لماذا وإلى أين ؟

الإختصاصية بوسلهام ترصُد أثـــار الزلزال على التلاميذ و تبسطُ طُرق مواكبتهم نفسيا

خلف الزلزال الذي ضرب إقليمي الحوز وتارودانت ليلة الجمعة الماضي المئات من “القتلى” والآلاف من الجرحى والمعطوبين الذين سارعت السلطات الصحية إلى إنقاذهم و إسعافهم حتى لا تتفاقم إصاباتهم، وفي المقابل خلف تأثيرا نفسيا كبيرا على الناجين من الكارثة الطبيعية، خاصة على فئة الأطفال المقبلين على موسم دراسي جديد.

وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة قررت، بتنسيق مع السلطات المحلية، تعليق الدراسة في الجماعات القروية والدواوير الأكثر تضررا داخل أقاليم الحوز و شيشاوة و تارودانت، معلنة أنها تعمل على إيجاد الصيغ التعليمية و اللوجستيكية المحلية المناسبة لضمان الاستمرارية البيداغوجية للتلاميذ خلال الأيام المقبلة، مع تعبئة أطر الدعم الاجتماعي من أجل الإنصات وتقديم جميع أنواع المشورة والدعم النفسي لفائدتهم من أجل مساعدتهم على تجاوز التأثير النفسي للصدمة عليهم واستئناف دروسهم بشكل سليم.

تأثير نفسي حاد

ترى الدكتورة ربيعة بن بوسلهام، اختصاصية نفسية واختصاصية إضطرابات النمو، أن الزلزال سيخلف ردود فعل حادة وأليمة خاصة لدى فئة الأطفال والمراهقين؛ وهم الفئة المتمدرسة، أي التلاميذ والطلبة، بحيث إن الزلزال ليس بالأمر الهيّـن وفي رمشة عين أودى بحياة أكثر من ألفي شخص إلى حدود الساعة.

وتؤكد بوسلهام في تصريح للصحيفة الرقمية “آشكاين”، أنه ليس بالأمر السهل على طفل في عمر سبع سنوات أو مراهق في عمر 14 أو 15 سنة أن يكون أو يشاهد عائلاته تحت الأنقاض أو يفقد أبا أو أما أو أخا أو أسرة كاملة كما هو الشأن لبعض الحالات، أو يصبح في رمشة عين محاطا بالجثث والمعطوبين أمام الإحساس بالعجز وعدم القدرة على تقديم يد العون، مشددة على أن كل هذا يعمق الحزن و الغبن النفسي والإحباط، إلى جانب مشاعر الخوف والصدمة.

الأعراض ومدة التأثير

المتحدثة  لـــ “آشكاين”، تعتبر أن مثل هذه الكوارث يؤثر على الجانب النفسي والعقلي للأطفال ما لم يكونوا متضررين هم كذلك من الناحية العضوية، مبرزة أن ردود الفعل تختلف من طفل إلى آخر أو مراهق إلى آخر، وتختلف من مشاعر الخوف و الهلع والإحباط و العجز إلى الإحساس بالفرح والهوس وهستيريا الضحك والسعادة بالنجاة.

وتورد الدكتورة ذاتها، أن المشاعر المذكورة ظرفية فقط، حيث سيتم تجاوزها لتحل محلها مشاعر الحزن والفقدان، مشيرة إلى أنه بعد أربعة أسابيع على الأكثر ستتم ملاحظة سلوكات واضطرابات نفسية على أغلب الأطفال والمراهقين بشكل تدريجي، بعد أن تستقر المشاعر والعواطف.

ووفق الاختصاصية النفسية، فمن بين الأثار التي يمكن ملاحظتها على هؤلاء الأطفال والمراهقين تراجع قدرات التفكير والأداء العقلي والمهارات والأداءات الفكرية مع أعراض جسدية من قبيل الإسهال، الصداع، الأمراض المرتبطة بالحلق والأذن، والإحساس بالإختناق و عودة التبول اللاإرادي، مع تزايد نوبات الخوف والهلع.

