لماذا وإلى أين ؟

شقير يكتب عن منظومة التعليم في الوثيقة السياسية للعدل والإحسان

محمد شقير

يعتبر قطاع التربية والتعليم من بين أهم الأولويات التي نص عليه المشروع السياسي لجماعة العدل والإحسان مستلهما في ذلك ما سبق أن أكد عليه شيخ الجماعة الراحل عبد السالم ياسين من أن “نظام التربية والتعليم هو العمود الفَقري للدولة. وإعادة ترتيب هذا الجهاز ضرورة الضرورات في حياة الأمة ” وبالتالي ترى الدائرة السياسية من خلال وثيقتها بأن تغيير قطاع التربية والتعليم لن يتطور إلا من خلال ربطه بمنظومة التحول العميق لمختلف المؤسسات التربوية والاجتماعية والثقافية والعالمية في نسق شمولي ومنسجم.

-اختلالات المنظومة التعليمية الرسمية

تشير الوثيقة في المحور المجتمعي ( كرامة وتضامن وتربية متوازنة ) أن قطاع التربية والتعليم بالمغرب بقي لعقود حبيس الضبط التحكمي، ورهين إملاءات المؤسسات الدولية المالية المانحة، مما أدى إلى افتقاد المنظومة التربوية والتعليمية لتصور مجتمعي أصيل وواضح ونابع من خصوصية المجتمع المغربي ومن حاجياته الملحة، نظرا للجوء السلطات الرسمية إلى استيراد

واستنبات النماذج البيداغوجية الغربية، وغياب التقويم الناجع الذي يقدم تشخيصا علميا لواقع هذه المنظومة . بالإضافة إلى عدم إشراك حقيقي للقوى الوطنية وللفاعلين المجتمعيين، ودون تفعيل آليات المحاسبة في حق المسؤولين عن الإخفاقات العديدة للإصلاحات المتخذة. وكانت نتائج هذه السياسة التعليمية الرسمية ، بعد سنوات الإصلاحات التجريبية المتناسلة ، فشل تنزيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والاختلالات الصارخة للبرنامج الاستعجالي، وتعثرات الرؤية الاستراتيجية وما تلاها من تنزيل مرتجل ومستعجل للقانون الاطار ، واضطرابات رؤية مشروع إصلاح النظام البيداغوجي الجامعي. الشيء الذي أدى في آخر المطاف إلى فقدان الثقة في المدرسة العمومية، وغياب المردودية الداخلية والخارجية للمنظومة، وضياع الوظائف التربوية والتعليمية والتثقيفية للمدرسة، وتحقير الوضعية الاعتبارية لرجال ونساء التربية والتعليم، وارتفاع نسب الأمية المختلفة ونسب الهدر المدرسي والجامعي.

-مداخل وآليات النهوض بالمنظومة التعليمية الرسمية

ترى وثيقة الدائرة السياسية للجماعة أنه لن يتم أي تغيير حقيقي لمنظومة التعليم بالمملكة إلا من خلال مدخلين رئيسيين هما:

-المدخل السياسي يقوم على تحقيق الاستقلال التربوي، وجعل التعليم شأنا مجتمعيا، بعيدا عن تحكم السلطة وحدها، وغير مرتهن للمؤسسات الدولية المانحة، التي لا ترى في التعليم إلا قطاعا استهلاكيا يجب تقليص نفقاته.

-المدخل التربوي المجتمعي يقوم على استجابة المنظومة التعليمية لهوية واحتياجات

المجتمع الآنية والمستقبلية على مستوى المعارف والمهارات والقيم والأخلاق، وعبر استفادتها من التجارب الإنسانية.

وللتأسيس لهذين المدخلين، تقترح الوثيقة ما يلي:

* تأسيس جبهة مجتمعية وطنية للنهوض بالمدرسة المغربية بناء على تعبئة وطنية حقيقية عامة وشاملة، تجعل من التعليم شأنا مجتمعيا ال قضية السلطة بمفردها.

*إنجاز تشخيص علمي دقيق وشامل يحدد الوضعية الحقيقية لواقع التربية والتعليم من خلال بيان نقاط الضعف، واستثمار نقاط القوة والفرص المتاحة، والاستفادة المثلى من إلامكانيات المتوفرة بحسب الأولويات المستعجلة.

