لماذا وإلى أين ؟

أعكاو: تازمامارت لم يكن معتقلا سريا والذين اتصلوا بعائلاتهم أخفوا عنا ذلك (الحلقة 2)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو  (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو  الذي كُتب له العيش بعد قضائه 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر  إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..

لما حان وقت الغذاء في وقت متأخر من مساء اليوم الأول في تازمامارت، فتح علينا السجانون أبواب الزنازن لكن لم يسمحوا لنا بالتحرك في الدهليز الطويل الذي تتسلل إليه أشعة شمس ضعيفة، أي اكتفى كل واحد منا بلقاء جيرانه، مع مدنا بخمسة لترات من الماء، وهو نظام استمر مدة قصيرة للأسف.

في انتظار أن يصل طبق الغذاء، تبادلنا الحديث مع الحراس لنعرف أين نحن وماذا ينتظرنا، وأتذكر أني اشتكيت لأحدهم من بقايا البناء المتناثرة في زنزانتي، فما كان لهم إلا أن يأتوا بالماء وشرعوا في غسل كل الزنازن لتنقيتها. خِلنا من معاملتهم لنا أن الأمور ستكون على أحسن ما يرام عما قريب كما قال لنا الحراس، لكن الحال أنهم لم يكونوا يعلمون بدورهم بالنظام الذي سنمشي عليه، لقد كنا نجهل جميعا أن نظاما قاتلا ينتظرنا، لأننا بالنسبة إليهم كنا خونة حاولوا إسقاط الطائرة الملكية.

وفي ظل هذه الظروف التي جعلتنا متفائلين ولأن أول ما يفكر فيه السجين هو التواصل مع عائلته، فقد أقدم بعض المعتقلين، منذ اليوم الأول، على تنفيذ أول خطوة للتواصل مع ذويهم، خصوصا معتقلو قاعدة اهرمومو، لأنه وعلى عكسنا تماما نحن معتقلو انقلاب الطائرة الذين اعتدنا المرور بمراحل تسوء شيئا فشيئا منذ اعتقالنا في 16 غشتت 1972 من القاعدة الجوية للقنيطرة، فقد كانوا يحظون بنظام خاص بالسجناء العاديين ويستفيدون من الزيارات و”القفة” عندما كانوا نزلاء في سجن القنيطرة، وهو ما جعلهم يحاولون الحفاظ على هذه الامتيازات في تزمامارت، خاصة بعدما تعرف بلكبير على حارس كان يشتغل في ضيعة والده قبل التحاقه بالجيش، فساعده على التواصل مع عائلته.

بالنسبة إلي، وكباقي معتقلي محاولة إسقاط الطائرة الملكية، يمكن أن أقول إني تأقلمت مع الوضع الجديد منذ الليلة الأولى فقد ألفنا الظلمة والأبواب الموصدة، على عكس معتقلي اهرمومو، لذلك استعجلوا الاتصال بعائلاتهم، وكان أول من نجح في ذلك هو الطيار صالح حشاد، أما محمد الرايس فلم يتوصل بأي رد.

الذين استطاعوا ربط الاتصال مع عائلاتهم في الأسبوع الأول أبقوا ذلك سرا ولم يخبرونا، وقد فطنت لذلك ذات يوم عندما طلبت من الحارس المساعد الأول خربوش أن يمدني بشمعة فسألني “انت منين” أجبته “أنا من نواحي الرباط” فقال لي “شنو عندك تما” قلت “الوالدة ديالي” فخاطبني “هاك ولكن قولها تعطيك المرة جاية باش تشري الشمع”، وبعد مرور ثلاثة أيام من الغياب عاد إلينا وهو محمل برسائل وأدوية أرسلتها عائلات سجناء، هنا فطنت أخيرا بأن التواصل تم وأن هناك أسرا تعرف بوجودنا هنا، وبالتالي أشدد مرة أخرى على أن معتقل تازمامارت لم يكن سريا مادام التواصل تم منذ الأيام الأولى من الأسبوع الأول، وشخصيا لم أكتشف ذلك حتى بدأت المرحلة الثانية من الاتصالات، مرحلة تسببت في نشوب حزازات بين المعتقلين، سأشرح هذا في ما بعد.

يتبع..

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x