لماذا وإلى أين ؟

تطور بنية المندوبية السامية للتخطيط وأهم اختصاصاتها

خالد صديق*

مقدمة:

أصبح الفاعلون الأساسيون في صناعة السياسات العمومية في حاجة كبيرة للبيانات الإحصائية لاتخاذ قراراتهم سواء في مرحلة التشخيص أو التتبع أو التقويم، حيث تقدم الإحصاءات الرسمية صورة واضحة عن مواطن القوة والخلل في تنفيذ المشاريع والمخططات العمومية، وتمثل النتائج الوطنية للإحصاء الأرضية الصلبة لتطوير الاستراتيجيات الوطنية والبرامج التنموية لتنمية القدرات وحشد الدعم والموارد لتنفيذ السياسات العمومية؛ إن على المستوى الوطني أو المحلي. ولا يقتصر استعمال البيانات الإحصائية على الفاعلين السياسيين، بل تشمل كذلك الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين،إلى جانب أنها تستخدم من طرف المواطنين والمجتمع المدني والأحزاب السياسية وكذا مختلف الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام.

للإشارة، تمثل المندوبية السامية للتخطيط اليوم النظام الإحصائي المغربي، وتساهم باستمرار في صناعة القرار، ووضع استراتيجيات وإعداد خطط للتنمية على المستوى الوطني والمحلي، بإنجازها للعديد من الدراسات والبحوث في المجال الاجتماعي والاقتصادي، حيث تخلق أرقامها مناقشات عامة تصل عادة إلى البرلمان، حيث تتعدى المحافل العلمية والمنابر الإعلامية، إذ أنها تتبوأ الصدارة في الأروقة السياسية والإدارية والحكومية.

شهد شهر شتنبر من سنة 2024 إنجاز الإحصاء العام السابع للسكان والسكنى والذي حظيت نتائجه باهتمام الرأي العام، حيث يعتبر جلالة الملك محمد السادس الإحصاء “آلية منهجية لا غنى عنها لتقييم السياسات العمومية وما تقتضيه من مراجعة عند الاقتضاء. بل إن ما يضطلع به الإحصاء اليوم من مهام يجعل منه خدمة عمومية حقيقية اتخذت بحكم عولمة الاقتصاد والقيم أبعادا دولية”. وقد نجحت المندوبية السامية في إنجاز هذا الإحصاء حسب تقديرنا معتمدين على مؤشرين؛ الأول: استعمال التكنولوجيا الحديثة بدل استعمال المطبوعات الورقية، والثاني: اختيار وتكوين المرشحين عبر الاعتماد على منهجية رقمية متقدمة في تاريخ الإدارة المغربية.

في هذا الإطار، وجدت أول مصلحة للإحصائيات المركزية تابعة لوزارة الاقتصاد الوطني منذ سنة 1956، تم ترقيتها إلى مديرية، ثم وزارة أو وزارة منتدبة أو كتابة للدولة، إلى أن تم إحداث المندوبية السامية للتخطيط سنة 2003، ويعتبر النظام الإحصائي المغربي من أقدم التشريعات في المنطقة العربية، حيث واكب مختلف التغيرات التي عرفتها الساحة السياسية، وتطور الهيكل التنظيمي للجهاز الإحصائي منذ الاستقلال، لذلك، نتساءل عن بنية المندوبية السامية للتخطيط، هل هي وزارة؟ أم مؤسسة عمومية؟ أم مديرية تابعة لرئيس الحكومة؟ أم هيئة دستورية؟

أما من ناحية الاختصاصات فلم يطرأ عليها تغيير كبير، فقد كانت ولازالت مكلفة بجمع المعلومات الإحصائية وتحليلها ونشرها. فكيف تطورت بنية الجهاز الإحصائي المغربي من ناحية الشكل، وماهي اختصاصاته من ناحية المضمون.

