لماذا وإلى أين ؟

الدغرني: مسيرة “أكال” تجاوزت الأحزاب المخزنية التي تستفيد من نزع الأراضي وتوزع الثروات فيما بينها

مرت مسيرة التنظيمات المدنية المنضوية تحت لواء الحركة الأمازيغية، في شوارع الدار البيضاء بشعارات مختلفة وقوية، مُخلِّفة وراءَها أسئلة وإشكالات حارقة في أذهان عدد من مُتتبعي الشأن الحقوقي والسياسي ببلادنا، خصوصا فيما يتعلق بالمسيرة التي سميت أكال/الأرض؛ من جهة، و في ما يخص الحركة الأمازيغية ومستقبلها؛ من جهة أخرى.

ومن موقعنا كصحافة لا تقتصر على نشر الخبر فقط، بل تتجاوز ذلك إلى مناقشة ما وراءه وتحليل خلفياته، أملاً في إشباع فضول القارئ وإرواء عطشه إلى المعرفة، وإسهاما منا في رسم صورة قريبة إلى الحقيقة أمامه، من خلالها يستطيع المتتبع الحكم على جوهر القضايا، يستضيف الموقع الإخباري “آشكاين”، أحد أهم مكونات الحركة الأمازيغية بالمغرب وأحد الداعين والمشاركين في مسيرة “اكال”، رئيس الحزب الأمازيغي الديموقراطي المحظور؛ أحمد الدغرني.

بداية، مرحبا بك أستاذ أحمد الدغرني، وشكرا لك على قبول دعوة “آشكاين” لإجراء هذا الحوار.

شكرًا لكم كذلك

قبل مسيرة “أكال”، مجموعة من الصحف والمواقع الإلكترونية إتهمتكم بالقرب من تيار بإسرائيل يشجع الإنفصال في العالم، هل بالفعل أمازيغ المغرب يهدفون إلى بناء دولة (أمازيغية) داخل دولة (المغرب) ؟

ليس لنا علم بوجود هذا التيار، والذين يتحدثون عنه غير معروفين، ولا يهموننا، لأنه ليس لدينا مشروع إنفصال، ونسأل عمن سننفصل؟ كل البلاد وطن لنا، ووزعته فرنسا على دول منحتها الإستقلال الشكلي، ونحن ورثة الموحدين والمرابطين والمرينيين، والسعديين، وقبلهم رؤساؤنا مثل شيشونغ، وأكسيل، ودهيا، ومسينسا، وتينهينان، ويوبا… وغيرهم.

وطننا الأصلي مُوزع الآن بين دول تتناحر على الحدود التي رسمها الإستعمار، ونحن وحدويون، نطلب منكم أن تقرأوا خرائط شمال افريقيا إلى حدود 1912، لتجدوا أن الوطن واسع أكثر، ووزعه المتفاوضون الخونة مع فرنسا وصنعوا منه دولا توهم الأجيال بأنها وحدوية، وهي دول إنفصالية.

نحن شعب واحد ودولة الأمازيغ هي أوسع من المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس ومالي والنيجر وبوركينافاسو وجزر كناريا، ولذلك يجب أن تبنوا معلوماتكم عنا على ما قبل سنة 1912، وقبل نشوء دولة إسرائيل، وتعرفوا أننا لانقبل تقسيمات فرنسا وإسبانيا لبلادنا، ومفهومنا للإستقلال لاينبني على الإستقلال عن فرنسا وإسبانيا، بل ينبني على دولة تامازغا، وهي وطن الأمازيغ.

مُلفت للنظر؛ دعم تجار البيضاء لمسيرة “أكال”، وذلك من خلال إقفال المحلات التجارية والإنضمام إلى المسيرة، هل يعني ذلك سعي الحركة الأمازيغية إلى التوسع في صفوف هذه الفئات ؟

تجار الدار البيضاء اليوم هم جيل جديد، يتوفر على معرفة علمية، وتكنولوجيا وثروات، ولابد أن هذا أفرز نخبا سياسية، تتجاوز سياسة الأحزاب التقليدية المخزنية، ورجعت إلى أصولها التاريخية، ووضعت لنفسها أهدافا ثقافية وسياسية، أساسها المادي هو “أكال” أي الأرض، التي تحتوي على المعادن والمياه والأشجار، ورأوا بأعينهم الفوسفاط والذهب والفضة؛ ومختلف المعادن النفيسة تهرب عبر ميناء الدار البيضاء، والجرف الأصفر وأسفي وأكادير وغيرها.

كما رأوْا أثرياء الخليج العربي يحتلون الغابات وأنحاء البلد ويصنعون المحميات، ورأوا حكام البلد يجمعون بين السياسة والمال، ويحتلون الأراضي، وينزعون ملكيتها من الشعب، ورأوا أبناءهم وبناتهم يموتون في عرض البحار؛ هروبا من الفقر والظلم، ولذلك خرجوا يوم 25 نونبر2018 للإحتجاج السلمي لإنقاذ شعبهم، وهم أمازيغ يتوسعون لصالح مجتمعهم، وهم الذين سيبنون المستقبل الديموقراطي لبلدهم، ولذلك بدأوا لأول مرة في تاريخ الدار البيضاء بغلق متاجرهم كبداية، ويطلبون ممن يفهم أن يراجع نفسه مراجعة عميقة قبل فوات الأوان.

شهدت المسيرة مشاركة قوية من طرف المرأة الأمازيغية بأزياء أمازيغية تقليدية، عما يعبر ذلك (لباس تقليدي في مسيرة إحتجاجية) ؟

الأزياء ظاهرة حضارية تجيب الذين يتنكرون للحضارة الأمازيغية، فاللباس يعبر عن مساهمة المرأة وحفاظها على لغة الأم، ويعبر عن الجمال وفنون صناعة الألوان، ويعبر عن حرية المرأة ودورها المتميز عندنا، وقداسة الأمازيغية طابع ومميزات المجتمع المتحضر، وبرهنت على قدرتها على الحكم، وتحيي ذكريات الملكة، دهيا والملكة تينهنان وكنزة الأوربية التي سيرت إمارة الأدارسة.

