لماذا وإلى أين ؟

عروب: الأوضاع في المغرب إنتقلت إلى السرعة القصوى صوب الإنفجار الحتمي (حوار)

في ظل الأوضاع التي أصبح يعرفها المغرب في الآونة الأخيرة، والقرارت غير الواضحة التي أصبحت الحكومة المغربية تتخذها مثل الساعة الإضافية، ومن خلال إزدياد الإحتقان والسخط الشعبي، إختارت “اَشكاين”  في فقرة “ضيف الأحد”  إستضافت هند عروب هند عروب، مؤسِّسة “مركز هيباتيا الإسكندرية للتفكير والدراسات، حاصلة على الجائزة الأكاديمية “فول برايت”.

مرحبا دكتورة هند عروب، بداية كيف تقيمين الوضع في المغرب حاليا؟

أولا أود أن أشكر موقع “اَشكاين” على الإستضافة في فقرة “ضيف الأحد”، بالنسبة للجواب على سؤالكم فإن الأوضاع في المغرب إنتقلت من السرعة النهائية القصوى صوب الإنفجار الحتمي لأزماته السياسية والإجتماعية والإقتصادية، التي باتت تخنق عامة الشعب وتدفع به صوب الإنتحار، والفساد، ولحريك، والجريمة…

المشكل أن النظام الحاكم يعتقد بإطباقه على أنفاس الجماهير، وإخراص أصواتها بالترهيب والتعنيف والتفقير سيخرص الأصوات المنددة بهشاشة الأوضاع، وسيلقن الدروس المباشرة وغير المباشرة لكل من سولت له نفسه الإحتجاج ضد “الحكرة”.

ولكن النظام يجهل أو يتجاهل أن الضغط لن يقبع بالناس في زوايا الصمت، لأن للبشر بيولوجيا تصرخ حين تجوع، أما الأوضاع بلغة الأرقام فنجدها كارثية، إذ حل المغرب في المرتبة 123 بالنسبة لمؤشر التنمية البشرية، أما مؤشر جودة التعليم لسنة 2018 فالمغرب خارج التصنيف، وهو الأمر المخزي، إذ حضرت اليمن في التصنيف رغم ما تعانيه من حروب وفقر، أما بالنسبة لمرتبة المغرب في مؤشر الديمقراطية فنجده بعد المائة، وفي حرية الصحافة إحتل المغرب المرتبة 135.

ففي ظل هذا الوضع المزري يبقى السؤال الذي يطرحه الكثيرون ما هو الحل؟ وهل يوجد حل في الاصل؟ فمن وجهة نظري المشكل ليس في إيجاد الحلول، لأن الحلول موجودة لو أريد تطبيقها، لكن ما الذي نقصده بالحل؟ الأنظمة الشمولية تعلم جيدا أنها إذا منحت حلولا تقوي وتزيد من وعي شعوبها، ستفقد عروشها، لذلك فالأنظمة الشمولية لا تسعى إلى إيجاد حلول، بل تسعى إلى تعميق الأزمات وتجدير الخوف داخل البنية السيكولوجية للشعوب.

إن المشكل الجوهري يكمن في طبيعة النظام السياسي المغربي، الذي لم يستوعب دروس الإنتفاضات والإحتجاجات الوطنية والإقليمية، ليغير منطق حكمه وينتقل من حكم تسلطي إلى حكم تشاركي.

فالريف مثلا يحتج لوحده ولا جهة أخرى من بقاع البلاد ستتضامن بنفس قوة الإحتجاج، وهنا لا أقصد المسيرات الوطنية التضامنية التي عرفتها بعض المدن، فأنا أتحدث عن منطق الإحتجاج في حد ذاته، كما أن جرادة إنتفضت لوحدها، وقبلهما صفرو وسيدي إفني …

أما الأوضاع الجيو إقليمية والدولية فتزيد الطينة بلة، وتزيد الاوضاع إندحارا في الوحل، ولا أحد يدفع ضريبة هذا الإندحار غير المهمشين والمقصيين من عامة الشعب، فحاجة القوى العظمى للأنظمة الدكتاتورية بالعالم العربي، للمشاركة بالحرب على الإرهاب، وصد حملات المهاجرين، والإستمرار في نهب ثروات المنطقة، يسمح لهذه الاخيرة بأن تستمر في التسلط وتزيد من فقر وقهر محكوميها، حتى تديم عروشها، ولو إستوعبت هذه الأنظمة دروس التاريخ لعلمت أن دوام العروش في هناء حياة الشعوب، فالشعوب أبقى من العروش.

أستاذة هند، المغرب عرف مؤخرا عدة إعتقالات شملت المحتجين والصحفيين، فهل ستساهم هذه الأحداث في إنتزاع المزيد من المكتسبات أم في المزيد من الإنتكاسات؟

هذه الإعتقالات والإحتجاجات في حد ذاتها إنتكاسات، وهذه الأخيرة ستقود على المدى الطويل إلى مكاسب، لكن قراءتها في اللحظة الراهنة، هي تعرية للسياسة العامة المسيطرة في المغرب والمتمثلة في سياسة العنف والعقاب.