تطور الجهاز الإحصائي المغربي

يتسم النظام الإحصائي المغربي بعمقه التاريخي، فهو ليس وليد 2003، بل عرف تطورا بنيويا مس هيكلة القطاع المكلف بالإحصاء والتخطيط قبل إحداث المندوبية السامية للتخطيط. لذلك، نتناول كرونولوجيا التطور التنظيمي للإدارة الإحصائية.

بتفحص الترسانة القانونية، يتبين أنه منذ 1956، وجدت مصلحة مكلفة بالإحصاء؛ سميت بمصلحة الإحصائيات المركزية تابعة لوزارة الاقتصاد الوطني، ويعود أول قانون للإحصاء إلى سنة 1959، وقد أنجز المغرب أول إحصاء عام للسكان والسكنى سنة 1960، وفي سنة 1961 تم خلق المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي (INSEA).

في مطلع السبعينيات، بمناسبة تعيين حكومة أحمد عصمان، واعتماد أول نظام قانوني للجهات بموجب ظهير 16 يونيو 1971، والذي بمقتضاه أحدثت سبع جهات اقتصادية لدراسة مشاريع التنمية، حيث شكلت الجهة الاقتصادية إطارا جغرافيا للتخطيط وتهيئة التراب، تم خلق كتابة الدولة المكلفة بالتخطيط والتنمية الجهوية تحت رئاسة كاتب دولة، وقد أحدثت ضمن هيكلتها مديريتي الإحصاء والتخطيط والتي عهد إليهما بإجراء البحوث الإحصائية، الاقتصادية والاجتماعية وتحليلها ونشرها ووضع الحسابات الوطنية وتتبع الأحوال الاقتصادية، كما أنيط بها تكوين الأطر التقنية في ميادين التخطيط والإحصاء والإعلام والتوثيق، وتم إحداث مندوبيات جهوية للمساهمة في إعداد مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الجهوي.

في مطلع الثمانينات، تمت ترقية قطاع التخطيط من كتابة للدولة إلى وزارة وتسميتها بوزارة التخطيط وتكوين الأطر والتكوين المهني، وذلك مع حكومة محمد كريم العمراني تحت إشراف الوزير محمد الدويري.

لاحقا، تم تخويل قطاع التخطيط إلى الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالإسكان، وقد عهد إليها بمهام إنتاج المعلومة الإحصائية الرسمية. فبمقتضى المرسوم المحدد لاختصاصاتها، تم تكليفها بإجراء الدراسات اللازمة لمعرفة بنية وتطور السكان وحاجاتهم وجمع وتحليل ونشر المعلومات الإحصائية الاقتصادية والاجتماعية، والقيام بتنسيق النظام الوطني للمعلومات الإحصائية. لهذا الغرض، ألحقت بها مديرية الإحصاء، والتي تم تخويلها سكرتارية لجنة تنسيق الدراسات الإحصائية، والمساهمة باعتبارها عضوا في أعمال تنسيق الوسائل والمناهج الإحصائية والتوفيق بينهما.

فيما بعد، وبعد تعيين حكومة التناوب برئاسة المرحوم عبد الرحمان اليوسفي، تم إحداث وزارة مسؤولة عن الإحصاءات العمومية سميت بالوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول مكلفة بالتوقعات الاقتصادية والتخطيط (الوزير السيد عبد الحميد عواد)، والتي تمت ترقيتها إلى وزارة في النسخة الثانية من حكومة عبد الرحمان اليوسفي، والتي تم تكليفها بعدد من الاختصاصات منها ما هو مرتبط بوزارة المالية والاقتصاد ومنها ما هو مرتبط بالتخطيط والإحصاء. وقد ألحق إليها مديرية الإحصاء ومديرية التخطيط، والمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، إلى جانب مدرسة علوم الإعلام. وقد ظلت هاته الوزارة قائمة إلى غاية إحداث المندوبية السامية للتخطيط سنة 2003 في عهد حكومة إدريس جطو. 

