لماذا وإلى أين ؟

غميمط: الغِـــشُّ بنيوي تأسَّس في حضن الدولة و امـــتدَّ إلى قطاع التعليم (حوار)

آشكاين/ وسيم الفائق

في كل محطة يشهد فيها المغرب تنظيم امتحانات الباكالوريا تطفو على سطح المجتمع ظاهرة مرافقة للغش، تتمثل في “تفاخر” التلاميذ بهذا السلوك غير القانوني و”المنبوذ أخلاقيا”؛ إذ لم يعد جل المتعلمين يتحرجون من الإفصاح عن سلوكياتهم هذه التي يرون فيها “حقا مشروعا” يمارسونه، بل ويحتجون من أجل ممارسته.

موسم امتحانات الباكالوريا، يعد فترة “التصريحات المثيرة” بامتياز، حيث يُبدع فيها التلاميذ في وصف أساليب “الاحتيال والخداع” التي يمارسونها على المراقبين، ويستعرضون خلالها حيلهم الجديدة للغش، بل منهم من يحتج ويصرخ، وقد يذرف الدموع أحيانا، لأن أستاذا ما منعه من ممارسة “حقه” المزعوم في “الغش”، مثلما يفعل الجميع، تحت ذريعة “إذا عمت هانت”. وأضحى بذلك الغش، مرادفا للنجاح، و”موضة” جديدة تحظى برواج واسع.

جريدة “آشكاين” في فقرتها لضيف الأحد لهذا الأسبوع، اختارت استضافة عبد الله غميمط، الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم (التوجه الديمقراطي)، من أجل الوقوف عند ظاهرة الغش في المؤسسات التعليمية، وأسباب استمرارها؟ وعن دور ومسؤولية النظام التعليمي في تنامي الظاهرة؟

في ما يلي نص الحوار:

لماذا فشلت الجهات المختصة إلى حد الآن في التصدى للغش في المؤسسات التعليمية؟

ظاهرة الغش ظاهرة بنيوية تأسست في حضن الدولة وامتدت الى المجتمع منذ عقود من الزمن، وأصبحت وسيلة من وسائل الوصول إلى أهداف غير مشروعة والاستفادة من منافع مادية واقتصادية وسياسية ضدا على القوانين المنظمة. ومع تنامي هذه الظاهرة تلجأ الدولة ومؤسساتها الى التظاهر على انها بصدد محاربة الغش ،لكن في الواقع كل التدابير والإجراءات لا تمس الجوهر لإلغاء الأسباب الحقيقية للظاهرة، بل تتوجه فقط إلى السطح مع التركيز على حالات قليلة كأكباش فداء، والتطبيع معها في واجهات مجتمعية حقيقية ( الادارة ، الانتخابات بكل أصنافها وأنواعها ، الاقتصاد )،مما يولد لدى المجتمع تمثل إيجابي حول الظاهرة، ويعطيه الرغبة في ممارستها بشكل واضح.

يبقى مجال التعليم أحد الواجهات التي تأثرت سلبا بالمجتمع وما يخترقه من ظواهر مرضية، وتغلغلت هذه الظاهرة المشينة في القطاع وتم التطبيع معها،كما ارتفع منسوبها في ظل تطور التكنولوجيا، وأصبحت معيقا حقيقيا في تقييم موضوعي لتعلمات التلاميذ والطلبة، مما أفرز تباينات وفوارق بين مدى تملكهم للمعارف والمهارات داخل الفصول ،وخلال التقويمات .

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة “تفاخر” التلاميذ بالغش في تصريحات صحفية أمام الملأ، ومنهم من “يحتج” لأنه منع من هذا الفعل الذي يرى فيه “حقا” انتزع منه، فكيف تنظر إلى هذا الوضع، ومن المسؤول عنه؟

منظومتنا التربوية تعيش أزمة حقيقية بفعل السياسات والمرجعيات اللاشعبية الموجهة ضد التعليم العمومي ومزاياه، مما أدى إلى تفكك المدرسة العمومية وتغذية مختلف أنشطتها بثقافة المقاولة والسوق ورهاناتهما، وهو جعلها تبحث عن كل الوسائل التأطيرية والبرامج الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف.

