لماذا وإلى أين ؟

هل ضمِن دستور 2011 حرية المعتقد للمغاربة؟

شكل موضوع حرية المعتقد، إلى حد قريب، واحدا من “الطابوهات” المسكوت عنها في المغرب، بالنظر إلى ارتباطه الوثيق بالجانب الروحي للمغاربة، والذين يعتنق أغلبهم الدين الإسلامي، مما يجعل حرية الإيمان بدين آخر أو تركه عل المحك، سواء تعلق الأمر بنظرة المجتمع، أو بالجانب القانوني والدستوري.

وهنا، يحيلنا الأمر، إلى الفصل الثالث من الدستور المغربي الذي ينص على أن “الإسلام هو دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد ممارسة شعائره الدينية”، مما يفتح الباب على مصراعيه للتساؤل حول ما إذا كان الإسلام هو الدين الوحيد المسوح به، وإذا كان الأمر كذلك، كيف سيتم السماح بممارسة الشعائر الدينية وما مدى حدود هذه الحرية؟

تباين بين النص والواقع

وللحمولة الحقوقية التي يتضمنها موضوع حرية الإعتقاد، أوضح محمد الهايج رئيس ” الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، أن “الدستور المغربي ينص على ضمان حرية المعتقد، كما هو مبين في فصله الثالث، لكن واقع الحال وبالنظر لما يحتويه القانون الجنائي من فصول تجريمية، فإن هذه الممارسات الشعائرية لا يمكن ممارستها بالشكل العادي والطبيعي، مما يعني أن هناك تباينا في الموقف الرسمي للدولة المغربية في تعاملها مع الموضوع”.

ويرى الهايج، في تصريح لـ”آشكاين”، “أن المجتمع المغربي في حد ذاته، لازال غير متقبلٍ لفكرة اعتناق الأفراد لدين آخر وممارسته بكل حرية”، حيث يشرح ذلك بالقول:”إن هناك عودة قوية للممارسات الشعائرية، كما أن هنالك مظاهر تدين متجذرة في المجتمع المغربي، تعرقل هذه الحرية”.

ولفت رئيس أكبر جمعية حقوقية بالمغرب إلى أن “تعيين وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد والمعروف بحساسيته الشديدة لكل ما يتعلق بالحريات الفردية، لهو مؤشر يؤكد أن كل ما له علاقة بحرية الاعتقاد أو الارتداد عن الدين، لا يلقى ترحيبا كبيرا لدى السلطات العليا”، ثم يستدرك بالقول، “أن هذا السياق يحيلنا للحديث على فتوى المجلس العلمي الأعلى الذي أفتى بقتل المرتد عن الدين، مما أحدث ضجة كبيرة قبل أن يقر الوزير الرميد خلال تقلده حقيبة وزارة العدل، على أنه ليس هناك اي فصل قانوني يُجرم الاعتقاد”.

الهايج، يعرج للحديث عن دور الحركة الحقوقية في محاولة تغيير النظرة الرسمية لموضوع حرية الإعتقاد، إذ أكد على أن “هنالك مساعٍ حثيثة من جانب العديد من الهيئات والمنظمات الحقوقية المغربية للترافع في كل مناسبة من أجل الدفع في هذا الإتجاه”، مشددا على “أن النتائج تأتي بالتدريج”.

وفي هذا الصدد، يشير المتحدث في تصريحه لموقع “آشكاين” إلى أن “هنالك واقعة اعتقال مواطن في مدينة تازة اعتنق الديانة المسيحية، لكن محكمة الاستئناف بمدينة فاس قضت ببراءته”، وهو ما اعتبره الهايج نتيجة حتمية لنضالات الحركية الحقوقية وللتقدم الملموس الذي يعرفه المغرب في هذا الصدد، رغم أن العديد من المواطنين وخاصة منهم الشباب يلجؤون إلى الشبكات الاجتماعية للتعبير عن آرائهم والتواصل في ما بينهم حول كل ما يخص حرية المعتقد، إذ يجدون في الفضاء الافتراضي ملاذا لهم بعد أن نبذهم المجتمع”.