الهيكل التنظيمي للمندوبية السامية للتخطيط ومدى استقلاليتها 

أولاالهيكل التنظيمي 

بعد التعيين الملكي للمندوب السامي، تم إصدار مرسوم يحدد اختصاصاته، نص في مادته الأولى على ما يلي: “تسير المندوبية السامية للتخطيط الموضوعة لدى الوزير الأول”، بمقتضى مرسوم 2002 المتعلق باختصاصات وتنظيم وزارة التوقعات الاقتصادية والتخطيط. وبذلك، تم تكليف المندوب السامي باختصاصاتها. إلا أن التسميات ظلت عالقة إلى غاية صدور مرسوم بتاريخ 5 أبريل 2012، تم بمقتضاه حلول عبارتي المندوبية السامية للتخطيط محل وزارة التوقعات الاقتصادية والتخطيط، والمندوب السامي محل الوزير الواردة في مرسوم 2002.

يتولى المندوب السامي السلطة على جميع الهياكل الإدارية المركزية واللاممركزة ويوقع على جميع الوثائق المتعلقة بها ويمكنه تفويض إمضائه بقرار إلى الموظفين التابعين للمندوبية السامية للتخطيط. 

في هذا الصدد، نلاحظ أن المندوبية السامية للتخطيط تستفيد من نفس هيكلة الوزارات فهي تتألف من ديوان ومفتشية عامة، وكتابة عامة تخضع لتنظيم الكتابات العامة بالوزارات، حيث تتكون من مديريات عامة ومديريات. وللمندوبية السامية إدارات لاممركزة تنتشر على الصعيد الوطني، إلا أن المندوب السامي للتخطيط، لا يحضر المجالس الحكومية ولا المجلس الوزاري ولا يتغير بتغير الحكومات.

ونلاحظ كذلك أنه لا يوقع على المراسيم كما هو الشأن بالنسبة للوزراء، ففي إطار الإحصاء العام للسكان والسكنى مثلا، تم التفويض للمندوب السامي من طرف رئيس الحكومة بمقتضى مرسوم بتحديد الشروط المطلوبة في المشاركين لتحضير ومراقبة واستغلال أعمال الإحصاء العام للسكان والسكنى. وللإشارة، فوزير الداخلية هو من يتكلف باقتراح المراسيم المتعلقة بالإحصاء العام في المجلس الحكومي، وتشترك وزارته في تدبير وتسيير عمليات الإحصاء سواء مركزيا أو عن طريق العمال والولاة حيث يتم تعيين متصرف إقليمي من طرف وزير الداخلية إلى جانب المشرف الإقليمي الذي يعينه المندوب السامي.

أما بخصوص الاختصاص المالي، فيعتبر المندوب السامي آمرا بالصرف، وللمندوبية السامية فصل خاص بالميزانية العامة للدولة، لذلك وبخصوص تقديم الميزانيات الفرعية أمام البرلمان، وحيث إن للمندوبية السامية فصل خاص بالميزانية العامة للدولة كما هو الحال بالنسبة للوزارات والمؤسسات الدستورية (مجلسي البرلمان، المجلس الأعلى للحسابات، المجلس الأعلى للسلطة القضائية، المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير…)، يقوم المندوب السامي للتخطيط بتقديم عرض أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب حول حصيلة المندوبية وآفاق عملها ومشروع ميزانيتها السنوية وذلك حسب ما تنص عليه المادة 224 من النظام الداخلي لمجلس النواب، إلا أنه قد أثيرت مؤخرا إشكالية حضور الوزير الممثل للحكومة أثناء المناقشة، حيث احتج عدد من البرلمانيين بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب على غياب وزير العدل أثناء مناقشة مشروع الميزانية الفرعية للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج. في مقابل ذلك، وكما تثبته التقارير البرلمانية برسم عدة سنوات تشريعية، يتولى المندوب السامي للتخطيط بنفسه تقديم الميزانية الفرعية للمندوبية السامية للتخطيط.

