لماذا وإلى أين ؟

كيف سترد الرباط على طرد دبلوماسي مغربي كبير من الجزائر؟ (خبيران يجيبان)

اعتبرت الجزائر نائب القنصل العام المغربي في وهران، محمد السفياني، “شخصًا غير مرغوب فيه” وأمرت بمغادرته البلاد في غضون 48 ساعة.

أوضحت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان، أمس الخميس 27 مارس الجاري، أن القرار اُتخذ على خلفية “تصرفات مشبوهة” منسوبة لنائب القنصل العام، معتبرة أن تلك السلوكيات ”لا تتماشى مع طبيعة مهامه الدبلوماسية وتعد انتهاكًا للقوانين الجزائرية والأعراف الدولية، خاصة اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية”. غير أن البيان لم يُفصح عن تفاصيل محددة بشأن تلك التصرفات.

هل يمكن اعتبار الخطوة ”تصعيدا جديدا”، في ظل ما تشهده العلاقة بين البلدين من توترات، وكيف سيكون رد فعل الرباط؟

محمد شقير، أستاذ العلاقات الدولية والباحث في الشؤون السياسية، رفض وصف الخطوة بـ ”التصعيدية”، مبررا ذلك  كونها تأتي في سياق توتر بلغ حد قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين،  كما تأتي، وفق شقير، في إطار تصاعد التصعيد بين فرنسا والجزائر بعد اعترافها بمغربية الصحراء.

كما أشار شقير، تفاعلا مع أسئلة ”آشكاين”، إلى أن الوضع الحالي يعبر عن تصاعد الخلافات بين الجزائر وفرنسا بسبب موقف الأخيرة المؤيد لسيادة المغرب على الصحراء.

ذات الباحث لفت أيضًا إلى صعوبة تفسير القرار الجزائري، خاصة وأنه يأتي بعد سلسلة من الأحداث التي زادت من تأزيم الأجواء بين البلدين. ومن بين تلك الأحداث، تبادل الاتهامات في المحافل الدولية، والحكم بسجن الكاتب الفرنسي الجزائري صلصال لخمس سنوات بسبب تصريحاته حول مغربية أراضٍ تابعة للجزائر، إلى جانب التحقيق مع رشيد نكاز في المغرب بعد نشره لفيديو مثير للجدل.

بحسب المتحدث، فإن البيان الجزائري، الذي تحدث عن “تصرفات مشبوهة”، يلمّح ضمنيًا إلى ”احتمال تورط الدبلوماسي المغربي في أعمال استخباراتية”. وأكد الباحث على أن الجزائر باتت ”تتشكك بأن السلطات المغربية تحاول استغلال أي فرصة أو شخص للتجسس عليها”. هذا التفسير يعيد إلى الذاكرة حوادث مشابهة، مثل طرد فريق رياضي مغربي من الأراضي الجزائرية.

من جانبه، أوضح الدكتور أحمد نورالدين، الخبير في العلاقات الدولية، أن القرار الذي اتخذته الجزائر بطرد نائب القنصل المغربي في وهران يمكن تفسيره في سياق ما يُعرف بنظرية “الحيوان الجريح الذي يصبح بعد الجرح أشد هيجانا من ذي قبل، ويضرب في كل الاتجاهات خبط عشواء، دون أن يكون له بالضرورة هدف محدد، ودون أن يكون هناك تفسير منطقي لسلوكه”.

وفي حديثه لـ “آشكاين”، أكد الباحث نورالدين أن الجزائر تواجه سلسلة من الإخفاقات الدبلوماسية المتلاحقة. وأشار إلى أن المواقف الأخيرة جعلتها تُقدم تنازلات ”مذلة ومهينة”، بدءًا من ”استسلامها أمام فرنسا بسبب موقفها من قضية الصحراء المغربية، وصولاً إلى التراجع أمام إسبانيا للأسباب ذاتها. كما تطرّق إلى انحناء النظام الجزائري أمام الولايات المتحدة في محاولة ”لاسترضائها” عقب الحملة التي قادتها الجزائر ضد الرئيس دونالد ترامب خلال سنة 2020 إثر اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء.