ولا ينبغي أن ننسى أول قرار إعتمد بعد اندلاع إنتفاضات العالم العربي، وبعد دسترة “التغييرات” في دستور 2011، كان قرار حماية وحصانة العسكريين، وبالنسبة لي أقرأ أمر صدور أول قانون في ظل الدستور الجديد ينص على حماية العسكريين، كإشارة قوية موجهة للمحتجين وللمغاربة عامة مفادها “إنتبهوا يمكننا أن نطلق الرصاص الحي في أي لحظة وبحصانة تامة”.

هذا بالإضافة إلى أن كمية الإعتقالات والإحتجاجات التصاعدية منذ مطلع سنة 2000، التي تأشر على الأزمة العميقة داخل المجتمع، وأنه لا يوجد حل سياسي جدي لهذه الأزمات، إذ لا توجد أصلا رغبة في وجود حل، فالحكومات والسياسيون مؤجورون لدى الإدارة المخزنية وهم يعلمون ذلك جيدا، أما الشعب وأزماته فلا تصنف ضمن معادلاتهم الحسابية المتعلقة بالكراسي الحكومية والبرلمانية والإستشارية…إلخ

والحقيقة أن هذه الأوضاع الموسومة بالإعتقالات والإحتجاجات، تسقط أقنعة عدم إستقلالية القضاء وعدم عدالة المنظومة القانونية، فما القضاء والقانون في المغرب سوى وجهان لعملة العقاب.

اَخر سؤال أستاذة، هل تظنين أن كيفية معالجة الحكومة لبعض الملفات من قبيل ملف مقاطعة المغاربة لمنتوجات إستهلاكية، وموضوع الساعة الإضافية … تزيد من حدة الإحتقان الإجتماعي؟

لا أعتقد أن مهمة الحكومات المغربية، الإهتمام بقضايا وملفات المغاربة، فوظيفتها الأولى والأخيرة تنفيذ الأوامر، فالحكومة مجرد أجير لدى البلاط، تأمر فتنفذ، وهي الواجهة السياسية التي تتلقى غضب وسخط وتهكم الشارع.

وللجواب عن هذا السؤال أفضل أن أقول النظام السياسي الحاكم بدلا من “الحكومات”، لذا لا أظن أن النظام السياسي المغربي يتعامل بروية مع ملفات المطالب الإجتماعية بما فيها مسألة المقاطعة إلى آخره… فالرد دائما ما يكون إما بالقمع أو بالإهمال، لكن الشيء الأكيد أنه بعد حملات المقاطعة والضغط عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وتواتر الإحتجاجات، أعتقد أن النظام السياسي اليوم لم يعد يستهين بمختلف الحراكات المطلبية لأنها باتت تقلقه، لذلك صار النظام السياسي هو أيضا يضاعف جرعات العنف الرمزي واللارمزي.

فالأمور إلى الأن تحل فقط بمنطق دوام النظام ومصالحه مع شركائه الأجانب وخدامه المحليين، وهنا أذكر قصيدة أحمد مطر “لمن نشكو ماَسينا؟” والتي يقول فيها في مقطع جد رائع:

“لمن نشكوا مآسينا ؟

ومن يُصغي لشكوانا ويُجدينا ؟

أنشكو موتنا ذلاً لوالينا ؟

وهل موتٌ سيحيينا ؟!

ومنفيون …… نمشي في أراضينا

ونحملُ نعشنا قسرًا … بأيدينا

ونُعربُ عن تعازينا …… لنا .. فينا !!!

إلى أخر القصيدة

وأعتقد أن أحمد مطر، أجمل الوضع بذكاء وبفنية شعرية أيضا، فالمجتمع المغربي اليوم تحت وطأة كل أزماته السياسية والإجتماعية والإقتصادية والإنسانية، بات يعيش أزمة إنسانية وأخلاقية فلم تعد له لا دنيا ولا دين، فحتى وإن كان الدين فإما تعصب أو تجارة، وإن كانت الدنيا فإما فساد أو جريمة، فالناس باتت تنتحر في شهر رمضان، وهو مؤشر قوي لم تهتم له لا الحكومة ولا السياسيين ولا الإعلام المرئي أو المسموع، فلا يوجد أدنى إهتمام لمثل هذه الظواهر إنها مؤشرات خطيرة، تبين إلى أي حد بات المجتمع مريضا، بئيسا، يعاني، ولكنه لا يستطيع أن ينفجر في وجه من تسبب له في هذه الأوضاع، فكل ما يقوم به هو أن ينفجر في نفسه، إما عن طريق الإنتحار أو عن طريق لحريك، أو الفساد.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

5 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
SAMIR
المعلق(ة)
27 نوفمبر 2019 14:03

تحية للدكتورة وشكرا على عمق التحليل….

الكاشف
المعلق(ة)
6 نوفمبر 2018 00:43

ما هذا الغياب يا دكتورة عروب هذه قرابة سنة مرت على اللقاء الذي أقيم بمدينة تزنيت والذي حاضرت فيه في موضوع جيد كما حوار هذا الأسبوع يعد أحسن تحليل للأوضاع التي يعيشها الشعب المغربي في هذه العشرية الأخيرة

ayoub
المعلق(ة)
5 نوفمبر 2018 21:09

thanks you

aziz
المعلق(ة)
5 نوفمبر 2018 00:01

تحليل رائع و منهية في طرح الاسئلة لا تقل روعة

Samir
المعلق(ة)
4 نوفمبر 2018 22:28

ما اروع تحليل الدكتورة عروب …وضعت قلمها على الجرح …

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

5
0
أضف تعليقكx
()
x