في هذا الصدد، وبمناسبة فحص المحكمة الدستورية للمادة 243 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين والتي نصت على ما يلي: “تناقش أمام اللجان الدائمة مشاريع الميزانيات الفرعية المتعلقة بالهيئات والمؤسسات الدستورية والمندوبيات السامية والوزارية التي تتوفر على فصل خاص بالميزانية العامة للدولة. تستهل الدراسة بإلقاء عرض تمهيدي من لدن رئيس المؤسسة أو المندوبية أو من ينوب عنهما”، صرحت في قرارها رقم 93.19، عدم دستورية استبعاد الحكومة من تقديم الميزانيات الفرعية للمؤسسات الدستورية والمندوبيات السامية. حيث وورد في أحد حيثيات هذا القرار: “(…) وحيث إن تقديم مشاريع أو مقترحات القوانين، يتم من قبل الجهات التي بادرت إليها، وفي الحالة، فإن السلطة الحكومية المكلفة بالمالية، هي التي تعرض مشروع قانون المالية السنوي في جلسة مشتركة لمجلسي البرلمان طبقا للفصل 68 من الدستور، وأن أعضاء الحكومة يقدمون أمام اللجان الدائمة لمجلسي البرلمان الميزانيات الفرعية للقطاعات الحكومية أو المؤسسات، إعمالا بما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 24 من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها.

لذلك، صرحت المحكمة الدستورية بأن تقديم رؤساء المؤسسات الدستورية والمندوبيات السامية والوزارية التي تتوفر على فصل خاص بالميزانية العامة للدولة، ميزانيتها الفرعية مخالف لأحكام القانون التنظيمي، وبالتالي غير مطابقة للدستور، وذلك من زاوية نظر إقرار المسؤولية الدستورية والقانونية والسياسية للحكومة في تقديم ومناقشة مشروع قانون المالية ومشاريع الميزانيات الفرعية المقترنة به، مع ترجيح ضرورة تعزيز صدقية النقاش البرلماني والتفاعل الحكومي.

وأعيد النظام الداخلي لمجلس المستشارين لمراقبة دستوريته، حيث تم إعادة صياغة هاته المادة والتي أصبحت تنص على ما يلي: “(…) أن أعضاء الحكومة يقدمون أمام اللجان الدائمة المختصة مشاريع الميزانيات الفرعية للمؤسسات والمندوبيات التي تتوفر على فصل خاص بالميزانية العامة للدولة”.

ثانيا: استقلالية النظام الإحصائي المغربي

تعتبر المندوبية السامية للتخطيط الحاضنة الأساسية للنظام الإحصائي الوطني، تم إحداثها بعد تعيين السيد أحمد الحليمي علمي مندوبا ساميا للتخطيط بمقتضى ظهير شريف ابتداء من 10 سبتمبر 2003، حيث ينص هذا الظهير في المادة الثانية منه على تخويل السيد المندوب السامي وضعية مماثلة لوزير في الحكومة وذلك فيما يخص المرتب والتعويضات والمنافع والديوان وموظفي المكتب، طبقا لأحكام الظهير الشريف رقم 1.74.331 الصادر في 11 من ربيع الآخر 1395 (23 أبريل 1975) بشأن حالة أعضاء الحكومة وتأليف دواوينهم. فهل هي وزارة تنتمي للحكومة؟

يبدو من أول وهلة أن الإجابة عن هذا السؤال بسيطة، خاصة باستعراض وضعية السيد المندوب السامي الذي له صفة وزير، إلا أن الملاحظة الدقيقة تبين أنها لا تعتبر وزارة، فالمندوب السامي غير مسؤول أمام البرلمان، وليس بعضو في المجلس الحكومي ولا المجلس الوزاري؛ إذ إنه لا يتغير بتغير الوزراء ولا الحكومات، فقد عاصر المندوب السامي السابق عدة حكومات منها: حكومة السيد إدريس جطو (2002-2007)، حكومة السيد عباس الفاسي (2007-2012)، حكومة السيد عبد الإله ابن كيران (2012-2017)، حكومة السيد سعد الدين العثماني (2017-2021)، والحكومة الحالية التي يترأسها السيد عزيز أخنوش.

