لماذا وإلى أين ؟

تفكيك المقاصة: رهان على التوازن الاقتصادي يهدد التوازن الاجتماعي (دراسة)

قاربت دراسة حديثة الأثار الاقتصادية والاجتماعية للمشروع الحكومي القاضي بتفكيك صندوق المقاصة المخصص لدعم المواد الأولية، وتوجيه عائداته نحو سياسات اجتماعية.

وأشارت الدراسة إلى أنه كان من المنتظر أن يسفر تحرير أسعار المحروقات، بحسب الخطاب الرسمي، عن تقلص كبير لفاتورة المقاصة، وحيث تم الرهان من خلال تحرير سعر الغاز على توجيه الموارد الموفرة (حوالي 1.2 مليار دولار سنويا) لتقليص العجز في الميزانية العامة من 4% في 2024 إلى 3% في 2026، غير أنه في ظل اضطراب المؤشرات الماكرو-اقتصادية، تراجع عجز الموازنة بالكاد من %4.5 من الناتج المحلي الإجمالي في 2015 إلى 4.3% في 2023 فقط.

وأضافت الورقة البحثية أن تحرير المواد، التي كانت تلتهم قسطا وافرا من الإنفاق العمومي، لم يخفف من المديونية التي أصبحت تشكل %69 من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 بعدما كانت تراوح %58 في 2014.

وفيما يخص التأثير المباشر لهذه السياسات على المستوى المعيشي للمواطن المنتمي للطبقات الفقيرة، ترى الدراسة أن  المعضلة تبرز بشكل أوضح في ظل تضرر الأسر الهشة والمقاولات الصغرى ومتوسطة الحجم من رفع الدعم، إذ لم توجَه عائدات تصفية “المقاصة” بالقدر الكافي لتعزيز ولوج الفئات الأكثر احتياجا إلى شبكات الأمان الاجتماعي، كما ا يزال تعميم الحماية الاجتماعية متعثرا في ظل حرمان عشرات آلاف الأسر من الحق في التغطية الصحية بحكم تصنيفها خارج عتبة الاستحقاق من قِبل خوارزميات الاستهداف، لتي تنتصر للحسابات الميزانياتية على حساب الاعتبارات الحقوقية.

وحول الدعم المالي المباشر للأسر الأكثر فقرا في المجتمع والذي يتراوح بين 500 و1000 درهم شهريا، استنتجت الدراسة أن تحسين القدرة الشرائية نتيجة هذا الإجراء لا يزال مشكوكا في أمره أمام ضآلة المبالغ الممنوحة التي سرعان ما تلتهمها موجات التضخم وارتفاع الأسعار وتثبيت الأجور، بالإضافة إلى غموض معايير تحديد المستهدفين وما ينجُم عن ذلك من استبعاد أعداد كبيرة من الأسر الفقيرة، وفق ما استنتجته.

وفي هذا السياق خلصت الورقة البحثية إلى أن لتداعي التدريجي لصندوق المقاصة يُنذر لإخلال بتوازنات النسيج الاجتماعي حيث لا يبدو أن استبدال الدعم المالي المُعمَّم بالدعم النقدي المُستهدَف سيُسهم في تحسين فعالية سياسات إعادة التوزيع، وإنما من شأنه تعميق كثر من هشاشة إعادة توزيع المداخيل والفجوات الاجتماعية.

وحول موقع الطبقات المتوسطة من السياسات الاجتماعية المتعلقة بتفكيك “المقاصة”، اعتبرت الوثيقة أن وضعها وضعها السوسيو-اقتصادي هو آخذ في التدهور بحكم تضررها المزدوَج، فهي أصبحت مُرغمة على شراء السلع الأساسية بثمن السوق دون أن يكون لها إمكانية الاستفادة من أي دعم، ما قد يؤدي إلى تدحرجها نحو عتبة الفقر، من جهة أخرى، فهي تفتقر للبديل الناجع والقادر على التعويض عن ذلك في تأمين حد أدنى من الضمان الاجتماعي، كما صارت ملزَمة بالمساهمة في تمويل البرامج الاجتماعية الجديدة.

وانتهت الدراسة بالقول “شير نتائج تحرير أسعار الموارد الطاقية عن فشل مزدوَج؛ فلا هي مكَّنت من ضبط التوازنات الماكرو-اقتصادية اللازمة لِتعافي المالية العامة، ولا هي حفِظت توازنات النسيج الاجتماعي وحدّت من اللامساواة. وهي تأثيرات مُقبِلة على التفاقم في ضوء تجربة بعض الدول التي ارتضت الدعم النقدي المستهدَف بديلا عن الدعم المُعمَّم الذي تُثبت التجارب المقارنة أنه يفيد الفقراء أكثر من غيرهم”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x