* اعتماد حوار مجتمعي مسؤول محلي ووطني بكل الوسائل الممكنة للتداول والنقاش والاقتراح وإبداء الرأي، يتوج بمناظرة وطنية حول التعليم بإشراك حقيقي لكل المعنيين والفاعلين والمفكرين. تنجم عنها توصيات تؤسس لتعاقد مجتمعي رصين يضمن استقرار المنظومة ويبتعد بها عن الاستقطابات السياسية والاحترابات إلايديولوجية والارتجالية التدبيرية والإملاءات الخارجية.

* صياغة هذه المبادئ في وثيقة مرجعية، أو تضمينها في الوثيقة الدستورية تثمينا للوضع الاعتباري للتعليم ومكانته في التغيير الحقيقي المنشود.

-مبادئ وتدابير إصلاح المنظومة التعليمية الرسمية

لإصلاح المنظومة التعليمية بالمملكة ، حددت الوثيقة المبادئ والتدابير التالية:

* مبادئ إصلاح المنظومة التعليمية

على غرار المبادئ التي حددتها مناظرة إيفران ( التعميم ، المغربة ، التعريب والتوحيد) طرحت الوثيقة أربعة مبادئ:

-مدرسة الخلق والقيم: تعتبر الوثيقة بأن التربية والتعليم ليست عملية صناعية صرفة، والمدرسة ليست مقاولة إنتاجية مادية. كما أن المعلمين ليسوا مجرد أُجراء، والمتعلمين ليسوا مجرد زبناء. وبالتالي تطالب الوثيقة بالقطع مع “المعنى التسليعي للتعليم”لصالح الإعلاء من العائد الأخلاقي القيمي والمعرفي للتعليم والتعلم. ففي ظل العولمة المادية الهاجمة بقيمها الاستهلاكية المفرغة للانسان من السمات الروحية، علينا أن نربح سؤال المعنى بأن نمركز الوظيفة التربوية للمدرسة، من حيث جانبها الأخلاقي القيمي، في التربية على الإيمان وحفظ مقومات الهوية واللغة والانتماء للأمة وللوطن، وفي أداء وظائفها التحريرية والتخليقية والتهذيبية والتثقفية والتنويرية.

– مدرسة العدالة والإنصاف، التي تجعل الحق في التربية وفي التعليم واجبا وشأنا تقوم به الدولة ويرعاه المجتمع، مع ما يعنيه من فرض وتقنين إلزامية التعليم واستدامة محو الأميات بمختلف أنواعها. فالعدالة في مجال التربية والتعليم تشمل عدالة الولوج إلى تعليم عمومي معمم جيد ومنصف ومستدام ومفتوح ومتعدد المسارات بتوفير جودة ظروف التمدرس وجودة تعلمات التحصيل العلمي، وبمراعاة الاستعدادات والقدرات والجهد المبذول والكسب الشخصي، مع ما يتطلبه ذلك من عدالة التوزيع للبنيات التربوية، والعدالة المجالية، والعدالة الرقمية، والعدالة التمويلية بعدالة.

– مدرسة الجدوى، جودة وحكامة ونجاعة، بجودة المدخلات في مختلف مستويات المنظومة التعليمية (البنيات المستقبلة، التوظيف والتكوين والتأطير، التدريس والتحصيل الدراسي، التقويم والتوجيه) ثم بحكامة التدبير والتسيير المؤسسين على تحمل المسؤولية وفق مبدأي الكفاءة والأمانة، فنجاعة المخرجات القيمية والمعرفية والمهارية، والكفايات المؤهلة لسوق الشغل والقدرة الإدماجية المتوازنة والمتكاملة في الحياة العامة.

– مدرسة النبوغ والابتكار، عبر تشجيع الابداع ورعاية المواهب النابغة، واحتضان وتوجيه الأذكياء المتميزين، وتنمية القدرات الابداعية والابتكارية لدى مختلف الفاعلين، وذلك على مستوى التخطيط لتطوير المنظومة، وعلى مستوى احتضان التجارب الناجحة وتثمينها وتعميمها، وعلى مستوى ربح رهان توطين وتطوير البحث العلمي والتقدم التقني والابتكار الرقمي المسهم في خدمة الانسان.

* تدابير إصلاح المنظومة التعليمية

بهذا الصدد، تقترح الوثيقة جملة من التدابير التي تشمل مختلف مستويات إدارة وتدبير العملية التربوية و التعليمية.

