لماذا وإلى أين ؟

قوافِـــلُ الصحراء لضحايا الزلزال.. دلالاتٌ إجتماعية و سياسية و رسائل عالميَّـــة

يستمر المد التضامني من مختلف مناطق المملكة المغربية و يتواصل إمداد منكوبي زلزال الحوز بالحاجيات الأساسية، بعد أن انطلقت قوافل محملة بمختلف المواد الغذائية والأغطية والأفرشة من مدن مختلفة من أقليم الصحراء المغربية في اتجاه إقليم الحوز.

وعجَّـــت مواقع التواصل الإجتماعي بصور وفيديوهات توثق العمل الإنساني والتضامني الذي أقدمت عليه ساكنة مناطق مختلفة من الصحراء المغربية؛ من قبيل كلميم، بوجدور، الداخلة والعيون التي عرفت انطلاق قافلة على شكل مسيرة تضامنية تعتبر الأضخم في عموم أقاليم المغرب حتى الساعة في اتجاه المناطق المتضررة من الزلزال.

وأكيد أن خروج قافلات تضامنية من أقاليم الصحراء المغربية في اتجاه المناطق المتضررة من الزلزال حبلى بالدلالات السياسية والإجتماعية، وهي ما سنتطرق إليه في هذه المقالة.

دلالة اجتماعية

يرى أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بكلية الحقوق السويسي بالرباط؛ عبد النبي صبري، أن “القوافل التضامنية الصحراوية الموجهة إلى المتضررين من الزلزال تشكل مشهدا مهيبا يلخص عددا من الدلالات الإجتماعية على رأسها أن للتضامن عنوان من طنجة العالية إلى الكويرة الغالية عبر القرون، يجسد التلاحم القوي بين العرش والشعب في السراء و الضراء”.

وأوضح صبري في حديثه لصحيفة “آشكاين”، أن من الدلالات كذلك هو أن هذه القوافل التضامنية تجسيد للقيم الدينية للمجتمع المغربي خاصة فيما يتعلق بالإنفاق والتصدق في سبيل الله، مبرزا أن المشاهد التي جسدها المغاربة جميعا في هذه الملحمة هي نتيجة الوحدة المتأصلة في قلوب المواطنين وتفاعلا مع المبادرات التي أقدم عليها الملك منذ الساعات الأولى للكارثة الطبيعية، وهي تعبير عن أن المغرب ظل دائما موطنا للقيم الإسلامية والإنسانية العميقة.

عبد النبي صبري: أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بكلية الحقوق السويسي بالرباط

من جانب آخر، يرى الباحث في الشؤون السياسية و الإستراتيجية هشام معتضد، أن التضامن الذي أبانت عنه ساكنة الاقاليم الجنوبية تجاه القاطنين في المناطق المنكوبة جراء الزلزال المدمر، تترجم الانخراط المدني والشعبي والوطني لمكونات المواطنين المغاربة في الصحراء لمساعدة نظرائهم في وسط البلاد.

ووفق إفادة معتضد لـ”آشكاين”، فإن هذا السلوك التضامني، الذي عبرت عنه ساكنة الصحراء المغربية، يكرس وحدة الأمة المغربية و روح تماسكها و انسجامها في قالب هوية واحدة تحت راية المغرب وفوق أرض الوطن من شماله إلى جنوبه، وهو تعبير عن كون الأمة المغربية جسد واحد يتآزر في الشدة كما في الفرح من خلال هذا النوع من التعاون الاجتماعي.

دلالات سياسية

إذا كانت دلالات القوافل الصحراوية نحو المناطق المنكوبة عميقة، فإن الدلالات السياسة أعمق، وفق أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بكلية الحقوق السويسي بالرباط، خاصة في ظل الرهانات السياسية والجيواستراتيجية وما تعرفه قضية الصحراء من تطورات و نجاحات واختراقات، على اعتبار أننا على أبواب شهر أكتوبر الذي سيصدر فيه قرار مجلس الأمن بخصوص الصحراء.

