لماذا وإلى أين ؟

إغلاق موريتانيا لحدودها مع الجزائر رسالة إلى البوليساريو وقصر المرادية

في خطوة تحمل أبعادًا أمنية وجيوسياسية لافتة، قررت موريتانيا إغلاق حدودها البرية الشمالية مع الجزائر، وبالضبط في منطقة البريكة الصحراوية الواقعة شمال شرق البلاد، على مقربة من مخيمات تندوف، التي تُعدّ معقلاً لجبهة البوليساريو. وفي الوقت الذي تم تقديم الخطوة باعتبارها “إجراءً لضبط الأمن ومكافحة التهريب”، فإن سياقها وموقعها الجغرافي يفتحان الباب أمام قراءات سياسية أعمق.

فالقرار الذي اتخذه الجيش الموريتاني، والذي أرفقه بإعلان البريكة “منطقة عسكرية مغلقة”، لا يمكن فصله عن البيئة الأمنية المتأزمة في منطقة الساحل والصحراء، حيث تنشط جماعات مسلحة وشبكات تهريب عابرة للحدود في مناطق صحراوية نائية يصعب ضبطها. غير أن الزمن والمكان اللذين اختارتهما انواكشوط لتنفيذ هذا القرار يطرحان تساؤلات حول الرسائل الخفية وراءها، خاصة لجبهة البوليساريو.

فلطالما كانت مخيمات تندوف نقطة حساسة في الجغرافيا السياسية المغاربية، بحكم احتضانها لقيادة جبهة البوليساريو المسلحة، وارتباطها بنشاطات التهريب الدولي للمخدرات والسلاح. وفي ظل الاتهامات المتكررة بعبور عناصر مسلحة أو شبكات مشبوهة من الجزائر إلى شمال موريتانيا عبر هذه النقطة، فإن قرار إغلاق “البريكة” قد يُقرأ كـتحذير ضمني إلى البوليساريو بضرورة عدم استغلال الأراضي الموريتانية أو الاقتراب من حدودها، وهو ما ذهب إليه تحليل صادر عن صحيفة “الأنباء” الموريتانية.

ويبدو أن موريتانيا، التي لطالما سعت للحفاظ على موقع الحياد في قضية الصحراء المغربية، بدأت تتجه نحو مقاربة أكثر واقعية، قوامها تأمين المصالح الوطنية قبل كل شيء، خاصة مع ازدياد التوترات في منطقة الساحل.

ورغم أن الجزائر لم تُذكر صراحة في الخطاب الموريتاني الرسمي، إلا أن الجغرافيا تتحدث، فمنطقة “البريكة” ليست فقط نقطة عبور من الجزائر نحو موريتانيا، بل هي إحدى المنافذ شبه غير الرسمية التي تستخدمها شبكات مرتبطة بالأراضي الجزائرية، سواء لأغراض “معاشية” أو ذات طابع غير قانوني. ومن هذا المنطلق، فإن إغلاق المعبر قد يُفهم أيضا على أنه رسالة إلى الجزائر ذاتها، مفادها أن نواكشوط لن تسمح بأن تكون أراضيها امتدادًا لفوضى إقليمية.

إغلاق موريتانيا لحدودها مع الجزائر في هذه المرحلة الحساسة ليس مجرد إجراء أمني، بل هو إعلان سياسي بامتياز، ورسالة واضحة إلى من يهمه الأمر، سواء من داخل مخيمات تندوف أو في دوائر صنع القرار بالجزائر. موريتانيا، التي توازن بين الحذر والدبلوماسية، يبدو أنها قررت هذه المرة أن تقول كلمتها: أمنها أولاً وحدودها خط أحمر.

ويأتي القرار الموريتاني في سياق أعرب فيه المنقبون الموريتانيون عن استيائهم من توغلات ميليشيات البوليساريو داخل الأراضي الموريتانية، حيث قامت كتيبة تابعة للجبهة بالتوغل في منطقة “بير أم كرين” بولاية “تيرس زمور” من أجل قصف القوات المسلحة الملكية المغربية، مما أثار مخاوف المنقبين من تعرضهم للخطر نتيجة هذه التحركات.

وطالبت نقابات التعدين في موريتانيا السلطات باتخاذ إجراء ات حازمة لمنع مثل هذه الممارسات التي تمس بالسيادة الوطنية والأمن القومي بحسبها، مشيرة إلى تواتر الانتهاكات الحدودية من قبل الجيش الجزائري، بما في ذلك توغل عناصر حرس الحدود الجزائري داخل الأراضي الموريتانية ومطاردة المنقبين عن الذهب.

كما حذر المنقبون من محاولات البوليساريو استغلال الأراضي الموريتانية لاستفزاز القوات المغربية، مما قد يؤدي إلى توريط موريتانيا في صراعات إقليمية لا ناقة لها فيها، مطالبين السلطات باتخاذ موقف حازم لمنع وقوع أي حوادث مماثلة مستقبلاً.

وتعكس هذه المواقف حالة من القلق المتزايد بين المواطنين الموريتانيين من التوترات الأمنية على الحدود الشمالية، كما تبرز الحاجة إلى تعزيز الإجراءات الأمنية والدبلوماسية لحماية سيادة الجارة الجنوبية وضمان أمن المواطنين فيها، وهو ما يفسر القرار الذي اتخذه الجيش الموريتاني.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
مغربي أصيل
المعلق(ة)
23 مايو 2025 02:19

الجزائر أصبحت مصدر ا للارهاب العابر للقارات فبعد مالي ليبيا فرنسا ها هو الدور يأتي عل موريتانيا .ولم يبق لقادة الجزائر الا أن يدخلوا في هراكيري

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x