصل إليها، فذاك هو الفوز العظيم.
حين يأتي رمضان
مهنة “النكافات”، و”ولاد الهزة”، و”النقاشات” و”الطيابات”و”التريتور”…،إلخ. يكسبون قوتهم من أفراح الناس، ويدبرون عيشهم كلما أذِنَ الله أن يربط بين رجل وامرأة في الأرض، وأراد لهم أن يقيموا وليمة زفاف، وعادة ما يُكثر القوم من أفراحهم، ويستأنفون مسراتهم، خلال فصل الصيف، أما حين يأتي رمضان، فلا الناس تفكر في عرس ولا في إقامة حفل، بل يؤجلون إشاعة أفراحهم إلى “ما بعد رمضان”، فتتوقف بذلك أرزاق عدد من الأشخاص، ويذوقون من هول”الشوماج” فنونا وألوانا.
في شهر رمضان تتوقف “النكافات” عن العمل، هذا العمل الذي يبدو مُمتعا، غير أنه جحيم يتخفى وراء قناع بهجة الأعراس –كما أخبرتنا إحدى النكافات-، لا يشتغلن بتاتا في رمضان، تقول فاضمة (اسم مستعار)، وهي التي اشتغلت في هذا الميدان لمدة 14 سنة، أن العُرس بمثابة الـ”دينامو” أو تلك “العجلة” الضخمة، التي تنتعش بدورانها عدد من المهن وتُنقذ الآلاف من الأسر، إذ بمجرد أن تتوقف الأعراس، تقل مداخيل مجموعة من المهن الأخرى المرتبطة بطقس العرس المغربي، مثل “العطار وبائع الدجاج والجزار والطيابات والنقاشات…”، هذا فضلا عن أصحاب المحلات و أصحاب الخيام أو القاعات، إلى أن نصل إلى الذين يشتغلون في ليلة العرس تلك “الجوق، المغنون، الشيخات، تريتور…”.
خلال رمضان
لا تبحث جل هؤلاء النساء عن بديل، أو على الأقل ممونو الحفلات، والعاملات في هذا المجال، اللواتي قدمن لنا شهادتهن ، خصوصا أولئك الذين يعملون في الأعراس الشعبية، أما أصحاب الأعراس الفاخرة، فلا وجه للمقارنة بينهم وبين هذه الفئة، لا يستوون، رغم عملهم في مجال مشترك، لا يتلقون نفس الصفعة، و لا يصيبهم القدر نفسه، ورغم أنهم يشتركون في نفس الضرر إلا أن درجة حدته تختلف من مشروع لآخر، حسب مجموعة من الشهادات.
تقول فاضمة: “النكافة لي ماجمعاتش لرمضان كاضربها تالافة (الهلاك)”، تصمت قليلا، ثم تغير أقوالها باضطراب واضح: “آش غادي تجمع ربي لي عالم، ما نجنيه في الشهر لا يكفينا في بعض الأحيان لسد حاجياتنا الأساسية، وأنا أحدثك عن “الادخار” (تبتسم بعفوية وهي تتابع حديثها) ماذا ستدخر؟ الريح؟ إننا لا ندخر سوى الهموم يا ولدي”.
تضيف كلامها بجملة تبتدئ بها حديثها دائما: “ربي اللي عالم هذا المجال أصابه الخراب، منذ أن تسلط علينا فيروس “كورونا”، وفُرض علينا أن نقعد في بيوتنا كالأيتام، ليس لنا إلا الله، وهذا المجال عشت به وكفلت أبنائي وكان خير رزق لي ولهم، أما الآن فقد غادرنا الخير إلى حيث لا ندري، نطلب الله اللُّطف والسلامة”.
خلال إحدى الشهادات، استعرضت علينا فتيحة النكافة، بعض أسرار هذه المهنة، تقول إنها حرفة تحتاج منك صبر الزُّهاد، قد تُسقطك مع أناس جيدين، كما قد يلقي بك القدر في ليلة ما بين مجموعة من السُكارى يتقاتلون في خيمة عرس، محنة المحن يا أخي، نظل مستيقظين إلى الصباح، وفي الأخير نأخذ مائة درهم لليلة أو مائتا درهم كأقصى تقدير.
تضيف لحديثها باستياء واضطراب، كطفل انتزعت منه لعبته: “أتظن أننا نتوكل على أجور هذه المهنة؟ طبعا لا، ما يجعلنا متمسكين بالمهنة هو “البياض” (يُقصد به البقشيش)، قد ينعم عليك عريس إذا ما أُعجب بعملك، بقليل من “المال”، وقد تمدك عروس بورقتين نقديتين، بعد أن ينتهي العرس كما كانت ترجوه، هناك أبناء الخير نعم، مثلما يمكن أن تعمل طيلة الليل تكد كدا، دون أن يأبه لأمرك أحد”.