أولا :على مستوى تدبير السياسة التعليمية، تقترح ما يلي:

-وضع سياسة تعليمية تنبني على أسس الاستجابة للحاجيات الحقيقية ذات الأولوية للمجتمع المغربي وفق منظور يراعي تحقيق مقومات التطوير والتحديث وفقا للتقدم العلمي ومقتضيات الخطط التنموية.

– وضع إطار قانوني يضبط التعاون والشراكة الدوليين لخدمة جودة التعليم، ويحقق استقلال تدبير التربية والتعليم عن المشاريع الخارجية.

– إعادة النظر في دور المجلس الأعلى للتربية والتعليم ليكون هيكلا مؤسساتيا استشاريا، وفضاء تنظيميا حرا للتخطيط والتنظير والبحث في قضايا التربية يُمثل فيه الفاعلون على قاعدة الكفاءة والأمانة، على أن تبنى اقتراحاته وتوصياته على أساس المخرجات الرصينة للبحث التربوي النظري والميداني.

– التخطيط وفق برامج عمل متوسطة المدى تخضع للتنفيذ والمتابعة والتقويم والتدخل الدوري وفق منطق يحدد الأولويات ضمن أجندة زمنية واقعية، مع تنمية الأبعاد الاستباقية للنظام التربوي ليتمكن من التكيف مع الوضعيات الطارئة، وبناء بدائل ملائمة لضمان الاستمرارية التعليمية.

– تجميع مختلف أسلاك التعليم والتكوين وأنواعها ومستوياتها في بنية هيكلية واحدة بمنظام دقيق ملائم وظيفي مندمج تجاوزا لكثرة الأقطاب وتعدد الوزارات، وذلك وفق رؤية شمولية مندمجة تحقق شمولية الربط بين مختلف أنواع التعليم وبين مختلف أسلاكه من التعليم الأولي إلى الجامعة، وكذا شمولية الربط بين مختلف جوانب تدبيره، على مستوى المناهج والبرامج والإدارة والتجهيز والتقويم والتمويل والهيكلة.

– ترشيد نظام تولي مهام المسؤولية بإسناد التدبير والتسيير والتنفيذ الإداري لجهاز جامع بين الكفاءة الخبيرة بآليات التسيير والتدبير وبين المواصفات الشخصية المبنية على قيم الامانة والصدق والنزاهة، في مراعاة تامة لآليات التدبير التشاركي.

-اعتماد منظور تربوي ناجع يعتمد المقاربة المتوازنة بين الابعاد الكيفية والعناصر الكمية بمراعاة القدرات المعرفية للمتعلم وإمكاناته مع التركيز على مبادئ تعلم التعلم، واستدامة التعلم، وتنويع التعلم مدى الحياة، مع استنبات البيداغوجيات والطرائق المناسبة للغايات التربوية وللأهداف العلمية والعملية التدريبية، وهو ما سيفرض إيلاء بنيات البحث والتجديد التربوي الوطني وضعا اعتباريا متميزا.

-توفير الامكانيات المادية والمالية لإنشاء بنيات استقبال مكتملة الشروط تكون عبارة عن مركبات للتعليم والتثقيف والتنشيط والتدريب والترفيه، تجعل من المدرسة فضاء جذابا آمنا ملائما للطبيعة المناخية والمجالية، متطورا متجددا من الناحية المعمارية والجمالية.

ثانيا :على مستوى التمويل والاستقلالية، تقترح ما يلي:

-تخصيص نسبة ملائمة في الإنفاق العام من الميزانية العامة للدولة للتعليم.

– تحفيز المشاركة المجتمعية التطوعية للأفراد والجماعات ولمختلف الفاعلين الاقتصاديين وكذا مؤسسات المجتمع المدني قصد الاسهام في تمويل التعليم في إطار مؤسساتي منظم.

-ترشيد الانفاق على مجال التعليم من خلال بناء منظومة شفافة للتدبير المادي والمالي والمحاسباتي.

– إرساء منظومة متكاملة وناجعة للدعم الاجتماعي والمادي للمتمدرسين والاطر التربوية والتعليم في مختلف مراحل ومستويات وأنواع التعليم.

– اعتماد نظام احتضان المدرسة والمتمدرسين من طرف المؤسسات الصناعية والمقاولات الانتاجية، وذلك وفق آليات وتشريعات تعاقدية واضحة.

– اعتماد آليات التطوع للخدمة الاجتماعية العمومية في القطاعات الحيوية مقابل الحصول على المنح الدراسية.

