لماذا وإلى أين ؟

جدلية الحرية الأكاديمية بين التعبير والمسؤولية

نعيمة تشيشي

تعد الحرية الأكاديمية جزءا لا يتجزأ من الحريات التي يتمتع بها أي مواطن داخل مجتمعه ، و هي عنصر مهم من العناصر التي تضمنتها شرعة حقوق الإنسان و المواثيق  الدولية والتشريعات الوطنية ،  باعتبارها جزء لا يتجزأ من  الممارسة الديموقراطية في المجتمع. ونجد نصوصا دولية ووطنية نصت على الحرية الأكاديمية كالاعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال مادته 27 ، وكذا  المادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أما على المستوى الوطني، فالدستور لم يكن جليا بوضوح من خلال الفصل 25 حيث لم يتم ذكر للحرية الأكاديمية.

ثم هناك القانون 01.00 الذي ينص على أن التعليم العالي يمارس وفق مبادئ حقوق الإنسان والتسامح وحرية الفكر والإبداع ، مع الاحترام الدقيق للقواعد والقيم الأكاديمية. ولعل ما يميز الجامعات ومراكز البحث العلمي  في الدول الحديثة هو تمتعها بمقومات فكرية وتنظيمية ومعنوية، أهمها حرية الرأي والتعبير.

الحرية الأكاديمية وواقع الحق في الحصول على المعلومة

لا يمكننا الحديث عن حرية أكاديمية في غياب بيئة تتناسب والبحث العلمي، أهمها توفير المعلومات ومنح الحق في الحصول عليها. فرغم اعتماد قانون الحق في الحصول على المعلومة سنة 2018 بهدف تعزيز شفافية العمل الحكومي ،  وتمكين المواطنين من الوصول الى المعلومات ،وكذلك عمل المؤسسات الأكاديمية على تعزيز حرية البحث وتوفير الدعم والموارد للأكاديميين في مجال الوصول إلى المعلومات المهمة أبحاثهم وأنشطتهم الأكاديمية ، إلا أنه لا زالت إلى حدود الآن مشاكل تتعلق بالحصول على المعلومات. ويقربنا الطالب “محمد “من بعض المشاكل التي رافقته أثناء جمع بعض المعطيات  الخاصة ببحثه    “انا محمد طالب باحث في سلك الماستر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال ، وانا في رحلتي البحثية  واجهتني صعوبات في الحصول على المعلومات الأكاديمية ،أولها صعوبة إيجاد المصادر التي كنت أجد عددا محدودا منها باللغة الفرنسية  مما يضطرني للبحث عنها باللغة الإنجليزية ،وتحمل عناء الترجمة خاصة اننا نكون ملزمين بتسليم البحوث في وقت محدد  و الترجمة  تتطلب وقتا ،المشكل الثاني يتعلق بالمقالات العلمية وكذلك الأبحاث المدفوعة ،التي يتطلب الاشتراك فيها وهذا بالنسبة لمعظم الطلبة الباحثين يشكل تحدي ،لارتفاع تكلفة الدفع وقلة الموارد المالية لنا، وكذلك كانت هناك تحديات مرتبطة بالعثور على البيانات الإحصائية والتقارير المحلية السريعة التطور.

إن تعزيز حق الوصول إلى المعلومات للباحثين ،يتطلب اعتماد جهود مشتركة بين المؤسسات التعليمية والحكومة والمجتمع المدني ،من خلال تعزيز الشفافية وتوفير معلومات شاملة وواضحة بشأن السياسات المتعلقة بالوصول الى المعلومات ،وكذلك توفير البنية التحتية اللازمة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المؤسسات التعليمية  كالحواسيب و الانترنت ،وكذلك توفير مكتبات جيدة وقواعد بيانات متاحة من أجل المصادر المرجعية .

الحرية الأكاديمية حرية مشروطة

معظم الباحثين الذين يشتغلون  حول  قضايا الحرية الأكاديمية  يعتبرون أن مفهوم الحرية الأكاديمية له ارتباط بالحريات السياسية، ولها أيضا ارتباط بالبيئة الاجتماعية التي تحدّد مستوى تطور هذه الحرية وطابعها. وبالتالي فإن ما يتحكم في وجود او غياب الحرية الأكاديمية والأشكال الأخرى من الحريات والحقوق خاصة في مجال التطبيق والممارسة ،هي المعطيات والظروف الاجتماعيّة والسياسية .

