لماذا وإلى أين ؟

من ميسي إلى المواهب: التحول الهادئ الذي قاد باريس سان جيرمان لكأس أوروبا

سعيد الغماز

  في مباراة نهائية، غاب فيها الخصم، وحضر نادي باريس بقوة، فاز هذا الأخير بأول كأس أوروبية في تاريخه. لكني سوف لن أتحدث عن هذا الإنجاز الباريسي من منظور كروي، وإنما سأتحدث عنه من منظور الاستثمارات القطرية في النادي الرياضي الفرنسي.

النجاح في كرة القدم، لا يكون بشراء النجوم، بل بصناعة الأبطال. هكذا انتصر فريق باريس سان جيرمان بالتكوين والبناء، وليس بالنجوم والمشاهير. وهكذا نفهم فوز المشروع على الملايير، ونفهم فوز التكوين وفشل الملايير.

استعملت الإدارة الجديدة برئاسة القطري ناصر غانم الخليفي،قوتها المالية لجلب أكبر اللاعبين عالميا حتى أصبح الفريق يعج بالنجوم، وكأن الإدارة القطرية تريد شراء الألقاب بالمال. لكن النادي الباريسي لم يستطع بكل تلك النجوم الفوز بالكأس الأوروبية. ولم يتحقق له ذلك، إلا بعد تخلصه من تلك النجوم وتغيير استراتيجيته، من التدبير الجاهز (Le Prêt à porté)، إلى التدبير القائم على أساس البناء والتكوين لبنة بعد لبنة. 

منذ استحواذ شركة قطر للاستثمارات الرياضية على النادي الباريسي عام 2011، وحلم اللقب الأوروبي يراود الإدارة الجديدة للنادي. دفعت الشركة القطرية 70 مليون يورو لشراء النادي بعد أن ضخت 20 مليون يورو إضافية لتسوية ديونه.

نهجت الإدارة الجديدة برئاسة القطري ناصر الخليفي،استراتيجية استعمال الأموال الطائلة لشراء النجوم واستقدام أغلى المدربين. ربما اعتقادا منها أن هذه الاستراتيجية هي أقصر طريق لبلوغ العالمية، وجعْلِ النادي بالأموال القطرية ينافس أكبر الفرق العالمية من قبيل برشلونة وريال مدريد وليفيربول ومانشستر سيتي وغيرهم. وجعْلِه كذلك يفوز بالألقاب العالمية خارج بطولة وكأس فرنسا.

استثمرت قطر أكثر من 2،3 مليار يورو في صفقات انتقال لاعبين نجوم من قبيل ديفيد بيكهام ، زلاتان ابراهيموفيتش، نيمار، ليونيل ميسي، وكليان مبابي. كما أنها حرصت على جلب المدربين الأكثر أجرا في العالم. لكنها لم تستطع جعل النادي يبلغ العالمية منذ 2011 حتى 2025، أي أكثر من 14 سنة من الجهد والاستثمار وضخ الأموال الطائلة.

في 2023 غيرت إدارة النادي استراتيجيتها، تخلت عن النجوم العالميين، واستثمرت في التكوين والبناء من الأسفل، بقيادة مدرب مغمور الاسباني لويس إنريكي. شرع هذا الأخير بعد أن غادر الفريق كل النجوم العالميين، في بناء فريق شاب يعتمد على مواهب صاعدة وعلى اللعب الجماعي.

بعد سنتين فقط، وباستثمار أقل بكثير مما كان عليه الحال في السابق، استطاع النادي تحقيق ما عجز عنه خلال أكثر من 12 سنة. تشكيلة شابة ومواهب صاعدة متجانسة ومتكونة جيدا، استطاعت تحقيق ما عجزت عنه قبيلة من نجوم عالميين. 

فوز عريض في مباراة نهائي كأس أوروبا نتيجة 5 مقابل 0 ليس بالأمر الهين ولا الإنجاز السهل. وحتى مواهب النادي التي دفع بها المدرب في آخر أنفاس اللقاء بعد أن ضمن الفوز، من أجلكسب الخبرة، استطاعت تسجيل الهدف الخامس بعد دقائق فقط من دخولها الملعب. أكثر من هذا، في موسم واحد، استطاع الفريق بمواهب صاعدة، التتويج بأربعة ألقاب في موسم واحد: الدوري الفرنسي-كأس فرنسا-كأس الأبطال ودوري أبطال أوروبا. 

تبلغ قيمة النادي حاليا حسب بعض التقديرات حوالي 4،2 مليار يورو، مما يجعله سابع أغلى نادي لكرة القدم في العالم وفق تصنيف مجلة فوربس. لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار الحجم الكبير للاستثمارات، على رأسها 2،3 مليار يورو في صفقات جلب النجوم الكبار، تبقى مردودية الاستثمار ضعيفة. 

ولو نهجت الإدارة القطرية للنادي الاستراتيجية الحالية المعتمدة على البناء والتكوين، لما خسرت شركة قطر للاستثمارات الرياضية كل تلك المبالغ المالية، ولفاز النادي الباريسي بكأس أوروبا أكثر من مرة منذ 2011.

في هذه الفترة أي منذ دخول الاستثمار القطري لنادي باريس سان جرمان عام 2011، فاز بالكأس فريق ريال مدريد 06 مرات، برشلونة 02 مرات، تشيلسي 02 مرات، بايرن ميونيخ 02 مرات…هذه الفُرق فازت بالكأس الأوروبي أكثر من مرة، دون بلوغ الاستثمارات الكبرى التي ضختها قطر في النادي البارسي، ودون ضخ الأموال الطائلة لشراء النجوم العالميين.

الدرس المستفاد من تربع النادي الباريسي على عرش أوروبا في كرة القدم، هو أن الأموال الطائلة لا تجلب العالمية، ولا تحقق الانتصارات. هذه الأهداف الرياضية تتطلب الاستثمارات، هذا لا شك فيه، لكنها تتطلب كذلك البناء والتكوين.

هذا الدرس يجب أن تقف عنده الاستثمارات السعودية في المجال الرياضي. فالمملكة الخليجية، هي الأخرى نهجت استراتيجية ضخ الملايير من أجل جلب النجوم العالميين لبطولة المملكة العربية السعودية. لكن في كأس العالم 2022 في قطر، خرج المنتخب السعودي مبكرا من المنافسات العالمية. في حين بلغ المنتخب المغربي المربع الذهبي، رغم أن الفُرق المتنافسة في البطولةالوطنية، لم تجلب المشاهير كما فعلت المملكة العربية السعودية. لكن قوة الاستراتيجية المغربية في كرة القدم ليست الأموال وإنما البناء والتكوين وعلى رأسها أكاديمية محمد السادس.

ربما تكون المملكة العربية السعودية استفادت من الملايير التي صرفتها لاستقدام النجوم العالميين للعب في الفرق السعودية، في الترويج للبلاد عالميا. لكن عندما نرى أن فيلما اسمه “حياة الماعز” بإمكانيات جد متواضعة، استطاع خلق جدل، لم تقدر على مواجهته الاستثمارات الكبيرة على النجوم، نفهم أن الترويج وتعزيز مكانة البلاد عالميا، لا يحتاج للملايير بقدر ما يحتاج للبناء لبنة لبنة، وللتكوين مرحلة وراء مرحلة.

هذا هو الدرس المستفاد من فوز النادي الباريسي بكأس أوروبا، الذي لم يتحقق في عهد النجوم العالميين وصرف الملايير. لكنه تحقق في عهد الحكامة الجيدة القائمة على أساس البناء والتكوين.

*كاتب وباحث

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبه.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x