تراجع المغرب 9 مراكز في مجال حرية الصحافة، ليحتل المرتية 144 ضمن 180 دولة في العالم، و ذلك حسب تقرير لمنظمة ”مراسلون بلا حدود” حول مؤشر حرية الصحافة برسم سنة 2023ـ والذي ظهر الأربعاء الماضي.
وكانت تقرير لذات المنظمة الدولية قد وضع المغرب، خلال السنة الماضية، في المرتبة 135، قبل أن يُسجل تراجعا بتسعة مراكز خلال السنة الجارية.
وعزى تقرير المنظمة تراجع حرية الصحافة بالمغرب إلى ”اعتقال الصحفيين ومتابعهم على خلفية قضايا جنسية”.
وسارعت الحكومة، عبر ناطقها الرسمي، إلى الرد على تقرير ”مراسلون بلا حدود”، حيث قال الوزير مصطفى بايتاس، إن المنظمة ”لا علاقة لها بالصحافة”.
وأوضح خلال الندوة الصحفية التي تعقب المجلس الحكومي، الخميس الماضي، أن “هذه المؤسسة معروفة بعدائها الممنهج ضد المغرب، ويجب أن نعترف بهذه المسألة”، موردا أن “الحكومة تتقبل بصدر رحب جميع الانتقادات، شرط أن تكون هذه الانتقادات موضوعية وأن تكون أيضا بناءة”.
للوقوف على خلفية تقرير ”مراسلون بلا حدود” حول حرية الصحافة بالمغرب، أجرت جريدة ”آشكاين” حوارا من ثلاثة أسئلة مع محمد العوني رئيس منظمة حريات الاعلام والتعبير (حاتم).
س: قراءتكم الأولية لتقرير ”مراسلون بلا حدود” حول حرية الصحافة بالمغرب؟
– أولا يجب لنا بصفتنا مهتمين بمجال حرية الاعلام في المغرب، مناقشة المؤشرات التي يعتمدها التقرير، أصدرنا بيانا يحمل ملاحظات حول التقرير، للاشتباه في تأثره بالأزمة القائمة بين السلطات السياسية في المغرب وفرنسا، وهناك أيضا نقصا بل وغيابا للانسجام في المعايير المعتمدة، على الأقل بين البلدان العربية، إذ أن بعض هذه البلدان تعيش وضعا ”أسوأ” ولكن في التقييم يظهر قلة الانسجام وغياب الانصاف في المؤشرات والمعايير المعتمدة.
لكن لا ينبغي للفاعل السياسي أن يتعامل مع قضايا الاعلام، ضمنها حرية الاعلام، بشكل جزئي أو بانتقائية أو اعتماد خطاب المظلومية، المطلوب أن يكون هناك إرساء لقواعد ومبادئ ممارسة إعلامية نزيهة وحرة تعتمد على الاستقلالية والمهنية والتعددية والخدمة العمومية.
المطلوب من الفاعل السياسي ومختلف الفاعلين أن يتعاملوا مع التقرير بالمواجهة الايجابية، أي أن نقلل من أسباب ومؤشرات وجود المغرب في تلك الرتبة، مثلا من حيث الجانب القانوني، تستخلص بعض المؤشرات السلبية، إذ هناك في المغرب محاكمة للصحفيين بالقانون الجنائي بل حتى بقانون الإرهاب، كما حالة الصحفي علي أنوزلا التي لا تزال معلقة رغم قدمها، مما يعني عدم وجود تبرئة أو إقفال للملف، وأيضا محاكمة الصحفيين بالقانون الجنائي….
ورغم أن قانون الصحافة والنشر ألغى العقوبات السالبة للحرية، إلا أنه لم يتم التنصيص فيه، كما طالبنا في منظمة حريات الاعلام والتعبير (حاتم)، على أن الصحفيين لا يحاكمون إلا بقانون الصحافة والنشر. ويتضمن هذا القانون عشرات الفصول المرتبطة بالعقوبة فقط.
هناك مؤشرات مرتبطة بالوضع القانوني في مختلف الجوانب، إذ هناك غياب لحماية الصحفيين في القانون عبر ألية للحماية، وهي مؤشر تعتمد عليها ”مراسلون بلا حدود”، وقس على ذلك عديد من المؤشرات الأخرى البالغ عددها سبعة يطولها شرحها…
المهم على الفاعل السياسي أن يستجيب لشروط ومؤسسات حرية الاعلام بمختلف جوانبها وأن يتفاعل معها إيجابيا تشريعيا وقانونيا وايضا سياسيا وأمنيا واجتماعيا واقتصاديا وتوفير المناخ.
س: كيف تنظرون إلى رد الحكومة على تقرير ”مراسلون بلا حدود”؟
– تعودنا على مثل هذه المواقف من المسؤولين الحكوميين إزاء مثل هذه التقارير، يقول المثل الدارج ”كيمسحو السما بليكا” يعني أسهل حاجة اعتبار الآخر بأنه خاطئ ويستهدف المغرب، أشرت في البداية أنه يمكن أن نناقش بعض المعايير والمؤشرات، لكن لا يمكن أن ننفي أن هناك أيضا وقائع وحقائق يعتمدها تقرير ”مراسلون بلا حدود” وهي واقعية وسلبية جدا، بل هناك تراجعا على مكتسبات تحققت في المغرب منذ سنوات.