رغم أن المغرب  هذه السنة   أدرج  ضمن الفئة الثانية B،  في آخر تقرير لمؤشر الحرية  الأكاديمية لسنة 2024،  أي ضمن خانة الدول التي تتمتع بحرية أكاديمية في الغالب، محققا  بذلك تقدما مقارنة مع تصنيف السنة الماضية، الذي أدرج فيه ضمن الفئة الثالثة، أي خانة الدول ذات الحرية المتوسطة  إلا أنه لازالت الحرية الاكاديمية في المغرب تتأثر بعدة عوامل لها علاقة بالتشريعات والسياسات التي تنظم المؤسسات التعليمية، وكذلك تدخل السلطات الحكومية في الشؤون الاكاديمية بالإضافة الى فرض بعض القيود على الأنشطة الأكاديمية .

وفي هذا السياق يحكي لنا “سعيد” أستاذ باحث  جزء من تجربته الاكاديمية، يقول لحد الآن لم أرى حرية كاملة في الميدان الأكاديمي بالمغرب ولعل هذا واضح من خلال تدني درجة الجامعات المغربية بالمقارنة مع باقي الدول الأخرى، أنه من العيب أن نرى طلبة وأساتذة باحثين يكتفون بمحتوى البحوث السابقة وعمل نسخ وإعادة الصياغة، هذا بدوره يؤثر على البحث العلمي، ويجعلنا ننتج أبحاث تختلف في العناوين فقط ،لكن لها نفس المحتوى إن صح التعبير ،وهذا راجع أولا الى ضعف التأطير في مواضيع البحث، فنجد أنفسنا وكأننا ننتج الفراغ .

 انا لا اعمم لكن هذا واقع نعيشه  ،صحيح انه لحد الان لم تسجل أي شكاية من طرف الأساتذة الباحثين حول منع بحوثهم من النشر وهذا أمر جيد، لكن  المشكل ان معظم الأساتذة أصبحوا يقومون برقابة ذاتية على مواضيع بحوثهم خشية عدم قبولها، أو فقط من اجل نيل الدرجات لا غير، وهذا حال معظم الباحثين خاصة في مجال علم الاجتماع والعلوم الإنسانية . وهنا انا سأطرح سؤال لماذا مفهوم  الحرية الأكاديمية يزداد فقط في التخصصات التقنية والتطبيقية مقارنة بتخصصات العلوم الاجتماعية والإنسانية.

و اضاف ايضا انه لعل ما يعرقل الحرية الأكاديمية هو الرقابة التي تمارس حول النشاطات الأكاديمية والبحثية  ، وكذلك التدخل في رسم الحدود المعرفية بشكل مطلق ،بالإضافة الى  بعض القيود المفروضة على نشر  البحث العلمي، أو التوجيهات المتعلقة بالموافقة المسبقة على الأبحاث والدارسات وكذلك القيود المرتبطة بالمواضيع الحساسة.

ومن جانب اخر كانت هناك جهود لتعزيز الحرية الاكاديمية في المغرب من خلال بعض الإصلاحات التعليمية في السنوات الأخيرة  كتعزيز التعاون الدولي في مجال الأبحاث وتوفير فرص للاكاديميين المغاربة في المشاركة بالبرامج والمشاريع البحثية .

الحرية الأكاديمية والمسؤولية الاجتماعية

 لعل أهم ما يجب أن يتمتع به الأكاديمي هو الحرية التامة في التعبير والبحث، لكن في الوقت نفسه  تقع على عاتقه المسؤولية  الاجتماعية كون أن أعمالهم وأفكارهم لها تأثير على المجتمع.  و يجب على الأكاديمي أن يدرك  مدى مساهمته في تحقيق التغير الاجتماعي وكذلك التنمية  باعتباره  صلة وصل بين المعرفة الأكاديمية واحتياجات المجتمع ويلزمه هذا بالمصداقية والأخلاق والنزاهة الأكاديمية و الأمانة العلمية، و الالتزام بالحياد.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
29 مارس 2024 21:00

لا تقدم ولا نمو ولا تطور بدون بحت علمي في جميع الاتجاهات، ومن يريد التقدم بدون ذالك فهو واهم كل الوهم، ودولنا بدون بحث علمي يشرف عيله ابناء الوطن سيبقينا رهينة تستعمل من طرف مكاتب الدراسات الاجنبية وتستغلنا وفق اجندة تتحكم فيها مراكز القرار الكبرى.

MRE de Montpellier
المعلق(ة)
29 مارس 2024 12:55

La liberté c’est un Droit de chacun et non une faveur

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x