مسيرة “أكال” كانت بالآلاف، هل تسعى الحركة الأمازيغية إلى تأطير هؤلاء المواطنين للإستحقاقات المقبلة ؟

ما يستعد له الناس ليس هو الإنتخابات، بل تحرير الأرض التي أغرقتها الحكومات والبرلمانات المزيفة، والسماح للشعب بتنظيم صفوفه بحرية، وتسفيه الأحزاب المصطنعة، وإعادة الحقوق المنتزعة حول الأراضيإلى أصحابها، أما الإنتخابات وتجاربها فهي خارج نطاق المسيرة التي نعنيها هنا؛ لأن الأحزاب الإنتخابية لم تنظمها ولم تشارك فيها سوى من تمرد عليها من المنتمين إليها، والتأطير ضروري ولكنه تأطير جديد خارج اللعب الإنتخابية.

(مقاطعا) على ذكر الأحزاب السياسية، المسيرة عرفت مشاركة حزب سياسي واحد، كيف تقرؤون عدم تفاعل الأحزاب السياسية مع هذه المبادرة ؟

ببساطة لم ينظموها، ومطالبها تتجاوزهم، وأقواهم يستفيدون من نزع الأراضي وتوزيع الثروات فيما بينهم، فمسيرة أكال كانت من تنظيم الأمازيغ وهم مكون داخلي في البلاد، وأغلب الأحزاب السياسية في المغرب لم تعد قادرة على تعبئة الجماهير للخروج إلى الشوارع، بل ليس لهم من يتطوع للخروج سوى من أجل قضايا خارجية؛ وخاصة الشرق الأوسط، وباختصار فقد أصابهم قلق وعزلة من الخروج ضد سياستهم في الريف والصحراء والدار البيضاء.

 هل يمكن اعتبار المسيرة رسالة لجهات سياسية معينة؛ بأن الحركة الأمازيغية بالمغرب لا تزال قوية وذات إمتداد شعبي؟

المسيرة نظمت بعد يأس الناس من إنتزاع الأراضي، وتسليط التهجير على ملاك الأراضي، وليست مجرد إستعراض للقوة الأمازيغية، والرسالة موجهة إلى الشعب ليفهم كيف يفرض نفسه بوسائل سلمية، بعد ظهور من يفكر في مواجهة المشاكل بالإنتحار والإرهاب والفوضى، وليس عيبا أن يكون الأمازيغ بديلا سياسيا؛ لفشل المقاربة القمعية المتطرفة التي استعملت في الريف وغيره، ويكونوا بديلا للحركة الوطنية القديمة التي فشلت في معالجة الأزمة الحالية التي يفر فيها الناس إلى أوروبا، والتي كان الوطنيون القدامى يتبجحون بطردها.

فمسيرات الأمازيغ هذه، تعبر عن نهاية توافق المخزن مع فرنسا وحزب الإستقلال سنة 1944، والآن لابد من توافق جديد مع الأمازيغ الذين لم يبرموا أي تعاقد مع المخزن وفرنسا وإسبانيا، ويطلب أبناؤهم وبناتهم حرية التنقل إلى البلدان الخارجية، ويعيدون النظر في العلاقة مع العروبة والإسلام.

 بعد المسيرة، هل يمكن أن تُغير الحركة الأمازيغية مطالبها من الثقافية إلى المطالب الإقتصادية والسياسية؟

الأمازيغ رسموا برامج سياسية منذ سنة 2000، منذ تأسيس التنظيمات الطلابية الأمازيغية بالجامعات والمعاهد، والمسيرة هي نتاج وعي الشباب الأمازيغي بالداخل والخارج، ونتيجة توسع التنظيمات الجمعوية إلى كنفدراليات ومنظمات إقليمية ودولية، والمسيرة هي خروج لتنفيذ البرامج المسطرة حول الأرض والثروات المعدنية، والدعوة إلى مشاركة الشعب كله في الإصلاح.

لم نخرج لمجرد التحول من الثقافي إلى السياسي، بل خرجنا بعد تقديم تضحيات وتجارب ميدانية، فليست هذه هي المسيرة الأولى في تاريخنا؛ بل هي تعتبر فقط تكملة لما سبقها، وتمت بفضل التجربة التنظيمية التي يتوفر عليها النساء والرجال الذين نظموها؛ وسينظمون بنجاح أكثر منها، لاتنسوا أن وراء المسيرة أبطال خرجوا من السجون، ولجان تنظيمية تدربت على تسيير الجماهير، وهم يعوضون زعماء الشعب الذين ماتوا وجاء من بعدهم إنتهازيون.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
الصدراوي امبارك
المعلق(ة)
1 ديسمبر 2018 20:20

كم من اراضي نزعت من اهلها بالقوة من اشخاص لهم نفود منهم من خلفهم الاستعمار وراءه ليمثلونه بعد خروجه كانوا ضد اباءنا المخلصين للوطن الام الذين حاربوا الاستعمار ولكن تفاجءنا عندما استقل المغرب وجدنا ابناء قواد الاستعمار هم من اسولوا على اراضي الوطنيين الاحرار زوروا ولماس سترون كم من الهكتارات سلبها خدام الاستعمار من ذويها والى يومنا هذا لم ترجع تلك الاراضي الى اهلها الحقيقيين .اتمنى البحث في هذا الشان حتى يعطى الحق لمن يستحقه .

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x