إذن، الموقف الرسمي في رأيي ينبغي أن يربط بالعمل وبالفعل وبتغيير السياسيات والقوانين وكل ما يحسن أوضاع الاعلام، وخاصة أوضاع الحرية والتعددية والاستقلالية والمهنية واحترام الخدمة العمومية لدى كل الصحفيات والصحفيين ولدى وسائل الاعلام. مثلا في موضوع الأخلاقيات مؤسسات إعلامية لا تحترم الأخلاقيات -قليلة هي المؤسسات التي تفعل ذلك- تدفع وتضغط على الصحفيين لخرق ميثاق الأخلاقيات. هذا ينبغي أن يكون فيه عمل من أجل التقليل من مؤشرات الخروقات من خلال تطوير التنظيم الذاتي ورفع الاحتكار الوصاية غير المعلنة على مؤسسات الاعلام العمومي والتوقف عن سياسية تدجين المنابر الاعلامية الخاصة، سواء الإذاعات أو الجرائد الالكترونية وغيرها.
هناك عدة جوانب تحتاج إلى المراجعة وإلى تبني سياسات وإجراءات وتنظيمات جديدة.
س: هل يُساهم التخبط الذي يعيش على وقعه المجلس الوطني للصحافة في التقييم السلبي للمنظمات الدولية للمغرب في مجال حرية الصحافة؟
– صحيح أن التنابز بين الصحفيين يؤثر على الوضع الإعلامي العام، وهنا ينبغي التنبيه إلى أن ممارسة السلطة السياسية أساسا تدفع إلى هذا التنابز، بحيث تخلق خلافات بين الصحفيين بدفع بعضهم إلى الاصطفاف إلى جانبها وأن يكونوا أصواتا للدولة وللمؤسسات الرسمية. هذا فيه طبعا تأثير على القوت اليومي للصحفيين والضغط عليهم بالتعويضات بكذا…، إذن هناك هذه المسؤولية، ولكن الصحفيون ينبغي أيضا يرتقوا عبر التضامن فيما بينهم إلى مستوى ما تنص عليه أخلاقيات الإعلام، ويساهم هذا التضامن في ألا يكون بعضهم ضد البعض الآخر. ويتطلب هذا عملا كبيرا من قبل التنظيم الذاتي ومن قبل مكونات الجسم الإعلامي ككل.
في هذا السياق ومن أجل مناقشة الخلافات والتقليص منها، دعونا في منظمة ”حاتم” من أجل مبادرة حوار في الجسم الاعلامي ونريد من الصحفيين أن يجلسوا مع بعضهم ويناقشوا بهدوء كل القضايا، وهناك مشترك واسع بين كافة الصحفيات والصحفيين في المغرب، وينبغي التركيز على هذا المشترك الذي يتضمن مسألة الحرية وحرية التعبير، تطوير المهنة، تحسين أوضاع الصحفيات والصحفيين وعدة أمور أخرى مشتركة ولا خلاف فيها، ثم مناقشة أو على الأقل بداية النقاش لما هو موضوع اختلاف للتقليص من مجالات الاختلاف و الاحتكام إلى النقاش الديمقراطي.
هذه المبادرة لم تكن بمناسبة بروز قضية المجلس الوطني للصحافة ولكن قبلها، إلا أنه في الفترة الأخيرة أصبح ملحا التوجه إلى هذا الحوار، فنحن نلاحظ أن الصحفيات والصحفيين يخاطبون الجميع و يتحاورون مع الجميع إلا مع بعضهم البعض، وبالتالي هناك هذه الضرورة.
أكيد أن التنظيم يحتاج إلى النقاش وهي فرصة الآن، رغم وجود مناخ سلبي، إلا أننا نعتبر أنه يمكن أن يشكل نقاش التنظيم الذاتي فرصة لطرح عمق قضايا الإعلام. لا يمكن مناقشة التنظيم الذاتي و قانون المجلس الوطني للصحافة بشكل معزول عن السياقات، من ضمنها القانوني، بحيث نحن نطالب بمدونة شاملة لقوانين الإعلام والاتصال ككل وأن تكون هناك مراجعة لمختلف القوانين بما فيها طبعا قانون المجلس الوطني للصحافة وأهم ما ينبغي التركيز عليه هذا القانون هو تمكين المجلس الوطني للصحافة من صلاحيات حقيقية للدفاع عن الصحفيات والصحفيين وللدفاع عن حرية الاعلام والمهنة، وللقيام بكل ما يمَكنه من تنظيم ذاتي سليم أو يتجه نحو إيجاد بيئة للاشتغال الإعلامي.
ترتيب المغرب في حرية الصحافة تأثير بكثرة الصحفيين الذين زج بهم في السجون