لماذا وإلى أين ؟

رفع السرية عن عملية “هاديس” يكشف تفاصيل مثيرة عن نفق المخدرات بين سبتة والفنيدق

تواصل قضية “نفق المخدرات” الرابط بين سبتة المحتلة والفنيدق الكشف عن معطيات مثيرة ومتشعبة بعد أن رفعت المحكمة الوطنية الإسبانية السرية عن ملف “عملية هاديس”، التي تُعد واحدة من أضخم التحقيقات الأمنية التي خاضتها وحدة الحرس المدني الإسباني في السنوات الأخيرة ضد شبكات التهريب الدولي للمخدرات. ومن بين أبرز المستجدات التي أماطت اللثام عنها الوثائق القضائية، وجود نفق سري يعبر تحت الحدود، تم تجهيزه بتقنيات متقدمة لنقل كميات كبيرة من الحشيش، بدعم من عناصر أمنية مغربية وإسبانية متورطة في القضية، وفق مصادر إعلامية إسبانية.

التحقيقات التي قادتها فرق من شُعَب مختلفة ضمن الحرس المدني، حسب المصادر ذاتها، منها شعبة الشؤون الداخلية، ووحدة الجرائم المنظمة (UCO)، ومركز تحليل الاستخبارات ضد المخدرات (CRAIN)، بتنسيق مع السلطات المغربية الأمنية والدرك الملكي والسلطات القضائية، كشفت أن النفق تم إنشاؤه بعد سنة 2022 في منطقة صناعية قريبة من معبر طرخال، ويصل مباشرة إلى الجانب المغربي بمنطقة واد الضاويات. وتم العثور عليه يوم 19 فبراير 2025 بعد عمليات مراقبة دقيقة استمرت لأشهر، واستُعملت خلالها تقنيات متقدمة كالرادار الأرضي وكاميرات تحت الأرض، بالإضافة إلى فرق الغوص والمختصين في الأنفاق. النفق، الذي أُخفي ببوابة حديدية وثقل من الحجارة والردم، يحتوي على إضاءة كهربائية وأنابيب للصرف، وكانت نهايته مسدودة بالإسمنت والخرسانة في آخر عملية تفتيش بتاريخ 5 مارس.

وأضافت المصادر، أن العملية التي أدت إلى هذا الاكتشاف بدأت فعليًا سنة 2023، عقب ضبط شحنة من الحشيش بلغت 1977 كيلوغرامًا بحوزة سائق شاحنة من سبتة المحتلة، ما دفع المحققين إلى تتبع خيوط شبكة اتضح لاحقًا أنها تضم مسؤولين أمنيين ومدنيين في مواقع حساسة. في يناير 2025، تم تنفيذ سلسلة من الاعتقالات شملت تسعة أشخاص، من بينهم نائب في برلمان سبتة المحتلة من أصول مغربية يدعى محمد علي دواس، الذي لم يتخلَّ بعد عن مقعده النيابي. هذا الأخير وُجهت إليه تُهم خطيرة تتعلق بتنسيق عمليات تمويل لشراء ولاءات حرس مدنيين مقابل تسهيل مرور المخدرات، وهي تهم ينفيها بشدة أمام المحكمة رغم الأدلة الصوتية والمالية التي تم جمعها ضده.

وأوضحت المعطيات المتوفرة نقلا عن مصادر أمنية، أن الشبكة كانت تستهدف السوق الأوروبية، وكانت تمرر شحناتها باستخدام شاحنات معدلة بدقة، مزودة بأرضيات مزدوجة لإخفاء الحشيش، وكان أعضاء من الحرس المدني يسهّلون عملية العبور في موانئ سبتة المحتلة والجزيرة الخضراء، بينما وفرت عناصر من الجمارك المغربية “نافذة عبور” شهرية واحدة، حسب ما كشفت عنه محادثات مسجلة. وقد جرى بالفعل تهريب ما يقارب طنين من الحشيش إلى إسبانيا قُبيل انطلاق الاعتقالات، وتم تفريغ الشحنة في مستودع ببلدة مالقة.

ومن المثير في القضية أيضًا، وفق ما كشفته المصادر، وجود ثلاثة عناصر من الحرس المدني اشتغلوا كعملاء سريين تحت هويات مزيفة داخل الشبكة، وساهموا في اختراق الاجتماعات، وتسجيل المحادثات، وجمع أدلة قادت لاحقًا إلى تفكيك جزء كبير من هذا التنظيم. وقد مكنت هذه الأدلة من ربط اسم النائب دواس باجتماع حاسم عُقد يوم 8 ديسمبر 2024، تم فيه الحديث عن مبلغ 10 آلاف يورو لشراء ولاء عناصر أمنية، نصفه يقدمه شقيقه، الموظف في السجون، والنصف الآخر منه شخصيًا.

وتُعد هذه القضية سابقة من حيث التورط المتزامن لعناصر أمنية في أجهزة مختلفة في شبكة منظمة بتلك الدرجة من التعقيد. التحقيقات التي لا تزال جارية تفرعت إلى شبكتين تعملان بشكل متوازٍ بين سبتة المحتلة والجنوب الإسباني، مع استمرار صدور مذكرات اعتقال جديدة. أما النفق، الذي ظل غير مكشوف لأشهر، فيعد بحسب المحققين مؤشرًا خطيرًا على انتقال شبكات التهريب إلى أساليب أكثر تطورًا تتطلب تنسيقًا إقليميًا، خصوصًا مع الصمت الرسمي الذي تلتزمه السلطات المغربية حتى الآن بشأن نتائج التحقيق.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x