لماذا وإلى أين ؟

الجامعة المغربية.. صمود في وجه التحديات والاستهدافات

بقلم: د. ياسين زغلول*

في خضم الجدل الذي أثارته قضية “بيع الشواهد الجامعية”، أجد نفسي، بصفتي رئيس جامعة مغربية، مدعوا للتأمل في هذا الأمر بعين المنطق والمسؤولية.

إن الجامعة المغربية، باعتبارها مؤسسة عريقة شاهدة على أجيال الباحثين وصانعي السياسات العمومية في بلادنا، كانت وما تزال منارة للعلم والمعرفة، وهي اليوم تواجه، بلا شك، تحديات لا يمكن إنكارها. لكنها في الوقت ذاته تظل صلبة في مواجهة محاولات التشويه أو الاستهداف.

إنني أسعى، من خلال هذا المقال، ليس إلى الدفاع عن الجامعة المغربية فقط، بل التأكيد على أن مثل هذه الحالات المثيرة للجدل، إن صحت بلسان القضاء باعتباره الفيصل، فهي في النهاية، تبقى استثناءات شاذة لا تعكس بأي حال من الأحوال جوهر هذه المؤسسة العريقة.

يجب التأكيد في البداية، أن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”. هذا المبدأ ليس مجرد شعار، بل هو ركيزة أساس تحمي العدالة وتحفظ كرامة الأفراد. فالقضية التي أثيرت مؤخرا لا تزال تحت التحقيق، ومن واجبنا جميعا أن نثق في القضاء المغربي ليأخذ مجراه، بعيداً عن التسرع في إصدار الأحكام أو التشهير.

لقد أثبت القضاء المغربي في مناسبات عدة نزاهته في التعامل مع قضايا مماثلة، حيث تمت تبرئة العديد من الأساتذة في جامعات مغربية مختلفة من تهم وجهت إليهم، بل وحكمت بتعويضات لصالحهم وبوجوب رد الاعتبار، مما يدعونا جميعاً إلى التحلي بالثقة في مؤسسات البلاد.

إن محاولات تشويه سمعة الجامعة المغربية، سواء من خلال قضية بيع الشواهد الجامعية أو غيرها مثل قضايا سابقة قد أثيرت كـ”الجنس مقابل النقط”، غالباً ما تأتي في سياقات قد تخدم أجندات معينة. فالجامعة المغربية، كمؤسسة وطنية، قد تتعرض أحياناً لاستهداف من جهات مختلفة، أو تُقحم في صراعات سياسية لا علاقة لها بجوهر رسالتها الأكاديمية. لكن يجب أن ندرك جميعاً أن الفساد، إن وجد، هو سلوك فردي يتعلق بأشخاص، وليس سمة تميز مؤسسة بأكملها.

إن الجامعة المغربية، رغم التحديات التي تواجهها، أهمها محدودية إمكانياتها، تظل رمزاً للتميز والإبداع. وبلغة الأرقام التي تعكس هذا التميز، نجد أنه في العام الجامعي الماضي فقط، تخرج من الجامعة المغربية 4334 دكتوراً، وتم تسجيل 45214 طالب باحث في سلك الدكتوراه، فيما أصدرت الجامعات المغربية 18447 منشوراً علمياً محكماً ومصنفاً في قاعدة Scopus.

كما سجلت، خلال الموسم ذاته، 171 براءة اختراع في حقول معرفية متنوعة، وشاركت الجامعة عبر باحثيها، في أكثر من 200 مشروع بحثي دولي في الموسم الحالي 2025-2024، بما في ذلك مشاريع رائدة في الذكاء الاصطناعي. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل شهادة على التزام الجامعة المغربية بتعزيز المعرفة والابتكار.

أماً على صعيد التصنيفات الدولية، فقد احتلت الجامعة المغربية مراكز متقدمة وبشكل متواصل، حيث دخلت جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء تصنيف شنغهاي لأفضل 1000 جامعة عالمياً في 2024، واحتل المغرب المركز 66 في المؤشر العالمي للابتكار للعام نفسه.

في السياق ذاته، حققت جامعة محمد الأول بوجدة إنجازا مميزا بوضعها في المركز الأول على المستوى الوطني والمرتبة 21 على صعيد القارة الإفريقية، في تصنيف حديث صادر عن “مؤشر نيتشر” المتعلق بإنتاج الأبحاث عالية الجودة. وعلى الصعيد العالمي، احتلت جامعة محمد الأول المرتبة 2117 من أصل قرابة 8400 مؤسسة تعليمية وجامعية شملها التصنيف.

أود أن أذكّر في هذا الإطار، أن هذه الإنجازات تحققت رغم الإمكانيات المحدودة للجامعة المغربية مقارنة بالدول المتقدمة، مما يبرز قدرة الجامعة المغربية على المنافسة عالمياً. ولا يمكننا أن ننسى أن مليون و41 ألف طالب يدرسون في جامعاتنا، بينهم 27100 طالب دولي، وأن خريجي الجامعة المغربية يتولون حاليا مناصب قيادية في دول أوروبية وأمريكية وغيرها، والعديد من الطلبة قد شرفوا جامعتهم المغربية بنيل العديد من الجوائز في أقوى المباريات والمنافسات الدولية والقارية.

في ختام هذا المقال، أوجه دعوة صادقة إلى المدونين، ووسائل الإعلام، وفعاليات المجتمع المدني، والمواطنين بشكل عام لدعم الجامعة المغربية وإبراز إنجازاتها، بدلاً من التركيز على حالات فردية قد تكون استثنائية. فلنعمل جميعاً على حماية هذه المؤسسة وتعزيز دورها كمحرك للتنمية والتقدم، بعيداً عن التشويه أو التعميم. الجامعة المغربية تستحق منا الثقة والدعم، لأنها صوت العقل ومشتل الحكمة والمعرفة وقاطرة التطور والتنمية في مجتمعنا.

*رئيس جامعة محمد الأول، وجدة

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
27 مايو 2025 13:27

هذه الخرجة من رئيس جامعة كان يمكن ان تكون لها قيمة خاصة لو لم تات متزامنة مع فضيحة ابن زهر التي تناقلتها وسائل إعلام دولية ولو لم ترافقها شهادات وتسريبات صوتية للضحايا والمتورطين، وكان احرى برىيس جامعة الى جانب دكره للانجازات التي سجلتها بعض الجامعات التي نفتخر بها، ان يدكر بعض السلبيات التي سجلت هنا وهناك ويدلي باقتراحات لتحاوزها في المستقبل لا ان يغطي الشمس بالغربال، ويشكك في هذه التجاوزات ويعتبرها من باب التشهير والمزايدات السياسية، فحادتة الجنس مقابل النقط التي دكرها واقعة حقيقة وتم اعتقال المتورطين فيها وليست مزايدة.

زکرياء
المعلق(ة)
27 مايو 2025 11:46

أتفق معك السيد الرئيس المحترم بدون شروط على ضرورة الحفاظ على الصورة النقية للجامعة المغربية عموما ،لكن هذا لا يمنعنا من التساؤل عن نقطة جوهرية وتتعلق باسناد بعض المناصب للتدريس في الجامعات هل المعايير المعتمدة كلها تراعي ( الصرامة) الأكاديمية ؟ ألا تتسرب اليها بعض معايير المحاباة وتبادل المنفعة؟

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x