2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
اتضحت ملامح التوجهات الاقتصادية للحكومة الحالية بشأن السنة المقبلة، وذلك بعد الكشف عن مشروع قانون المالية 2024، المعروض على البرلمان قصد مناقشته والمصادقة عليها.
وكان لافتا من خلال المشروع توجه الحكومة نحو تحرير أسعار بعض المواد الأساسية وبشكل أخص “البوطا” والسكر والدقيق، في مقابل دعم سياسات اجتماعية ترتكز على دعم الفئات الهشة سواء عبر الدعم المباشر أو دعم السكن…
المشروع يرتكز على دعم طبقات على حساب أخرى، وفق الخبير الاقتصادي ادريس الفينة، في حوار مع جريدة ”آشكاين”، الذي يرى أن هذا الأمر الذي يصفه بـ ”التضامن الإجتماعي” مطلوب من أجل إصلاحات جذرية.
هذا نص الحوار الذي أجرته الجريدة مع الخبير الاقتصادي ورئيس مركز المستقبل للتحليلات الاستراتيجية إدريس الفينة:
من خلال المشروع تبين أن الحكومة تتجه نحو رفع الدعم عن مجموعة من المواد الاساسية خصوصاً البوتان، لماذا اختارت هذا التوجه؟
– مشروع قانون المالية 2024 سيأتي بمجموعة من الاقتراحات الجديدة تتعلق برفع الدعم عن المواد الأساسية ومراجعة الضريبة على القيمة المضافة عليها.
بطبيعة الحال الهدف من وراء ذلك هو الرفع من مداخيل الدولة ، على اعتبار وجود مصارف جديدة في المقابل، خصوصاً فيما يتعلق بتعزيز دور الدولة الاجتماعية، الدعم المباشر ، الحماية الاجتماعية التي شملت فئات جديدة ودعم السكن.
جميع هذه الأمور من شأنها أن تولد مصارف كبيرة، لذلك على الدولة عقلنة مداخيلها وتحسنها. والهدف من رفع الدعم على مجموعة من المواد هو تصحيح نظام الدعم ليكون أكثر عقلانية ويوجه نحو الفئات المعنية.
هل هذا التوجه في نظركم خيار اقتصادي فعال وكيف سيكون له تأثير على القدرة الشرائية وعلى الاستقرار الاجتماعي ؟
– أعتقد أن الحكومة اتخذت قرارا حاسما في فترة حاسمة يمر منها الاقتصاد الوطني والدولي، وهي ظرفية تتطلب اصلاحات جذرية، وكانت الحكومات السابقة تجنبت هذه الإصلاحات حفاظا على قواعدها، في حين أن الحكومة الحالية قررت الإقدام على هاته الإصلاحات الجذرية، لأنها لا تملك سوى خيارات قليلة أخرى، منها الخوصصة والاستدانة، لذلك اتجهت في خيار إصلاح السياسة الإجتماعية وسياسة الدعم بشكل عام كي تكون أكثر عقلانية وأكثر استهدافا للفئات الاجتماعية.
هذا التوجه سيكون له تأثير على القدرة الشرائية التي لم تكن في محلها. فأسعار البوطا مثلا يجب أن تعكس ثمنها الحقيقي وهناك فئات كثيرة تستفيد من هذا الدعم ولم تكن معنية به في الحقيقة. الدعم الذي أزالته الحكومة لم يكن يستهدف الفئات المعنية به. إذن الغرض منه ليس التأثير على القدرة الشرائية بقدر ما هو تصحيح لوضعية شاذة كنا نعيشها جميعاً.
من هي الفئات الاجتماعية التي قد تضررت من بعض البنود التي جاء بها المشروع؟
– بطبيعة الحال هناك مثلا تصحيح القيمة المضافة لعدد من المواد التي شهدت ارتفاعا في الأسعار وستشهد ارتفاعا، وكل من يستهلك هذه المواد سيتأثر بالزيادات. هذه المسألة تبقى بيد كل مواطن والكمية من المواد التي ستشهد ارتفاعا في قيمتها وكم سيستهلك منها. يصعب اليوم تحديد حجم الزيادات وآثارها على الفئات المعنية.
