2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
حكايات تزمامارت.. فجأة غذاء بالخضر واللحم بعد 17 سنة من العفن (الحلقة 14)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو الذي كُتب له العيش بعد قضائه أكثر من 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..
دخل علينا الحراس ذات يوم وفتحوا الأبواب الحديدية علينا وأمرونا بالافتراق، على شكل يجعل الطيارين المعتقلين في جهة من العنبر فيما المشاة في الجهة المقابلة لهم، وهو ما جعلني أتبادل الزنزانة مع المرزوقي. هذه التطورات المتسارعة جعلتنا نحس بأن تغييرا وشيكا سيحدث، وقد أخبرنا بعض الحراس بأننا سنغادر، فتفاءل من تفاءل أما المتشائمون الذين كنت منهم فرأينا أنه مادام أمرنا قد افتضح، ناهيك عن كون الملك الحسن الثاني لن يذعن للضغوط الخارجية، فإن مصيرنا سيكون جحيما آخر نُنقل إليه، أو تصفيتنا هنا وتنتهي قصتنا إلى الأبد.
ما زاد من شكي هو أن لا شيء مهد لما سيقع ولا شيء جعلنا نطمئن قُبيل إخراجنا، إذ كان الأمر فجائيا على حين غرة منا، حتى نظام الأكل لم يتغير.
في خضم كل التغيرات التي تسارعت وتيرتها والتي تبشر بقرب خروجنا من تزمامارت، وصلت شخصيا إلى قمة الشك مع ذلك، خاصة أن كل شيء كان يمر في سرية تامة، وما زاد من شكي هو أن لا شيء مهد لما سيقع ولا شيء جعلنا نطمئن قُبيل إخراجنا، إذ كان الأمر فجائيا على حين غرة منا، حتى نظام الأكل لم يتغير.
وكذلك معاملة الحراس تزيد من نسبة التشاؤم لدي، لأنهم بأنفسهم غير متفائلين ولا أحد يبوح بالحقيقة التي نبتغي معرفتها. إذ هناك من تفاءل بقرب انعتاقنا وآخرون لا يرون أملا في ذلك. شخصيا بقيت أشك حتى في معاملة فضول لأنه لم يتغير في سلوكه الفض معنا عندما قدم ذات مرة إلى العنبر رغم أنه كان يعلم بمغادرتنا لتزمامارت، وبقي مرادفا للمعاناة والقسوة وغلظة القلب، بل كان ندير شؤم بالنسبة إلينا، إذ لم يغادرنا يوما وشاهِد على تسلسل معاناتنا منذ اختطافنا من القنيطرة سنة 1972 وتنقيلنا من ثكنة إلى أخرى أثناء الاستنطاق إلى محاكمتنا وإلى أن أوصلني شخصيا إلى أهلي في سيدي بطاش. وكان أيضا مشرفا على قضية مبارك الطويل. وحتى عندما كنا في تزمامارت بقي ظله يلازمنا فقد كان وسيطا بيننا والقيادة العليا التي يأتيها بأخبارنا ولا يعير أي اهتمام لمدير المعتقل. لقد كان فعلا ملازما لمعاناتنا بقسوة وخبث لا نظير لها.
لم أكن متفائلا بقدومه إلينا ذلك اليوم، وأتذكر حين دخل علينا العنبر، لم أتعرف عليه، كان ذلك متزامنا مع تقديم وجبة الغذاء، وجبة لأول مرة نذوق فيها طعم الخضر واللحم منذ 18 سنة. أمرنا الحراس برمي ما تبقى لدينا من أسمال وارتداء الزي العسكري، فيما كان فضول يقف في باب العنبر.
بدأنا بالخروج فرادى لنمر من أمامه كل يقدم نفسه ورتبته. أتذكر هنا أنه كان غاضبا من القبطان بلكبير لأنه ارتدى بذلته فوق أسماله التي رفض خلعها، فهدده فضول وحذره من إعادته إلى زنزانته، وتركتهما خلفي في مشاداتهما.