لماذا وإلى أين ؟

رسائل خطية متزامنة لملوك ورؤساء دول عربية.. ما الذي تخطط له مصر؟

تشهد الدبلوماسية المصرية في الآونة الأخيرة نشاطاً لافتاً، يثير الكثير من التساؤلات حول الخلفيات والأهداف التي تقف وراءه. ففي غضون ثلاثة أيام فقط، أوفدت القاهرة رسائل رئاسية خطية إلى ثلاث عواصم هي نواكشوط، الرباط، والدوحة. هذا التحرك المنسق والمكثف لا يبدو أنه يأتي من باب المجاملة البروتوكولية، بل يعكس توجهاً استراتيجياً تحاول مصر من خلاله إعادة التموضع الإقليمي أو التحضير لمبادرة ما في الأفق القريب.

الثلاثاء الماضي، زار وزير الخارجية المصري العاصمة الموريتانية، حيث سلم نظيره الموريتاني رسالة خطية من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. لم تمضِ أربع وعشرون ساعة حتى حطّ الوزير المصري رحاله في الرباط، حاملاً رسالة مماثلة إلى الملك محمد السادس. وفي اليوم الثالث، تسلمت الدوحة رسالة ثالثة من السيسي، سلّمها السفير المصري هناك إلى الأمين العام لوزارة الخارجية القطرية، موجّهة إلى الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

حتى الآن، لم يُكشف عن فحوى هذه الرسائل، ما يترك الباب مفتوحاً أمام التأويلات. لكن المؤكد أن هذا التحرك ليس عرضياً، بل يعكس توجهاً سياسياً مدروساً. فالدول الثلاث التي استهدفتها الرسائل تمثل ثلاث زوايا استراتيجية في “الخارطة العربية”: موريتانيا منصة دبلوماسية مؤثرة في القضايا الساحلية والأمن الإقليمي، المغرب بثقله التاريخي والجيوسياسي في شمال إفريقيا، وقطر بثقلها الإعلامي والاقتصادي وتأثيرها المتزايد في ملفات حساسة.

في هذا الإطار، يرى هشام معتضد، الخبير في الشؤون السياسية والإستراتيجية، في تصريح خص به صحيفة “آشكاين” الإلكترونية، أن هذه التحركات تتجاوز حدود المجاملات الدبلوماسية، وتمثل “محاولة مدروسة لإعادة هندسة الاصطفافات الإقليمية”. ويوضح أن مصر تسعى من خلال هذه الرسائل إلى “العودة إلى طاولة اللاعبين الإقليميين الرئيسيين الذين يحددون مصير غزة، سواء عبر تهدئة، إدارة النزاع، أو حتى مناقشة مشاريع إعادة الإعمار وما بعدها”.

ويضيف معتضد أن القاهرة “تستخدم تكتيك الرسائل الخطية ليس فقط لبناء توافق عربي، بل لتهيئة مناخ إقليمي يحاكي تصوراً أمريكياً أوسع”، مؤكداً أن الضغوط الدولية، لا سيما الأمريكية، قد تدفع مصر إلى مناقشة سيناريوهات تتعلق باستضافة مؤقتة لسكان من غزة في سيناء، رغم رفضها العلني لهذه الفكرة.

يصف معتضد السياسة المصرية في هذا السياق بـ”الضغط الهادئ المنضبط”، قائلاً إن القاهرة “تحاول الاستفادة من استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية والانقسامات العربية لإعادة ترسيخ دورها كوسيط ضروري”، عبر أدوات ناعمة مثل الرسائل المباشرة، الزيارات الرمزية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية.

ويشير إلى أن “ازدواجية المواقف المصرية ليست بالضرورة تناقضاً سياسياً، بل تعبيراً عن نوع من البراغماتية المدروسة المرتبطة بحدود قدرة القاهرة على مقاومة الضغوط الدولية”، مضيفاً أن “مصر لا تتعامل مع الخطة الأمريكية كخيار محتوم، بل كورقة تفاوض في سياق أكثر تعقيداً”.

تشير المؤشرات إلى أن مصر لا تكتفي بإدارة أزمة غزة، بل تسعى، وفق معتضد، إلى اختبار استراتيجية إعادة التموضع الإقليمي والدولي، من خلال إعادة تدوير مكانتها كوسيط لا غنى عنه في المنطقة. هذا الدور يتطلب، كما يبدو، حشد دعم من عواصم ذات وزن إقليمي متنوع، وهو ما تفسره زيارة وزير الخارجية المصري المتزامنة إلى موريتانيا، المغرب وقطر.

لا تزال فحوى الرسائل الرئاسية غير معلن، لكن التوقيت الحساس لهذه الجولة الدبلوماسية والسياقات الإقليمية المتشابكة، تجعل من الصعب اعتبارها مجرد تحرك روتيني. إن كانت مصر تسعى فعلاً إلى تشكيل “جبهة مرنة” إزاء مقترحات دولية بشأن غزة، فإن الأيام المقبلة قد تكشف عن ملامح هذا التوجه، وعن مدى قدرته على التأثير في مسارات الصراع والتسوية في المنطقة.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x