من جانب آخر، فالمندوبية السامية للتخطيط ليست من هيئات الحكامة، لأنه لا الدستور الحالي ولا الدساتير السابقة لم تنص على إحداثها، فهي تنظم بمقتضى مراسيم شأنها شأن الوزارات، إذن فهي تابعة للسلطة التنفيذية ومن بين أجهزتها. بالإضافة إلى أنها لم تحدث بقانون، فهي إذن ليست مؤسسة عمومية، بل هي إدارة عمومية في مرتبة وزارة لكنها ليست عضوا في الحكومة، وغير مسؤولية سياسيا.

فهي إذن، تتمتع باستقلالية خاصة وبنظام استثنائي؛ جاء هذا النظام لتمتيعها بنظام قائم الذات، يخضع للمعايير العلمية والتقنية المعتمدة دوليا، هذا النظام الخاص يجعلها بعيدة عن انعكاسات الظرفيات السياسية وتقلباتها، والهدف من هذا النظام يؤكد جلالة الملك من خلال الرسالة الملكية التي وجهها جلالته للمشاركين في الندوة الدولية حول: “الإحصاء في خدمة التنمية”، الرباط، بتاريخ 20 أكتوبر 2010 أن: “ضمان شروط مصداقية الإحصاء في كل دراسة أو تحليل أو تقييم في جميع الميادين”، فالاستقلالية هي من أهم معايير هاته المؤسسات والتي توصي بها منظمة الأمم المتحدة.

في هذا الصدد، ينص دليل الأمم المتحدة للتنظيم الإحصائي على ما يلي: “لكي ﻳﺜـــﻖ الجمهور في الإﺣﺼـﺎﺀﺍﺕ ﺍﻟﺮسميـﺔ، ﻻﺑﺪ أن تكون لدى الوكالة الإحصائية مجموعة قيم ومبادئ أساسية (…)”، على رأسها الاستقلالية”؛ والتي تعني حسب هذا الدليل أن تكون هاته المؤسسة بحكم طبيعتها متميزة عن عناصر الحكومة التي تقوم بوضع وتنفيذ السياسيات العمومية، ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻧﺰﻳﻬﺔ ﻭﺃﻥ ﺗﺘﺤﺎﺷﻰ كلما ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻧﻪ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﻷﻏﺮﺍﺽ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻼﻋﺐ العمليات الخاصة لجمع ﻭﺘﺤﻠﻴﻞ ونشر ﺃﻭ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺗﺴﻠﻴﻢ ﺑﻴﺎﻧﺎﺕ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ المعلومات والبيانات الشخصية لأﻏﺮﺍﺽ ﺇﺩﺍﺭﻳﺔ ﺃﻭ قضائية أو سياسية.

يخول مبدأ الاستقلالية للمندوب السامي سلطة واسعة في إدارة المندوبية وكذا تقديم وعرض الإحصائيات ﺃﻣــــﺎﻡ الحكومة والمؤسسات ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ. وفي هذا الإطار، يؤكد جلالة الملك أن المغرب عرف نظامه المؤسسي لإنتاج المعلومة الإحصائية تقدما هاما بفضل الجهود الدؤوبة التي ما فتئت الدولة تبذلها في مجال تكوين وتأهيل مواردها البشرية وتطوير آلياته المؤسسية وضمان استقلاليته.

وبالتالي، فاستقلالية المندوبية السامية للتخطيط مستمدة من الإرادة الملكية المتجسدة في بعدين أساسين يتعلق الأول بقرار إنشائها والثاني بالدعم المتواصل لتعزيز صمود الموضوعية العلمية لمنتوجها أمام ملابسات الظرفية السياسية والحكومية. 

