لماذا وإلى أين ؟

خبير: توقيف الأساتذة “شطط في استعمال السلطة” والإضراب يتطلب احترام سيادة الدولة (حوار)

أفرز إقدام وزارة التعليم والمصالح التابعة لها، على اتخاذ تدابير “عقابية” في حق الأساتذة المضربين، جدلا حول مدى “شرعية” هذه الإجراءات من الناحية القانونية والإدارية.

الوزارة قامت بتوقيف مجموعة من الأساتذة عن العمل مع تجميد أجرتهم، كما تعتزم، وفق مذكرات للأكاديميات، اللجوء إلى مسطرة “التغيب غير المبرر عن العمل”، وذلك في إطار معركة كسر العظام التي تجري بين وزارة بنموسى وبين الشغيلة التعليمية الرافضة للقانون الأساسي الجديد.

وترى الوزارة ومصالحها أن “التغيب عن العمل” يتطلب اتخاذ هذه الإجراءات، في حين أن الأساتذة يقولون إن “الإضراب حق مكفول بموجب الدستور”.

للوقوف على هذه الإشكالية وتبريرات كل طرف، استضافت جريدة “آشكاين”، ضمن ركن “ضيف السبت”، محمد العابدة، الأستاذ والباحث في القانون الإداري بجامعة القاضي عياض، وأجرت معه الحوار التالي:

ما مدى مشروعية توقيف الأساتذة عن العمل بربطه بالحق في الإضراب؟

هذا السؤال فيه عدة مداخيل، المدخل الأول هو دستوري قانوني، فدستور 2011 أعطى عدة حقوق من بينها الحق في التعلم.

النقطة الثانية لدينا قانون تنظيمي من دستور 1962 إلى يومنا هذا، يضمن الحق في الإضراب، ولكن شريطة أن يصدر قانون تنظيمي لينظم كيفية ممارسة هذا الحق الدستوري والعالمي، يمارس من لدن الجميع عبر العالم.

بطبيعة الحال المغرب دولة الحقوق والمؤسسات وبالتالي، يعني عمليا وواقعيا حق الإضراب مضمون.

وهناك أيضا النصوص التنظيمية الجاري بها العمل في قانون المحاسبة العمومية تنص على الأجر مقابل العمل.

مسألة أخرى ورغم أن الحق في الإضراب مضمون، لكن لدينا توازن بين فئة الأساتذة وفئة المتمدرسين، إذن هناك إشكال بين ثلاث فئات: الحكومة والمتمدرسين (أباء وأولياء التلاميذ) ثم الشغيلة التعليمية. الأمر يتطلب توازنا وتجمعها علاقة صادقة خصوصاً بين الوزارة والشغيلة التعليمية.

نحن منذ الاستقلال ومسألة التعليم فيها إشكال، مما تطلب اصلاحات كثيرة متتالية لم تنجح مائة بالمائة. هنا السؤال كيف السبيل لتحقيق منظومة تعليمية تليق بالانسان المغربي ويتم تفعيلها من لدن جميع المتدخلين؟ وحين أقول جميع المتدخلين أتحدث عن الحكومة، أتحدث عن الفاعل الإداري، أتحدث عن الهيئات السياسية، أتحدث عن المجتمع المدني، أتحدث ايضاً عن الجماعات الترابية، أتحدث عن الفاعل الاقتصادي. الكل يتحمل المسؤولية في وضع منظومة تعليمية تتماشى وتطلعات التنمية المستدامة ومغرب الألفية الجديدة.

إذن ما هي التحديات؟

التحديات كثيرة أولا غياب الالتقائية، غياب التنسيق بين مختلف المتدخلين. وحينما نتحدث عن مشروع تعليمي مجتمعي يتبادر إلى الذهن فقط الأستاذ، ولكن هذا غير صحيح لا يمكن تحميل الأستاذ ما لا يمكن تحميله وبالتالي إعادة الاعتبار، إن أردنا تحقيق منظومة تعليمية ناجحة، للأستاذ.

ولهذا خرج الأستاذ إلى الشارع ليتحدث على ضرورة إصلاح التعليم وهذا الاصلاح لن يتحقق إلا بإعادة الاعتبار له ماديا ومعنويا وبالاساس معنوي، وإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية المغربية. لكن هذه المسألة لا يمكن أن ننجر وننسى حق التلميذ في التعلم وفي ضمان الزمن المدرسي وعدم هضره الذي هو عملة لا تحدد بثمن.

ولهذا إن أردنا فعلا تحقيق دولة إجتماعية ينبغي الاهتمام بقطاعين أساسين وهما الصحة والتعليم.

الإشكال الذي وقع هنا، يكمن الخلل في الوساطة بين الشغيلة التعليمية وبين الحكومة، وحينما نتحدث عن النقابات، يطرح سؤال هل النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية معترف بها من لدن الشغيلة التعليمية؟ ولهذا لابد إعادة الاعتبار للهيئات السياسية والنقابية حتى تبقى وسيطا معترفا به من لدن المجتمع ومختلف فعاليته.

إذن هذا الذي لا نملك له جوابا هو الذي فرخ لنا التنسيقيات. وكي نحقق التوازن ينبغي أن يكون هناك التواصل الناجع والفعال والصادق بين الوزارة بشكل أساس والحكومة بشكل أعم، والشغيلة التعليمية لحماية المدرسة العمومية وإعادة الاعتبار لها، وأن يكون هناك مناظرة وطنية حقيقية تأخذ بعين الاعتبار جميع الفاعلين في إطار الديمقراطية التشاركية والتمثيلية على حد سواء لوضع إجابة شافية جامعة مانعة لمختلف التساؤلات التي ما زالت تراوح مكانها منذ استقلال المغرب إلى يومنا هذا.