وأوضح أن الجزائر سارعت بعد استلام ترامب ولايته الجديدة للتوقيع على اتفاقيات تعاون أمني وعسكري مع الجانب الأميركي، بل وقدّمت عروضاً كبيرة لاستغلال موارد المعادن الثمينة في أراضيها، كما أعلنه وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم. ومع ذلك، رفضت الإدارة الأميركية طلبات الجزائر للحصول على أسلحة نوعية، مما زاد من الاستياء داخل الأوساط الجزائرية.

وأضاف الخبير في العلاقات الدولية عينه، أن الجزائر تلقت عدة “صفعات” دبلوماسية، سواء على الساحة الإقليمية أو الدولية. فقد كانت معزولة عن ترتيبات القمة العربية المتعلقة بغزة التي انعقدت بالقاهرة مارس الماضي، مما دفع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى مقاطعتها مستخدمًا عبارة “حزّت في نفسي” التي تعني “حقرونا او حكرونا”، كتعبير عن احتجاجه.

وأشار إلى أن الأزمة تفاقمت مع انهيار الحليف السوري ضمن ما يصفه المحلل بـ”مثلث الشر” الذي يجمع دمشق والجزائر وطهران، بالإضافة إلى المشاكل المتصاعدة مع دولتي مالي والنيجر.

واعتبر الباحث أن كل هذه التطورات تركت النظام الجزائري في حالة ”تشبه الحيوان الجريح الذي ينزف بغزارة ويبحث عن ردود فعل انتقامية قد تكون غير عقلانية”. واستطرد نورالدين قائلاً إن تصعيد الجزائر للتوتر مع المغرب يخدم عدة أهداف داخلية؛ فهو يسعى لتشتيت انتباه الرأي العام الجزائري من ضغوط الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والاحتباس السياسي المستمر منذ حراك فبراير 2019. كما اعتبر ذلك وسيلة لتجنب انفجار الصراعات الداخلية داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية التي تعاني من خلافات بين أجنحتها، كان آخرها اعتقال الجنرال عباس مختار.

وتحدث عن استنكار واسع داخل وخارج الجزائر نتيجة اعتقال الكاتب والمثقف بوعلام صنصال بسبب آرائه المتعلقة بالأراضي المغربية التي ضمتها فرنسا للجزائر خلال الحقبة الاستعمارية.

وأشار الباحث إلى أن سياسة طرد نائب القنصل المغربي ليست سوى ”محاولة يائسة” لتكريس صورة “العدو الخارجي” وشحن الجزائريين بمزيد من الضغائن تجاه المغرب، بهدف صرف أنظارهم عن المطالب المشروعة لتحسين أوضاعهم المعيشية وتحقيق دولة مدنية بعيدًا عن هيمنة العسكر.

وأضاف أن القرار يدخل ضمن مسلسل طويل من التصعيد ضد المغرب منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإغلاق المجال الجوي أمام الطيران المغربي، وحتى الاتهامات الباطلة المتعلقة بحرائق منطقة القبائل وواقعة واحة العرجا بفكيك وطرد المزارعين المغاربة، إضافة إلى أحداث شاطئ السعيدية وحوادث أخرى مشابهة.

واختتم نور الدين حديثه بدعوة وزارة الخارجية المغربية إلى الرد باستخدام مبدأ “المعاملة بالمثل”، الذي يحكم العلاقات الدبلوماسية وفق القانون الدولي. واقترح طرد القنصل الجزائري في الدار البيضاء أو وجدة وإعلانه ”شخصًا غير مرغوب فيه كرد على التصرفات الجزائرية الأخيرة تجاه المغرب”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
Mohammed
المعلق(ة)
28 مارس 2025 15:58

يجب عدم التساهل مع حكام الجزائر الأشرار و الرد بطرد قنصل الجزائر بوجدة أو الدار البيضاء و اعتباره غير مرغوب فيه لأن الجزائر لا تفهم إلا بالقوة والعمل بالمثل و السكوت عن فعل الجزائر يعتبره الخصم ضعفا.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x