بعد دراسة السلطة التنظيمية للمندوب السامي للتخطيط، واختصاصه المالي، نتناول اختصاصات المندوبية السامية للتخطيط وبعدها التنموي.

اختصاصات المندوبية السامية للتخطيط

تتعد وظائف المندوبية السامية للتخطيط وفق الاختصاصات المخولة لها من طرف التشريع، ولهذه الغاية تقوم بإنجاز بحوث وطنية ذات طابع اقتصادي واجتماعي، منها ما هو دائم ومنها ما هو دوري. ويبقى أهم ورش للمندوبية هو الإحصاء العام للسكان والسكنى، بالإضافة إلى ذلك، يقوم أطر المندوبية السامية للتخطيط بإعداد الدراسات والأبحاث حول مختلف المواضيع التي تعنى بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية والسكانية والتي من شأنها توفير قاعدة معطيات دقيقة وذلك تنويرا للرؤى من أجل تهيء سياسات عمومية ناجعة لتحقيق التنمية المستدامة، وتقوم كذلك بإعداد منوغرافيات الجماعات والأقاليم والجهات والمراكز الحضرية. ومن جهة أخرى تقوم المندوبية السامية للتخطيط ومنذ الاستقلال بتكوين الأطر التقنية والإدارية المتخصصة في مجال الإحصاء والتخطيط والتوثيق.

أولا: الإحصاء العام للسكان والسكنى

يعد الإحصاء مناسبة لتجميع العديد من المعطيات الديموغرافية والسوسيواقتصادية على المستوى الوطني، وعلى باقي المستويات الترابية، ويتم تناول مواضيع أساسية تهم المجتمع في استمارة يتم ملؤها من طرف كافة الساكنة. وقد قام المغرب بإنجاز الإحصاء العام للسكان والسكنى منذ الاستقلال، فقد كان أول عملية للإحصاء سنة 1960، وبذلك راكمت المندوبية تجربة مهنية رائدة في هذا المجال. وتتمثل أهداف الإحصاء العام للسكان والسكنى في تلبية الاحتياجات الوطنية ذات الأولوية فيما يتعلق بالمعطيات الخاصة بالسكان والأسر والسكن، وإجراء مقارنات مع الإحصاءات السابقة وإبراز التغيرات الديمغرافية والسوسيو -اقتصادية للسكان، والقيام بمقارنة مختلف المؤشرات مع مؤشرات بلدان أخرى، وكذا تلبية طلبات مختلف المستعملين في الحصول على مؤشرات دقيقة للتنمية والاستثمار، وتتناسب مع متطلبات تقنية الإحصاء.

تم تأطير التشريع القانوني الخاص بالإحصاء العام للسكان والسكنى منذ الاستقلال، فقد قام المغرب بأول إحصاء سنة 1960 بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.59.395، وقد جرى هذا الإحصاء تحت إشراف وزيري الاقتصاد الوطني ووزير الداخلية، رسخ هذا الظهير لمبدأ كتمان السر المهني من طرف الباحث، كما تنص على ذلك مختلق المبادئ الإحصائية الأممية، وقضى بعدم استعمال المعلومات الشخصية لأجل متابعات قضائية أو جبائية. كما أقر عقوبات زجرية للممتنع عن إجراء الإحصاء أو المدلي بتصريحات مزيفة. 

وفي هذا الإطار، حدد مرسوم رقم 2.59.1872 تاريخ إجراء الإحصاء، في الفترة الزمنية بين 27 مارس إلى غاية 17 أبريل 1960، وقد جرى على المستوى الترابي بتنسيق السلطة المحلية. وقد تم تحديد الساعة الثانية عشرة ليلا مرجعا رسميا لإنجازه، وتم بموجب هذا المرسوم إحداث لجنة وطنية للإحصاء، ولجان إقليمية للإحصاء قصد تقديم المساعدة لوزير الاقتصاد الوطني ووزير الداخلية على تحضير الإحصاء وأجرأته، حيث أنيطت بها مهام توظيف المفوضين والمراقبين والأعوان الإحصائيين، والقيام بالدعاية للإحصاء، وإعداد الوسائل اللوجستيكية من وسائل النقل لإجراء الإحصاء.