– تطوير أنظمة تعليمية يرعاها الأفراد الذاتيون ومؤسسات المجتمع من الأوقاف والقروض الحسنة والاحسان العمومي وذلك وفق دفاتر تحملات يضبطها القانون.

-تثمين مساهمة التعليم الخاص مع تدقيق ضوابط اشتغاله من حيث التقنين والجودة والكلفة والالتزامات التربوية والتعليمية لتكون مساهمته ناجعة دون آثار سلبية على قدرات الأسر أو على تعاقداته مع الوزارة الوصية أو التزاماته إزاء الخيارات الوطنية.

ثالثا :على مستوى محو الأمية، تقترح ما يلي:

-وضع مخطط استراتيجي وطني لمحو الأمية ضمن مشروع مجتمعي متكامل قوامه العدل والتنمية الشاملة يقوم على تشخيص دقيق لظاهرة الأمية وأنواعها المتعددة، ويأخذ بعين الاعتبار حاجيات المستفيدين وكفاءة ونزاهة مختلف المتدخلين، وخصوصية المناطق والمجال.

– إحداث مرصد وطني لمراقبة وتقويم وتتبع أعمال مراكز محو الأمية، وإجراءالتعديلات اللازمة من أجل إنجاح المخطط الاستراتيجي لمحو الأمية.

-إعداد البرامج والمناهج الملائمة لحاجيات الفئات المستهدفة والقمينة بإكسابها القيم والمعارف والمهارات والسلوكات القابلة للتحويل في مختلف مناحي الحياة.

-إجبارية تأسيس وتطوير وتنمية منظومة محو الأمية والتكوين المستمر في كل مؤسسات التعليم والتدريب والإنتاج الصناعي والمهني، وكذا في المؤسسات السجنية، وفي الخدمة العسكرية، مقابل تحفيزات ملائمة.

– تطوير وترشيد جهود مختلف بنيات الاستقبال الحالية العاملة في مجال محو الأمية خاصة على مستوى الكتاتيب القرآنية، ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الشريكة بما يضمن إسهامها القوي في تعميم التعليم ومحو الأمية.

– تنويع مدارس وفرص التعليم واستدامة التعلم عرب تفعيل مؤسسات الدولة والمؤسسات المجتمعية وكل الطاقات والمقاولات التنموية والشركاء الصناعيين، والتعاون مع المنظمات الدولية المعتبرة على أرضية التشارك.

– تفعيل وتطوير أنظمة التعليم المفتوح، والتعليم عن بعد، والتعليم الإلكتروني ، والتعلم الذاتي، والتعليم بالمراسلة، والتعليم عبر التناوب مع المهنة، وكل ما يضمن استدامة التعلم واستمرار التكوين والتدريب، خصوصا في القرى والمناطق النائية وبالنسبة للحالات الخاصة، وفي الظروف والطوارئ النازلة.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
16 مارس 2024 21:55

ماذكرته وثيقة العدل والاحسان في شان تطوير المنظومة التعليمية لا يخرج عن إطار ما سطرته عدة ارضيات سابقة لاحزاب مختلفة المشارب من عموميات فضفاضة لا تخرج عن دائرة الانشاء والبلاغة الشعرية، ولا يقدم تشخيصا دقيقا للوضع التعليمي تتخله احصائيات وأرقام ناطقة بواقع الحال وتشوب هذا الطرح مواقف إديولوجية اكتر منها رصد علمي للواقع، وهذا الوضع تعاملت معه الدولة سابقا من منطلقين لم يقدم للتعليم سوى منظمومة ضعيفة ومتهالكة:
المنطلق الاول: صياغة برامج تعليمية تراعي التوليف بين مختلف المنطلقات الاديولوجية التي تخللت المناظرات السابقة حول التعليم،مما اغرق المنظومة التعليمية في فسيفساء تقافية تسير في كل الاتجهات دون تحديد اتجاه واضح.
المنطلق التاني: التعامل مع التعليم كقطاع غير منتج، وصياغة اجراءات عملية تراعي الهاجس الامني والهاجس المالي. وقد حان الوقت الخروج من هذا السجال العقيم ورسم سياسات واضحة تحدد الغايات المستعجلة والمطلوبة من قطاع التعليم،وتحديد خطة مستقبلية تربط التعليم ربطا حقيقيا بالتنمية كما فعلت عدة دول صاعدة، والنمادج موجودة وقريبة من عيوننا لمن يريد الابصار.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x