كل ما يمكن أن نقوله هو أن هاته الارتفاعات هدفها بالأساس خلق مداخيل إضافية للدولة من أجل تنفيذ عددا من المشاريع الكبيرة التي أعلنت عنها، خصوصا آثار زلزال 08 شتنبر وأيضا تعميم التغطية الإجتماعية الذي يستمر لسنوات وأيضا الدعم المباشر والقدرة الشرائية للمواطنين عبر دعم السكن. كلها مشاريع كثيرة تتطلب مصاريف كثيرة وبالتالي هناك فئات عليها أن تؤدي. إذن هذا التضامن الإجتماعي ضروري في هذه الفترة بالذات كي تكون هناك إصلاحات جذرية.
ما الجديد الذي جاء به مشروع مالية 2024 مقارنة بالسنوات السابقة؟
– بالنسبة لمشروع قانونية مالية 2024 جاء كما قلت في من أجل اعطاء الانطلاقة لمجموعة من السياسات العمومية من جيل جديد، خصوصاً ما تعلق بالسياسات الاجتماعية، والتي تتضمن كل ما هو تغطية صحية ودعم مباشر للأسر والجانب المتعلق بدعم السكن، دون أن ننسى البرنامج الكبير المتعلق بإصلاح ما دمره زلزال 08 شتنبر، إضافة إلى إصلاح المنظومة الصحية والتعليم أيضا وهما قطاعين يستنزفان كثيراً ميزانية الدولة، ورغم ذلك هناك زيادات في الميزانية المخصصة لهم.
هناك رقمين مهمين في مشروع مالية 2024، يجب الانتباه إليها، الأول يتعلق بحجم الاستثمارات الذي سيرتفع من 300 مليار درهم الى 335 مليار سنة 2024، وهذا يدل على أن الحكومة لا تتبنى ميزانية تقشفية بقدر ماهي بصدد ميزانية عمومية التي تهدف إلى إعادة تنشيط الدورة الاقتصادية. هناك أيضا 70 مليار درهما من الإستدانة الخارجية وهذا رقم مهم يدل على أن الدولة ستستمر في الاعتماد على الإستدانة الخارجية لتمويل عدداً من البرامج العمومية خصوصاً البرامج المهيكلة مثل البنية التحتية التي تستهلك الكثير من الموارد، وتشمل بناء الموانئ والسدود والطرق السيارة وبناء المطارات الجديدة والملاعب. ويتطلب ذلك كله ميزانيات كبيرة.
لا ننسى أن نؤكد أن المؤسسات العمومية في السنة القادمة ستسثمر ما يناهز 152 مليار درهما. والجماعات المحلية تقريبا 20 مليار درهما. اذن هذه كلها مبالغ مهمة وكذلك صندوق محمد السادس للاستثمار سيستثمر ما يناهز 45 مليار درهما، وهذا يعطي ما مجموعه 335 مليار درهما كاستثمارات مرتقبة خلال السنة المقبلة.
ونلاحظ بأن الاستثمارات العمومية صارت لوحدها فقط تناهز مجموع ما كان يستثمره الاقتصاد الوطني في السابق. نحن أمام قفزة نوعية بخصوص الاستثمارات العمومية، ومن المرتقب مع مدونة الاستثمارات الجديدة ان تصبح الاستثمارات الخصوصية كذلك في حدود 300 الى 350 مليار درهما. مما يعني أن الاقتصاد الوطني قد يخلق السنة المقبلة ما بين 500 الى 600 مليار درهما، واذا سلكنا هذا المنحى فإن الناتج الداخلي ومعدل النمو جد مرتفع، رغم السنة موسومة بإطلاق أوراش إجتماعية كبرى.
مستحيل في المغرب!