وفي سنة 1967، تم بموجب مرسوم ملكي إحداث لجنة تنسيق الدراسات الإحصائية، نص على عرض وتقديم برنامج للأبحاث على الوزير الأول لأجل المصادقة سنويا، وبنشر كل مقرر في الجريدة الرسمية، وألزم المصالح العمومية بضرورة الحصول على تأشيرة المصلحة المركزية للإحصائيات، وصدر بتاريخ 9 جمادى الثانية 1388 (3 شتنبر 1968) مرسوم ملكي آخر يحدد بموجبه تأليف وتنظيم هاته اللجنة، حيث تم تفويض رئاستها للوزير الأول وتضم ضمن عضويتها ممثلين عن عدد من الوزراء،  بالإضافة لرئيس مصلحة التخطيط والدراسات الاقتصادية، ومدير المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، المدير العام للأمن الوطني، وممثلين للهيئات الاقتصادية، ويتولى كتابة اللجنة رئيس المصلحة المركزية للإحصائيات. 

تم تقسيم هاته اللجنة إلى أربع لجان فرعية هي: اللجنة الفرعية للدراسات الديموغرافية والاجتماعية، اللجنة الفرعية للإحصائيات الفلاحية، اللجنة الفرعية للإحصائيات الاقتصادية، اللجنة الفرعية للميكانوغرافية، وتؤهل هاته اللجن لتأسيس فرق للعمل.

في سنة 1971، صدر القانون 001.71 الذي يعد مرجعا قانونيا في تنظيم عمليات الإحصاء العام.

– مستجدات الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024

يعتبر سابع إحصاء تجريه المملكة، ويبقى أهم مستجد فيه تمديد تاريخ إجرائه في شهر بدل عشرين يوما، واعتماد الرقمنة على مستوى المنهجية في اختيار المشاركين وفي إنجاز الإحصاء.

في هذا الإطار، تم تطوير برنامج معلوماتي، بواسطة الموارد البشرية للمندوبية، يدمج تطبيقات معلوماتية محمولة على أجهزة لوحية بالإضافة إلى تطبيقات على شبكة الإنترنت تمكن من التحكم عن بعد في مختلف مراحل الإحصاء. وقد تم كذلك استخدام نظام معلوماتي جغرافي محمول أثناء الأعمال الخرائطية التي تشكل القاعدة الجغرافية والاقتصادية والبشرية للإحصاء، حيث مكن هذا النظام من التوطين الخرائطي لجميع البنايات والمساكن والمؤسسات الاقتصادية والإدارية والمرافق الاجتماعية والثقافية المتواجدة بمجموع التراب الوطني. كما مكن من تقسيم هذا الأخير إلى وحدات جغرافية، تسمى “مناطق الإحصاء”، لضمان إحصاء شامل للسكان والسكنى دون إغفال أو تكرار خلال تجميع المعطيات لدى الأسر. وقد تم اعتماد مقاربة جديدة في إحصاء 2024 بهدف تغطية أكبر قدر ممكن من المعطيات المفيدة وضمان توفرها على مستوى أدق الوحدات الترابية الأساسية بالاعتماد على أجهزة لوحية رقمية، مما مكن من إرسال هذه المعطيات بشكل مؤمن وآني إلى مركز تدبير المعطيات. وبالتالي، تقليص آجال نشر نتائج الإحصاء.

ولذلك، نقول إن تجربة المندوبية السامية للتخطيط في هذا المجال أصبحت رائدة في مجال الرقمنة ونموذجا يجب على الإدارات العمومية اعتماده للاندماج الرقمي وتبسيط المساطر. 

