لماذا وإلى أين ؟

حكايات تازمامرت.. حين كان السجان يبني منزله بنقوذ عائلات المعتقلين (الحلقة 13)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو  (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو  الذي كُتب له العيش بعد قضائه 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر  إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..

نعود إلى موضوع الاتصالات، أخيرا تمكنت من بعث رسالة إلى عائلتي، بعدما حُرمت من ذلك في أكثر من مناسبة، وقد أرسلتها مرفقة ببرقية محمد الرايس، بواسطة المساعد أول بوكبش، الذي كما قلت في الحلقة السابقة انقلب على خبثه وطالب منا أن نروي ما يجري لنا كي يعلم العالم أننا مازلنا أحياء، طمعا في النقود فقط. وبالفعل وصلت برقيتي إلى والدتي بفضل السيدة خديجة الشاوي زوجة الرايس، لكن لم أتلق أي رد.

 

 

حينما نجوت من ذلك الجحيم زارتني السيدة خديجة في منزلي في “سيدي بطاش”، وقد تفاجأت لعدم توصلي بالرد، وألقت المسؤولية على عاتق بوكبش

في هذه المرحلة من التاريخ كانت أخبارنا قد تجاوزت حدود المغرب، وأصبحت على كل لسان تتداول بكثافة، خصوصا في إذاعة فرنسا الدولية التي كانت تخصص حيزا كبيرا في نشراتها المخصصة لأحداث إفريقيا لتسهب في الحديث عن تزمامارت.

أصبحنا نمرر أكثر من ستة أجهزة “ترانزيستور” في زنازيننا، وأصبحنا نقضي وقتا طويلا جاهدين في ترصد موجات الراديو المتقطعة لأننا أحسسنا يوما بعد آخر بأننا سنبعث من قبورنا بعد تسرب أخبارنا إلى العالم، وقد كبر أملنا أكثر لما صدر كتاب “صديقنا الملك” للكاتب الفرنسي جيل بيرو في نهاية ثمانينات القرن الماضي وكشف فيه لأول مرة عن وجود معتقلات سرية رهيبة في المغرب، مثل تزمامارت بعد توصله بمعلومات بواسطة المرحومة كريستين دور السرفاتي، كما فضح فيه الكابوس المرعب الذي عاشته عائلة الجنرال أوفقير. ليليه خروج زوجها أبراهام السرفاتي من السجن وتهجيره قسرا إلى فرنسا، حيث استقبله نفر من الصحافيين الفرنسيين يريدون منه أن يسلط الضوء على قضيته، فإذا به يفاجئهم بقصة تزمامارت وما وقع من إجرام في حق عسكريي محاولتي انقلاب 1971 و1972.

التغيير الذي حصل هو تنقيل أربعة أصدقاء من العنبر الثاني للانضمام إلينا في العنبر الأول، وهم الملازم ثاني عبد العزيز بين بين والملازم ثاني عبد العزيز الداودي والرقيب بوشعيب سكيبة وغاني عاشور، فيما تم الإبقاء على الإخوة بوريكات في العنبر الثاني.

وأتذكر أنه دخل علينا الحراس ذات يوم وفتحوا الأبواب الحديدية علينا وأمرونا بالافتراق، على شكل يجعل الطيارين المعتقلين في جهة من العنبر فيما المشاة في الجهة المقابلة لهم، وهو ما جعلني أتبادل الزنزانة مع المرزوقي. هذه التطورات المتسارعة جعلتنا نحس بأن تغييرا وشيكا سيحدث، وقد أخبرنا بعض الحراس بأننا سنغادر، فتفاءل من تفاءل أما المتشائمون الذين كنت منهم فرأينا أنه مادام أمرنا قد افتضح، ناهيك عن كون الملك الحسن الثاني لن يذعن للضغوط الخارجية، فإن مصيرنا سيكون جحيما آخر نُنقل إليه، أو تصفيتنا هنا وتنتهي قصتنا إلى الأبد.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x