2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
على مر التاريخ كانت المحاكم المغربية تعج بقضايا فساد أو متابعات لمسؤولين أو سياسيين يتم عرضهم أمام القضاء، فمنهم من أحيل على العقوبة السالبة للحرية، ومنهم من ثبت براءته بعدما كان المشتبَه فيه الأول، ومنهم من ينتظر أن تبث المحكمة في ملفه.
وعلى امتداد هذه القضايا الرائجة أمام المحاكم المغربية، والتي يكون فيها القضاء وحده هو الفيصل في توزيع صكوك التهم والعقوبات، نجد أن كل هذه القضايا تحظى بمتابعات إعلامية يكون فيها الصحفي أمام خيارين، إما أن يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف ويحاول الغوص بحذر في تفاصيل ملف وآخر، وإما أن ينزلق في محاذير تفقده المهنية وتلبسه لبوس التشهير بتلك الشخصيات العمومية.
وما ملف ” بارون المخدرات المالي” عنا ببعيد، والذي يتابع فيه مسؤولون حزبيون يتقلدون مناصب المسؤولية في الدولة على خلفية الاشتباه في تورطهم في الملف، وسيظلون بريئين إلى أن تثبت إدانتهم من طرف المحكمة في كامل مراحل التقاضي، إلا أن التغطية الإعلامية ومتابعتها لهذا الملف بدأت تأخذ منحى آخر لدى البعض.
ولمعرفة الخطوط التي يجب على الإعلامي أن لا يتجاوزها في تغطية مثل هذه القضايا، وكيف يمكن ألا يقع في منزلق التشهير بشخصيات عمومية، ارتأت صحيفة “آشكاين” الرقمية، أن تستضيف في فقرة “ضيف السبت” لهذا الأسبوع، الأستاذ الباحث المتخصص في الإعلام الرقمي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال والمدير المساعد مكلف بالتكوين المستمر والتداريب ورئيس مركز الابتكار الإعلامي وريادة الأعمال، عبد الصمد مطيع.
وفي ما يلي نص الحوار:
بداية.. ماهي أسباب استفحال آفة التشهير بشخصيات عمومية في الإعلام؟
الحديث عن استفحال آفة التشهير بشخصيات عمومية في الإعلام قد يكون بمثابة مجازفة ومغالطة.
فإن كان مفهوم التشهير يشير إلى نشر أو إعلان معلومات سلبية أو مخزية أو غير صحيحة عن شخصية عمومية معينة، بهدف تشويه صورتها وسمعتها، فإنه بذلك يصبح عملا غير أخلاقي بل وحتى غير قانوني، ويتنافى بذلك مع أخلاقيات الإعلام والقوانين والتشريعات القائمة.
فمن خلال المتابعات الإخبارية التي تعنى بتقديم المعلومات والأخبار المهنية والموضوعية عن الشخصيات العمومية، أي نقل المعلومات المهمة والمفيدة بشكل عام للجمهور، بما في ذلك الأخبار والتحقيقات والتقارير التي تتعلق بأعمالهم وقراراتهم وسلوكهم، يمكن أن يصبح مفهوم التشهير بمعناه الدقيق غير وارد.
إذ يجب أن نلاحظ أن الخط الفاصل بين التشهير والمتابعة الإخبارية قد يكون غامضًا في بعض الأحيان، وقد يختلف تقديره من حالة إلى أخرى؛ فقد يكون هناك تداخل بين النشر الصحفي الجيد والتشهير، ويعتمد ذلك على سياق المعلومات وطريقة تقديمها؛ لذا، من المهم أن يلتزم الصحفيون ووسائل الإعلام بمعايير النشر المهنية والأخلاقية عند التعامل مع الشخصيات العمومية.
فتأثير التقدم التكنولوجي وانتشار وسائل الإعلام الاجتماعية، والفضول العام والطلب على الأخبار الصادمة، وأحيانا الرغبة في الكشف عن الفساد بطرق سريعة، والمنافسة السياسية والاجتماعية، وضعف التشريعات وسوء تنفيذ القوانين المتعلقة بالتشهير، يؤدي إلى انتشار النشر اللامسؤول للمعلومات والادعاءات المضللة حول الشخصيات العمومية أمام انتشار المعلومات والادعاءات بسرعة وسهولة، والتركيز على الشائعات والادعاءات السلبية حول الشخصيات العمومية بدلاً من التركيز على نشر المعلومات المؤكدة والمهنية.
طيب.. ما آثار هذه الآفة على الممارسة الإعلامية؟
تعتبر حرية التعبير حقًا دستوريًا في العديد من الدول، وتحظى الشخصيات العمومية بحماية أقل من الخصوصية مقارنةً بالأفراد العاديين؛ ويسمح للصحفيين بتقديم الأخبار والمعلومات حول الشخصيات العمومية من أجل تحقيق الشفافية وتمكين الجمهور من مراقبة أعمالهم.
غير أن هامش الحرية يستوجب على الصحفيين أت يتوخوا الدقة والموضوعية في نشرهم للمعلومات، وأن يتجنبوا الإساءة الشخصية أو الانتقادات غير المبررة والتي لا تخدم النقاش العام.
