لماذا وإلى أين ؟

“سبتة ومليلية.. تأملات في أفق السيادة المغربية الهادئة”

عبد العلي أشرنان*

تعد قضية سبتة ومليلية من الملفات المغربية التاريخية المؤجلة، بل هي سؤال سيادي حاضر بقوة في ضمير كل مغربي، وإن اختلفت زوايا تناوله وخلفيات النظر إليه. وقد كنت من الذين يرون أن الوقت حان لطرح هذا الملف بلغة جديدة، لا تصطدم بالواقع ولكنها لا تنفصل عن الحق. لغة تعتمد على الهدوء الاستراتيجي، وتستلهم من العقل المغربي الهادئ قدرة على الصبر الطويل والتخطيط الذكي.

من هذا المنطلق، جاء كتابي الأخير “الطريق نحو سبتة ومليلية والجزر المحتلة، رؤية استراتيجية” محاولةً شخصية مني للغوص في هذه القضية بأدوات تحليلية واستشرافية، تجمع بين التاريخ والسياسة، وبين القانون الدولي والتحولات الديموغرافية. ولم يكن الهدف من هذا العمل تقديم إجابات نهائية أو قطعية ، بل فتح نقاش مسؤول وهادئ يضع المسألة في سياقها المعاصر ويستشرف مآلاتها الممكنة.

سيناريوهات مستقبلية.. بين الممكن والضروري
في صلب العمل، قدمتُ مجموعة من السيناريوهات الممكنة لإدارة الملف، من دون الانزلاق إلى التهوّر أو الانتظار السلبي، من أبرزها:
أولا :في الوقت الراهن الاستمرار في الوضع القائم مع تحصينه دبلوماسيًا وتنمويًا، ريثما تتوفر شروط أكثر نضجًا للتفاوض؛
ثانيا: الدفع في اتجاه تفاوضي براغماتي لطرح وضع خاص للثغرين يضمن الحد الأدنى من السيادة المغربية الرمزية أو المشتركة؛
ثالثا:المسار التراكمي عبر خلق واقع ميداني جديد من خلال تعزيز الحضور الديموغرافي المغربي، والنفوذ الثقافي والديني، وتثبيت المصالح الاقتصادية؛
رابعا: استثمار التحولات الأوروبية الداخلية، لا سيما فيما يتعلق بالديمغرافيا والأمن والهجرة، كورقة ضغط ذكية لبناء خطاب ديبلوماسي وحقوقي متماسك.
خامسا: تأسيس مرصد وطني دائم للثغور المحتلة، يعمل على إعداد ملفات تقنية وبيانات وتحليلات ميدانية تُعزز الموقف المغربي على المدى المتوسطوالبعيد .

الرؤية المغربية بين الحق والصبر والتبصر
من وجهة نظري، فإن المغرب لا يفتقر إلى الحق، بل إلى ترجمة هذا الحق بلغة الواقع والسياسات العمومية. والاسترجاع قد لا يكون حدثًا مفاجئًا، بل عملية مركبة وطويلةوتراكمية، تتطلب نفسًا استراتيجيًا طويلا وعقلًا جماعيًا لا يخشى التأمل ولا يُفرّط في السيادة، صحيح أن العلاقات المغربية الإسبانية في أفضل حالاتها وينبغي تثمينها وزيادة زخمها مع وجود محطات دولية مشتركة تجمع البلدين وتشمل المونديال والمبادلات التجارية والتعاون الأمني والهجرة بل يجب الانتظار قليلا لنضوج الطرح مع أن الكتاب يطرح أقرب السيناريوهات وهي السيادة المشتركة بين البلدين التي قد تجد قبولا لدى بعض الأوساط السياسية الاسبانية .

إن المغرب اليوم مثل طائر الفنيق ينبعث من رماد الإرث الامبراطوري رغم العثرات والجوار الشرقي السيئ ويسعى بإصرار لتبوء مكانته كقوة إقليمية صاعدة في المنطقة إذ لا يمكن تمرير أي سياسة أو بضاعة إلا بموافقته ووجوده وهذا ما يجب الوعي به من طرف نخب المملكة السياسية والاقتصادية والعمل عليه تحت لواء المؤسسة الملكية الشريفة التي تحمل المشعل نحو مستقبل أفضل للمملكة وتقود المواطنين للرفاه من خلال مشاريع استراتيجية طموحة وفعالة كالمبادرة المغربية الأطلسية ومشروع أنبوب الغاز النجيري/ المغربي والتصنيع الوطني .

هذا المقال القصير ليس تلخيصًا للكتاب، بل دعوة لقراءته، والانخراط في نقاش نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى، في زمن تتغير فيه خرائط النفوذ بأدوات أقل صخبًا وأكثر ذكاء.

*كاتب وباحث، ومؤلف كتاب “الطريق نحو سبتة ومليلية والجزر المحتلة، رؤية استراتيجية “

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x