ربيعة بن بوسلهام ـ أخصائية نفسية وأخصائية إضطرابات النمو

وتؤكد المتحدثة ذاتها، أنه سيلاحظ على فـــئة واسعة من الأطفال الناجين من الزلزال مجموعة من السلوكات، من قبيل الميل إلى العنف والعناد والإنعزالية، مع نوبات هلع تكون بعد الصدمة تجمع ما بين الإرتجاف و ارتفاع ضربات القلب و عدم القدرة على التركيز والامبالاة وعدم الإهتمام بالدراسة وهو ما يجب أن ينتبه إليه رجال ونساء قطاع التعليم.

المواكبة النفسية والإحتواء العاطفي

وحول إمكانية مواكبة هؤلاء الأطفال والمراهقين من الناحية النفسية، ردت اختصاصية إضطرابات النمو بأن المدرسة بصفتها مؤسسة تربوية يمكن أن تلعب أدوارا هامة في التقليل من عنف الفاجعة من خلال الدعم الإجتماعي والإحتواء العاطفي، معتبرة أن المدرسة هي أول ورشة لتقديم الدعم النفسي والإجتماعي لهؤلاء الأطفال، و لا بأس أن يكون تحت إشراف طبيب نفسي أو استشاري نفسي.

ودعت بوسلهام إلى إبعاد التلاميذ من مشاهدة صور و فيدوهات الفاجعة وصور الضحايا أو الحديث عن تفاصيل الزلزال المدمر، وفي المقابل يجب التركيز على الخطاب التحفيزي وكل خطاب فيه أمل و إيجابية والخطاب الديني الذي يركز على الإيمام بقضاء الله وقدره.

“المواكبة النفسية تعتمد على مجموعة من الخطوات وتخضع لمجموعة من التدابير، لكن هناك حالات حرجة تعاني من اضطراب حاد في النوم أو التقيء ونوبات الهلع الحادة وارتفاع درجات ضربات القلب”، تسترسل الاختصاصية النفسية، مستدركة “هذه الحالات يجب أولا اتباع الرعاية الصحية لدى الطبيب العام أو طبيب اختصاص الأمراض النفسية والعقلية لأخذ علاج كميائي قبل الخضوع للجلسات”.

تنبيهات

الاختصاصية النفسية تنبه كذلك الأسر و أطر قطاع التربية والتكوين إلى أنهم سيلاحظون أن بعض الأطفال يضحكون بشكل مستمر بعد الزلزال، وسيظن البعض أنهم لم يتأثروا بالكارثة، موضحة أن مثل هذه الحالات، التي تتحول إلى شبه مهرج، يمكن أن تصاب بما يسمى الهوس الدوري، وهو درجة من الإكتئاب يأخذ أعراضا مرحة رغم أنها حالة سيئة جدا.

كما يمكن أن تلاحظ بعض الأسر و رجال التربية والتكوين، حالات إنكار لدى بعض الأطفال والمراهقين، “أنا مخايفش، أنا محسيت بوالو، ما وقع والو”، مردفة “حذاري، فهذا اضطراب يتجلى في حالة إنكار، بحيث أن درجة الخوف العالية تتسبب في إضطراب نفسي يتجلى في حالة إنكار.

ودعت الدكتورة ذاتها، إلى عقد جلسات جماعية للتلاميذ الذين فقدوا أسرهم أو أحد أفراد عائلاتهم حتى تقل حدة تأثير الأزمة عليهم، مع منع هؤلاء التلاميذ من مشاهدة التلفيزيون و الهواتف خلال هذه الفترة، خاصة أن الخبر المتداول حاليا هو المرتبط بالزلزال.

وخلصت بوسلهام إلى التأكيد على أن بوابة المواكبة النفسية للتلاميذ هي مواكبة الأساتذة، خاصة أن بعض هؤلاء الأساتذة فقدوا أحدا من أسرتهم أو أقاربهم أو بعض أصدقائهم في الزلزال، وبالتالي فهم محتاجون كذلك للدعم وتخصيص خلايا إنصات واستماع خاصة بالأساتذة وتعدهم للإشتغال مع التلاميذ، وفق المتحدثة.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x