من يتحمل المسؤولية؟ الجميع، بما فيهم المدرسين أيضا الذي عليه أن يأخذ بعين الاعتبار حق التلميذ في التمدرس الذي هو حق دستوري كذلك.

هل هذه التوقيفات مشروعة أم لا؟

بطبيعة الحال يجب مساءلة المنظومة القانونية والتنظيمية التي أوضحتها في البداية، لكن هذا لا يمنع أن يكون هناك حوار جاد يأخذ بعين الاعتبار جميع المتدخلين والفاعلين ومن لهم اليد الطولى في السياسة التعليمية في بلادنا.

حان الوقت كي يتحمل الجميع مسؤوليته بضرورة إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية، بشريا ماديا، لوجستيكيا، سلوكيا أيضا، إن أردنا فعلا بناء الإنسان المغربي التي به تتحقق جميع الأشياء، مثلا أن تكون هناك ديمقراطية في المستوى، أن تكون هناك نخبا في المستوى…، لأن المدرسة هي التي ستعطي لنا المجتمع المستقبلي الذي يجابه مختلف التحديات لغاية التحقيق التنمية المستدامة ومغرب قوي مستقبلا.

هل يمكن أن تذهب الإجراءات حد العزل من الوظيفة؟

الأمر يتطلب تدابير وإجراءات، حين نتحدث عن الأمر مسطريا، لابد من العودة إلى قانون والأنظمة الأساسية التشغيلية التي تتضمن كل هذه المساطر وهذه الإجراءات، ولكن لا يمكن أن يكون هناك العزل مباشرة بل لابد من مساطير نتحدث عن الاستفسار، عن التنبيه، دور اللجان المتساوية الأعضاء، والعزل آخر ما يمكن القيام به.

الأساتذة يقولون إن هذه التوقيفات غير قانونية لأن الوزارة لم تلجأ إلى التدابير والاجراءات التي تحدث عنها؟

الإجابة ستكون عند القضاء، ورغم أنه لا يمكننا التدخل في اختصاصات السلطة القضائية، ولكن في تقديري إذا لم تحترم المساطر والإجراءات المعمول بها في هذا الميدان في إطار الوظيفة العمومية، فمن الناحية الشكلية فإن الإجراءات و التدابير المتخذة غير ذي جدوى ويمكن إدخالها في الشطط في استعمال السلطة.

وماذا عن الحق في الإضراب؟

نعم الإضراب حق، لكن هناك أيضا سيادة الدولة التي يجب أن نحترمها ونحترم المسائل الدستورية، وإذا انتفى ذلك سيكون هناك خلل.

هذا الموضوع له مقاربتين، الأولى إدارية تدبيرية واخرى قانونية يجب احترامها المتمثلة في الحق في التعليم كحق دستوري، وبالتالي الإجراءات الدنيا ينبغي أن تحترم الإجراءات العليا الواردة في دستور 2011.

 

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
م عبدو
المعلق(ة)
7 يناير 2024 12:18

سؤال عريض: هل يؤدى الأجر عن أيام الإضراب مهما كان عددها،وحتى إذا كانت عواقبه وخيمة على أبنائنا؟
إذا كان الدستور يسمح بذلك،فذلك عيب يجب أن يصحح.ما يجب أن يضمنه الدستور فهو حق إنجاز الإضراب لمدة معينة بدون عواقب وخيمة على باقي طبقات المجتمع،وخاصة إذا تعلق الأمر بتربية وتكوين الأجيال الصاعدة.على ما أعرف أن الإضراب حق في الديمقراطيات المعروفة لكن غير مؤدى عنه .إذن من أراد النضال فليضحي بالهجرة.هذا هو النضال الحقيقي.

ولي أمر تلميذة متضررة.من الإضراب العبثي .
المعلق(ة)
7 يناير 2024 11:14

وجهة نظر الأستاذ الجامعي فبها تحيز لجانب الشغيلة التعليمية على حساب مصالح التلاميذ وأسرهم التي تعاني الماسي من جراء التعامل السيء لبعض الأساتذة.من عنف رمزي وفى بعض الأحيان جسدي لايمكن للحلقة الضعيفة (التلميذ اوالتلميذ اثباته).وكان الأخرى بالسيد الخبير ان يتقصى الحقائق بمساعدة طاقم الجريدة.ويسمع الكوارث في غياب جمعيات آباء منتخبة تدافع عن حقوق الطفل وانعدام مراكز الاستماع تضم مستشارين تربويين .نفسيين واجتماعبين بالمؤسسات التعليمية..أضف إلى دلك بأن الأساتذة لم يخرجوا إلى الشارع من أجل إصلاح المدرسة بل من إصلاح أوضاعهم المادية بالدرجة الأولى و تخوفات من مواجهة تحديات المنظومة الجديدة للإصلاح (درجة تدني مستوى التعليم بالمغرب بالمقارنة دول. أخرى تبين القدرات التي يتوفر عليها الأساتذة الا من رحم ربك والساعات الإضافية.والعمل بالقطاع يزيد من الطين بلة..ونحن آباء التلاميذ نساند هذه
القرارات الجزرية القانونية بامتياز في حق الأساتذة المضربين الخارجين عن إطار القانون لمدة تريد على ثلاثة أشهر يصعب استدراكها.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x