وظلت ظاهرة الغش أحد مداخل إضفاء المشروعية على السياسات المنتهجة من طرف الوزارة والحكومة في هذا المجال، دون اعتبار لكل القيم النبيلة التي تستوجب أن تكون من مخرجات للمدرسة، فنجد ظاهرة الغش تمتد من أعلى هرم في قطاع التربية والتكوين ممتدة إلى كل مرافقه بوعي من المسؤولين الفعليين. فكل انشطة الوزارة تخترقها الظاهرة عبر كل مجالات التدبير الإداري والمالي والتربوي، ويتم احتضان الظاهرة والمستفيدين منها، وهذا بالطبع سيولد توجه سائد داخل القطاع وفي محيطه لا يحارب بجدية الظاهرة تربويا وإداريا وثقافيا وقانونيا، بل منخرط كل من موقعه في اعتبارها مكتسب، ويسعى الى عزل والتحامل على كل التعبيرات والاصوات المناهضة للغش في المدرسة. فالعديد من الأطراف داخليا وخارجيا مسؤولة عن ارتفاع منسوب هذه الظاهرة.

يعني أن طبيعة النظام التعليمي يشجع على الغش؟ 

بالتأكيد طبيعة النظام التعليمي لها مسؤولية في تنامي الظاهرة، لانه نظام يعتمد على الحفظ والاستظهار والتلقين مما يسهل العملية ويعطي فرصة للغشاشين للنجاح والترقي، ويحرم الطاقات الابداعية والمعتمدة على قدراتها من الحق في تكافؤ الفرص والمساواة، ناهيك عن كون النظام التعليمي وجه جزء مخرجاته الى المعاهد ذات الاستقطاب المحدود التي تضمن لمنتسبيها حق الولوج الى سوق الشغل، مما جعل قطاع واسع من المتمدرسين في مستويات مختلفة يبحثون بكل الوسائل بما فيها الغش للحصول على نقط عالية.

طيب، وهل من حلول لنتجاوز هذه الظاهرة؟

أعتقد أن مهمة الحد من ظاهرة الغش ومفعولها في القطاع والمجتمع هي مسؤولية مجتمعية، ولكن مسؤولية الدولة ومؤسساتها بالدرجة الاولى، تقتضي توفر إرادة سياسية مستقلة عن توصيات الأبناك الدولية والمؤسسات الامبريالية، تستحضر تداعيات ضعف المنظومة التربوية على مناحي الحياة المجتمعية ، وتذيلنا في أدنى مراتب مؤشرات التربية والتعليم والتنمية، وتأخذ بعين الاعتبار دور التعليم العمومي المجاني في تقدم العديد من الدول التي كانت تصنف في الدول المتخلفة، وتتبنى خيار الدولة الاجتماعية الحقيقية تعليما وصحة وسكنا وشغلا وتوزيعا عادلا للخيرات ومحاربة لكل أصناف الريع والغش. فعبر هذه المقاربة الديمقراطية يمكن تجاوز تغلغل الغش في تعليمنا ،وتشييد تعليم عمومي مجاني وموحد شعبي و ديمقراطي لكل أبناء وبنات شعبنا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
من المغرب
المعلق(ة)
11 يونيو 2023 21:41

فعلا أضحى الغش مرضا مزمنا يستوجب العلاج مثله كالسكري مثلا الذي يحتاج إلى العلاج المزمن ولكن اختصارا للوقت والجهد وتفادي الضياع، فإنه بات من الضروري اكتشاف دواء للظاهرة عن طريق علاج واحد موحد على شكل حل”مجتمعي-تربوي-حكومي” كما الحال للسكري الذي يتحدثون بخصوص اكتشاف علاج له عن طريق جرعة واحدة ربحا للوقت وتفاديا للألم الطويل الذي تحدثه الائبر في جسم المريض

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x