ثانيا: إجراء البحوث والدراسات الإحصائية وتكوين الأطر

يناط بالمندوبية السامية للتخطيط مهمة إنتاج المعلومة الإحصائية وتحليلها وحفظها ووضعها رهن إشارة العموم، كما تناط بها مهمة إعداد الحسابات الوطنية والجهوية والقطاعية والقيام بالدراسات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية وتتبع الظرفية الاقتصادية وظروف معيشة السكان.في هذا الإطار، نتناول أبرز الأنشطة التي تقوم بها المندوبية السامية للتخطيط، ومنها:

البحوث الدائمة التي تنشر نتائجها شهريا، وتشمل البحث الوطني حول الأثمان، والبحث الوطني الاستهلاك، والبحوث حول الأثمان عند الإنتاج الطاقي والمعدني والأرقام الاستدلالية للتجارة الخارجية. أما البحوث الفصلية، والتي تنشر نتائجها كل ثلاث أشهر، فتشمل البحوث الوطنية حول التشغيل، وحول الظرفية لدى الأسر، والظرفية لدى المقاولات والإنتاج.

أما البحوث الدورية، فقد تم إنجاز عدة بحوث حول عدة قضايا وطنية آنية منها: مستوى معيشة الأسر، المؤسسات غير الهادفة للربح، البنيات الاقتصادية، القطاع غير المهيكل، الاستثمارات المنجزة في قطاع الإدارات العمومية، وأخيرا البحث الوطني حول العائلة.

إلى جانب إنجاز أبحاث موضوعاتية قطاعية تتعلق بالدراسات حول التوقعات الاقتصادية والاستشرافية، وتطور الإطار الماكرو اقتصادي، وتتبع الظرفية الاقتصادية، أما في مجال الدراسات الديموغرافية فقد قامت سنة 2024 بإعداد دراسة حول الملامح الاجتماعية والديموغرافية لضحايا الزلزال الذي وقع في مناطق الحوز بالمغرب.

وأخيرا، تعتزم المندوبية السامية للتخطيط في إطار مخططها الاستراتيجي مواكبة النموذج التنموي الجديد باعتباره مرجعية لقياس أهداف التنمية المستدامة وإنجاز بحوث إحصائية جهوية في إطار تعزيز البعد الجهوي.

في هذا الصدد، وفي سياق ظرفية تتسم بالإصلاحات لتأهيل المؤسسات والرفع من جودتها، دعا جلالة الملك محمد السادس بتاريخ الجمعة 8 أكتوبر 2021 إلى إجراء: “إصلاح عميق للمندوبية السامية للتخطيط، لجعلها آلية للمساعدة على التنسيق الاستراتيجي لسياسات التنمية، ومواكبة تنفيذ النموذج التنموي، وذلك باعتماد معايير مضبوطة، ووسائل حديثة للتتبع والتقويم”. وعلاقة بذلك، عين جلالة الملك السيد شكيب بنموسى “مهندس النموذج التنموي الجديد” ثاني مندوب سامي للتخطيط، بعد مسار طويلللسيد أحمد لحليمي علمي الذي قاد سفينة هاته المندوبية لأكثر من عشرين سنة وفي ظل حكومات متعددة رافعا راية الاستقلالية عنها.

يبدو من هذا التعيين العزيمة والجدية في إصلاح وتحديث هياكل النظام الإحصائي. لذلك، تعكف الحكومة حاليا على تشخيص مسار المنظومة الإحصائية منذ الاستقلال لتقييم المسار التشريعي وتشخيص إكراهاته ومعوقاته، وإعداد رؤية حول صياغة قانون ينظم الجهاز الإحصائي بالمغرب، ويعتقد أغلب المتتبعين أن المندوبية السامية للتخطيط ستتحول إلى مؤسسة مستقلة في تنظيمها الإداري تكون عبارة عن وكالة للإحصاء والتخطيط، وبالموازاة مع ذلك يحدث مجلس وطني للإحصاء.

*دكتور في الحقوق، إطار بالمندوبية السامية للتخطيط، وجدة

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x