“وتبرز القوافل الصحراوية و الشمالية والشرقية إلى المناطق المنكوبة على المستوى السياسي أن المغرب قوي في الرخاء وأقوى بكثير في الشدة”، يسترسل صبري، مستدركا “المغاربة أكدوا للعالم أن خطاب الملك الذي أكد فيه أن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها له معنى ومغزى عميق لا يمكن فهمه إلا في مثل هذه الأحداث”.

وبحسب صبري، فإن الملحمة الذي جسدها المغاربة جميعا نسفت أسطوانة الوهم وقضت على إدعاء أن قضية الصحراء هي قضية نظام فقط، بحيث تأكد اليوم بشكل جلي أن عبارة “قضية الصحراء هي مسؤولية الجميع” التي جاءت في إحدى خطب الملك تجسيد حقيقي على أن المغرب يسوق الحقيقة وليس الوهم”، وفق تعبير المتحدث.

أما الباحث في الشؤون السياسية و الإستراتيجية؛ هشام معتضد، فيرى أن تحرك سكان الاقاليم الجنوبية للمغرب بهذا الشكل الجدي والمسؤول والكبير هو إشارات سياسية لمن لا يزال يعتبر أن هناك شرخا في الانتماء الوطني بين ساكنة المناطق الشمالية و الجنوبية للمغرب، وهو التزام حضاري من ساكنة الصحراء المغربية تجاه الحركية التي يعيشها الوطن جراء هذه الكارثة الطبيعية.

ويشدد معتضد على أن قوافل الصحراء هي أيضا مناسبة من المناسبات التاريخية لاستحضار المساهمة الاجتماعية المتكررة للصحراويين في بناء الوطن على غرار المساهمات التي قدمها ساكنة جل مناطق المغرب اتجاه القضية الوطنية عبر مختلف الأزمنة.

هشام معتضد ــ الخبير في الشؤون السياسية و الإستراتيجية

رسائل عميقة

إن كانت للقوافل الصحراوية اتجاه المناطق المنكوبة ذات دلالات سياسية واجتماعية، فهي كذلك محطة يمكن أن نلخص منها عددا من الرسائل العميقة، منها أن المواطن المغربي الصحراوي لم يتوانَ قطُّ، عبر مختلف المحطات والتحديات عن تقديم المساعدة أو مؤازرة ساكنة مختلف المناطق المغربية متى دعت الضرورة إلى ذالك، يقول معتضد.

ويعتبر المتحدث للصحيفة الرقمية “آشكاين”، هذا السلوك الوطني الذي جسده المواطنين المغاربة في الصحراء يترجم تماسك الأمة المغربية و يعكس قيمة أساسية من قيم المكون المغربي ومبدأً جوهريا في الديناميكية المواطنة لدى الشعب المغربي.

من جهة أخرى، يؤكد أستاذ العلوم السياسية؛ عبد النبي صبري، أن ما أبان عنه المغاربة بشكل عام خلال هذه الفترة هي “ماركة مغربية” مسجلة، تعجز الأمم الأخرى أن تكون مثلها، بل ستكون قدوة لها في المستقبل فيما يخص الترابط والتضامن، مبرزا أن المغاربة أكدوا اليوم أن “تامغربيت” قيم تُتَوارثُ من جيل إلى جيل، تسري في هذا البلد كما يسري الدم في عروق الإنسان.

وخلص صبري إلى الإشارة بأن هذه المرحلة “أكدت للعالم أن المغرب قوي بإمكانياته الذاتية استطاع التغلب على كارثة طبيعية من خلال مساهمة كل أفراد الشعب الواحد في ملحمة وطنية جديدة، كما أكد أن الترابط و التلاحم بين العرش والشعب أقوى إلى درجة نعجز عن وصفها”، وفق تعبير المتحدث.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x