كما عليهم أن يسعوا إلى التحقق من صحة المعلومات قبل نشرها وتجنب تشويه سمعة الشخصيات العمومية عن طريق نقل معلومات مضللة أو غير صحيحة؛ فانتهاك الصحفيين لهذه المبادئ أو قوانين وأخلاقيات الصحافة، يجعلهم عرضة للمساءلة القانونية، بما في ذلك الإجراءات المدنية والجنائية وفرض الغرامات المالية.
وإن كان في بعض الحالات، يبقى للصحفيين الحق في نشر معلومات عن الشخصيات العمومية حتى لو كانت تتعلق بالخصوصية الشخصية، إن هي ذات أهمية للمصلحة العامة، كنشر معلومات عن فساد أو سوء إدارة أو عندما يكون الشخص العام هو ذاته مشهورًا، حيث تكون حقوق أقل للخصوصية بسبب موافقتهم على التعرض للإعلام، فإن استخدام هذه الاستثناءات يجب أن يكون متوازنًا ومعقولًا، ويجب على الصحفيين الالتزام بمعايير الحياد والدقة والموضوعية أثناء التعامل مع الشخصيات العمومية.
وفي ظل انتشار الأخبار المضللة والزائفة، أضحى من الضروري أن يتعامل الصحفيون بحذر ومسؤولية في نشر المعلومات المرتبطة بالشخصيات العمومية، وأن تدعم المؤسسات الإعلامية قوانين وسلوكيات تحمي الخصوصية وتعزز المعلومات الموثوقة والمهنية.
عطفا على ذلك.. ماهي الحلول المقترحة لوقف استفحال هذه “الظاهرة” في أفق القضاء عليها؟
ليست هناك حلول سحرية لمعالجة هذه الآفة التي تتطلب اتخاذ إجراءات لمكافحتها وتعزيز الأخلاقيات الإعلامية والمسؤولية الاجتماعية.
فمكافحة ظاهرة التشهير بالشخصيات العمومية تلزم انخراط الصحفيين والشخصيات العمومية أنفسهم، وتعاونًا بين المجتمع ووسائل الإعلام والسلطات التنظيمية.
فمن جانب أول، يمكن أن يشكل تعزيز الوعي بأهمية المصداقية والمسؤولية الاجتماعية خلال الممارسة الإعلامية، وتطوير آليات لحماية الشخصيات العمومية من التشهير ومساءلة ناشري المعلومات غير المؤكدة والكاذبة، والحذر في استخدام المصادر المجهولة من قبل الصحفيين، والتحلي بالمهنية والتمييز في تقييم مصداقية وصحة المعلومات، حلولا قد تؤثر بشكل أو بآخر في تحسين أداء الصحفيين خلال مراقبة عمل الشخصيات العمومية.
غير أنه يجب أن نميز بين التشهير غير المبرر وبين النقد البناء والمشروع لأداء الشخصيات العمومية؛ فالنقد المشروع يعتبر جزءً من الحوار العام ويساهم في تعزيز الشفافية والمساءلة العامة.
ومن جانب آخر، قد يمكن وضع آليات تساهم في تخليق الحياة السياسية وأن يمكن الصحفيين من أداء مهمتهم على أكمل وجه، وحماية الشخصيات العمومية من التشهير، لأن تعرضها للتشهير بشكل مستمر، قد يؤدي إلى تراجع الجمهور عن الثقة في السياسيين والمسؤولين وبالتالي تجنب المشاركة في العملية السياسية أو تدبير الشأن العام.
وختام القول، التربية الإعلامية والتربية السياسية يمكنهما أن يشكلا مدخلين أساسيين لتجاوز هذه الآفة التي تبقى بعيدة كل البعد عن الإعلام المهني الذي يلتزم بالأخلاقيات المهنية وقواعد وضوابط الصحافة المهنية.
لا نريد ان يتحول القرار الجريئ لمحاكمة الفاسدين والمفسدين الى محاكمة من يتكلم عن الفساد، وأذا كان هناك من آنسياب مفرط في توزيع التهم والتشهير بأشخاص لم يرد اسمهم في صك الاتهام، عبر وسائل ووسائط اصبحت في متناول الجمهور فيجب علينا ان نعزي الظاهرة الى غياب النقاش العمومي المؤطر في وسائل الاعلام الرسمية، وغياب التأطير الحزبي الذي يهذب السلوك السياسي ويرفع مستوى النقاش الى درجات تساهم في الاغناء و في توجيه الراي العام. وغياب هذه الظاهرة التي هي صمام الامان الوحيد الى يرفع من وعي الشعوب يسائلنا جميعا عن من كان له المصلحة في غياب النقاش العمومي وفي إضعاف دور الاحزاب الجادة والنقابات التي تؤطر المجتمع؟ فهاقد اصبحنا اليوم جميعا نجد أنفسنا في مواجهة الغوغاء والشارع العام الذي تختبأ وراءه خفافيش الظلام و المضللون الذين يوزعون التهم يمينا ويسارا لخلط الاوراق، او للتغطية على هذا الفريق او اتهام الفريق الآخر، و هذه الظاهرة قد تكون جزءا من جوقة الفساد نفسها، التي تحتمي بصيغ مختلفة ومنها التحايل على القانون او استعماله لصالحها.