2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

في الذكرى التاسعة والستين لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني، يسطع اسم عبد اللطيف حموشي كأحد أبرز القادة الأمنيين الذين أعادوا تشكيل مفهوم الأمن في المغرب، ليس فقط كمجال تقني ومؤسساتي، بل كدعامة أساسية للاستقرار الداخلي وأداة ناعمة للدبلوماسية الإقليمية والدولية. فمنذ تعيينه مديرًا عامًا للأمن الوطني سنة 2015، إلى جانب مهمته على رأس مديرية مراقبة التراب الوطني، استطاع حموشي أن يصوغ نموذجًا أمنيًا متقدّمًا يقوم على النجاعة، الشفافية، والاحترام الصارم لحقوق الإنسان.
رجل الظل… وصانع التحول

يتميّز عبد اللطيف حموشي، المولود سنة 1966 بتازة، بسيرته الأكاديمية الرفيعة إذ نال شهادة في الدراسات العليا في الحقوق، وانخرط مبكرًا في دواليب المخابرات المغربية، حيث راكم خبرة عميقة مكنته من تولي منصب مدير مديرية مراقبة التراب الوطني (DST) سنة 2005، ليصبح أصغر من شغل هذا المنصب. وفي سنة 2015، كُلِّف بمهمة مزدوجة على رأس جهازَي الأمن الوطني والاستخبارات الداخلية، في قرار غير مسبوق يعكس الثقة الملكية في قدرته على دمج الرؤية الاستخباراتية بالنجاعة العملياتية.
منجزات رقمية وأمنية نوعية

تحت قيادته، شهدت المؤسسة الأمنية المغربية تحولات جوهرية، على مستوى البنية والوظائف، من أبرزها تخفيض معدلات مختلف أنواع الجريمة في المدن المغربية وتعزيز قدرات فرق التدخل الخاصة، ووحدات النخبة، واعتماد الشرطة المجتمعية لتحسين العلاقة مع المواطن ودعم الأمن الرقمي عبر إنشاء وحدات متخصصة في محاربة الجرائم السيبرانية وترحيل وتفكيك عشرات الشبكات الإرهابية في إطار التعاون مع شركاء أوروبيين وأفارقة، أبرزهم إسبانيا، فرنسا، وبلجيكا.
دبلوماسية أمنية… المغرب شريك موثوق ومؤثر

نجح عبد اللطيف حموشي في ترسيخ موقع المغرب كفاعل محوري في معادلات الأمن الإقليمي والدولي، بفضل رؤية استراتيجية تمزج بين الاحتراف الاستخباراتي والانفتاح الدبلوماسي الأمني. تحت قيادته، لم تعد أجهزة الأمن المغربية تشتغل في حدودها الوطنية فقط، بل أصبحت شريكاً موثوقاً ومطلوباً لدى العديد من القوى الكبرى والمنظمات الدولية في التصدي للتهديدات المعقدة والعابرة للحدود.
وقد توالت في السنوات الأخيرة الزيارات رفيعة المستوى لمسؤولين أمنيين من أبرز أجهزة الاستخبارات العالمية، من بينها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI)، وكالة الاستخبارات الألمانية (BND)، الاستخبارات الداخلية والخارجية الفرنسية (DGSI وDGSE)، إلى جانب أجهزة أمنية من بلجيكا وإسبانيا ودول إفريقية.
ومن أبرز آخر المحطات التي رسّخت المصداقية الميدانية المتواصلة للمخابرات المغربية، مساهمة المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، بحر هذا الأسبوع، مع نظيرتها الفرنسية في الإطاحة بجندي فرنسي سابق في قبضة الأمن، بعد أن تحول إلى جهادي خطير، كان ينوي الانضمام إلى خلية إرهابية في سوريا.
هذا التعاون الأمني القائم على الثقة والكفاءة، جعل من المغرب مرجعاً دولياً في محاربة الإرهاب وضمان الأمن في الأوقات الحساسة. وقد اعترفت دول عدة عن استفادتها من الخبرة والكفاءة الأمنية المغربية، في تأمين بعض التظاهرات الرياضية الدولية الكبرى، كبطولة كأس العالم “مونديال قطر 2022”، والألعاب الأولمبية في باريس 2024.
نهضة اجتماعية لأسرة الأمن

لم يقتصر إصلاح حموشي على الجوانب التقنية، بل شمل أيضًا تحسين الظروف المهنية والاجتماعية لرجال ونساء الأمن، ومنها على سبيل المثال لا الحصر إنشاء مؤسسات صحية واجتماعية خاصة بموظفي الأمن، كمستشفى الشرطة بالرباط وتطوير نظام الترقيات والتكوين المستمر، وتوسيع مراكز التدريب الأمني بمعايير دولية وكذلك تعزيز البعد الإنساني في العلاقة مع المواطنين، وتعميم دليل أخلاقيات المهنة.
إشعاع دولي… وتقدير عربي

توالت الإشادات الدولية بمسار عبد اللطيف حموشي، من بينها تصريح لمسؤول أوروبي وصف فيه المغرب بـ”البلد النموذجي في ربط الأمن بالتنمية”، وأكد أن “الاستقرار المغربي هو نتيجة مباشرة لحكامة أمنية استباقية واحترافية”.
كما سبق للسفير الأمريكي بالمغرب أن أشاد بـ”المساهمة المغربية الجوهرية في تفكيك خلايا إرهابية تستهدف أوروبا”، مشيرًا إلى أن “قيادة السيد حموشي تجمع بين الهدوء والفعالية المطلقة”.
وتقديراً لجهوده الحثيثة في تعزيز العمل الأمني العربي المشترك، تم البارحة (16 ماي 2025) منح عبد اللطيف حموشي وسام الأمير نايف للأمن العربي من الدرجة الأولى، وهي أرفع جائزة أمنية عربية، اعترافاً بمسيرته المهنية المتميزة وإسهاماته في توطيد التعاون بين الأجهزة الأمنية في العالم العربي.
كما راكم حموشي عدة أوسمة وشهادات تقدير دولية، من بينها وسام الاستحقاق الأمني الإسباني، لدوره في تفكيك خلايا إرهابية تستهدف أوروبا ووسام الشرف من فرنسا، نظير الشراكة النموذجية بين باريس والرباط في المجال الاستخباراتي.
نحو آفاق جديدة… مؤتمر الإنتربول بمراكش

وفي تأكيد لمكانة المغرب في المنظومة الأمنية الدولية، يستعد البلد لتنظيم حدث أمني عالمي يتمثل في استضافة الدورة الثالثة والتسعين للجمعية العامة للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية “الإنتربول” في نوفمبر 2025 بمدينة مراكش.
هذا المؤتمر، الذي سيجمع مسؤولي الأمن والشرطة من أكثر من 190 دولة، يشكّل اعترافاً صريحاً بالكفاءة المغربية، وبريادة عبد اللطيف حموشي في تطوير نموذج أمني قادر على التفاعل مع التهديدات الجديدة بأسلوب تنسيقي ومتعدد الأطراف ويُكرّس قيادة حموشي في صناعة السياسة الأمنية العالمية.
في الذكرى 69 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني، يبدو أن المغرب لا يحتفي فقط بمسار مؤسسة، بل يحتفي أيضًا برجل أعاد تعريف الأمن بمفردات جديدة: الثقة، الكفاءة، والتحديث.
عبد اللطيف حموشي ليس فقط رجل أمن، بل هو رجل دولة يعمل في صمت، ويبني في العمق، من أجل مغرب آمن داخليًا، وموثوق عالميًا.