لماذا وإلى أين ؟

تجديد المؤتمرات الحزبية الثقة في نفس الزعامات.. إرادة داخلية أم أزمة نخب؟

لم تُنتج المؤتمرات الحزبية والوطنية المُنعقدة في الفترة الاخيرة أية مفاجئات تُذكر فيما يخص القيادات الجديدة التي انتخبتها، آخرها العدالة والتنمية، الذي سلك بدوره نفس الاتجاه بتزكية عبد الإله بنكيران أمينا عاما للمرة الرابعة في مجموع ولاياته على رأس الحزب.

تزكية المؤتمر الوطني للعدالة والتنمية عبد اللإله بنكيران، لينضاف لزعماء آخرين عمروا في الحقل السياسي لسنوات طوال كما هو حال حزب التقدم والاشتراكية مع نبيل بنعبد الله، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مع ادريس لشكر وقيادات أخرى منها حتى النقابية التي خلدت على رأس نقاباتها لعقود، يؤدي لشيخوخة منطق اشتغال الحقل السياسي المغربي، فقيادات الأمس والتي تكونت في مغرب السبعينات والثمانينات وأوائل التسعينات، ستُسير أحزابها وفق المنطق الذي تكونت عليه في الغالب، ولن تُساير روح العصر الحالي، الذي يحتاج بالضرورة جيل العصر بأعطابه وأخطائه وتجاربه.

ظاهرة تجديد الثقة في ذات الوجوه القيادية السياسية والنقابية، وإن كانت تتم بطريقة “ديمقراطية” على المستوى الشكلي عبر محطة المؤتمر الوطني باعتباره محطة تنظيمية انتخابية، فإنها تعكس في الواقع أزمة بنيوية عميقة يُعاني منها الحقل السياسي المغربي والمتمثلة في عجزه عن خلق أطر وكوادر ونخب جديدة، وتعكس في الجوهر غياب الديمقراطي الداخلية، حيث تلجأ القيادات لتغيير وتعديل النظام الداخلي التي وضعته هي ذاتها في وقت سابقا حتى يُتيح لها إمكانية إضافة ولاية جديدة.

لقد أصبح المشهد السياسي يُهيمن عليه مجموعة من التنظيمات تترأسها زعامات لمدة فاقت العقدين أو ربع قرن من الزمن، ما يؤدي بشكل أوتماتيكي إلى اختزال المؤسسة الحزبية أو النقابية في زعيمها “الأبدي”، وتتحول معه الصراعات الداخلية من صراعات صحية مرغوب بها مبنية على صراع الأفكار السياسية والمبادرات والبرامج، إلى صراعات شخصية مبنية على الظفر بأكبر عدد ممكن من الهيئات التقريرية والتنفيذية للحزب.

ظاهرة تجديد الثقة والتي يتم اللجوء إليها في الغالب للحفاظ على توازنات مصالح الجهات المتضاربة داخل نفس الهيئة، حيث يكون الزعيم الأبدي الوحيد الذي له القدرة على ضبطها والتوفيق بينها، ينتج عنها قتل أية إمكانية لبروز قيادات شابة جديدة وإظهار مدى قدرتها وكفاءتها، فحسم نتائج المؤتمرات الحزبية والنقابية سلفا لصالح الزعيم، وتقاسم باقي المقاعد بين التيارات المتصارعة، يؤدي لقتل حماسة الشباب الطموح وعودتهم للخلف ولعبهم دور المُتفرج، رغم ما قد يحملونه من أفكار ورؤى جديدة.

ولا تتوقف سلبيات تجديد الثقة في حدود الحزب السياسي وعلاقته بمحيطه ومتعاطفيه، بل يتعداه ليُصبح مؤثرا سلبيا على التطور الديمقراطي بالمغرب ككل، انطلاقا من الفكرة القائمة على استحالة وجود أي ديمقراطية أو تجربة سياسية ناجعة بالمغرب دون تحقيق الديمقراطية الحزبية الداخلية كما هي مُتعارف عليها، والتي تبتدئ أساسا من احترام مبدأ الولايتين كأقصى تقدير لكل زعيم، ومن فتح المجال للطاقات الشابة لتخطئ بدورها وتتعلم الدروس وتخوض تجاربها الخاصة بها، كما أخذها سابقوها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x