مشكل التنظيمات

من جهته، يرى الناشط الحقوقي والمهتم بشؤون الأقليات الدينية بالمغرب، ادريس هاني، “إن الملاحظ حاليا هو أنه ليس هناك إشكال في ما يخص حرية المعتقد بالمغرب، غير أن ذلك يتحول إلى إشكال حقيقي بالنسبة للدولة حين يتعلق الأمر بهيئات أو تنظيمات، إذ أن الأمر يصبح صعبا إذا تحدثنا عن إحداث وتأسيس جمعية ذات خلفية عرقية أو دينية أو طائفية”، ثم يضيف هاني، هو يتحدث لـ”آشكاين”، أن “الدولة المغربية لم تصادق على البند المتعلق بحرية المعتقد، لأنه في آخر المطاف لا يمكن أن نؤسس دستورا لا يتلاءم مع المجتمع، لأن هذا الأخير هو الذي يؤثر في القرار السياسي والقانوني “.

وعن ضمان الدولة لحرية ممارسة الشعائر الدينية، يشدد هاني، “على أن ما جاء في الوثيقة الدستورية قابل للتأويل، غير أن تركيزها على أن الإسلام هو دين الدولة هو أمر جيد، ويبقى الشق الآخر من الفصل الثالث متعلق بحساسيات أمنية”، مشيرا إلى أن ” المجتمع المغربي بدأ يتطور في ما يتعلق بتقبل حرية الاعتقاد، رغم وجود حساسية في بعض الأمور والتي يعتبرها من الثوابت كالنبوة والألوهية”، ومضى هاني قائلا وهو يقدم مثالا في هذا الصدد، “إن المجتمع المغربي قد يجد صعوبة في تقبل النصراني، لارتباط الأمر بالخلافات الكبرى بين الديانة الإسلامية والمسيحية، وهذا الأمر يقل كثيرا إذا تحدثنا عن الطوائف والمذاهب الإسلامية في ما بينها”.

كما يشدد متحدث “آشكاين” على أن “ردة فعل المجتمع المغربي حيال موضوع الاعتقاد هي أمر طبيعي جدا، خاصة إذا تعلق الأمر بالضرب في الأسس التي يقوم عليها الدين، غير أن السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه الآن هو ما الذي يجعل المغربي يغير ديانته أو ينسلخ عن الدين بشكل نهائي؟ وبمعنى آخر ما الذي لا يعجب المغربي في الدين الإسلامي حتى يبحث عن دين آخر أو نبي آخر أو عبقري آخر إن صح التعبير؟”.

واقترح هاني، “إغناء النقاش العمومي في أوساط المجتمع المغربي، من أجل وضع الأشياء في مسارها الصحيح بخصوص حرية المعتقد، حيث يجب على كل جهة أن تقوم بدورها المنوط بها لتوضيح الأمور، وإزالة الغموض عن العديد من الأفكار حتى تصبح عادية، إذ يجب مثلا إعطاء فرصة للمسيحي ليتحدث، وكذلك الأمر بالنسبة للمسلم أو الملحد، وفي آخر المطاف فالمجتمع هو من سيحكم”.

قوانين فضفاضة.. والعيش في الخارج أرحم

الناشط والمدون المعروف على المواقع الإجتماعية، هشام الشهير باسم “كافر مغربي”، يرى أن “جل القوانين المغربية المتعلقة من قريب أو بعيد بالمعتقد، فضفاضة عن قصد، فالدولة تتعامل مع أمور المعتقد بما يتماشى مع مصالحها”، لذلك، يضيف أنه “لا غرابة في تغيير المواقف بين الفينة والأخرى كما كان الحال بالنسبة للمجلس العلمي الأعلى الذي غير كلامه عن الردة 180 درجة”، ثم يشدد على أنه “ما دام أغلب المغاربة متدينون، ولو عاطفيا، و مادامت الدولة تميل تجاه تفكير الأغلبية، فلن تكون هناك حرية معتقد حقيقية في المغرب”.

“ما مدى تطور المجتمع المغربي في تقبل حرية المعتقد؟”، سؤال نقله موقع “آشكاين” لـ”كافر مغربي” فأجاب، “مازلنا نحتاج وقتا طويلا لكن بوادر التغيير بدأت في الظهور، فقد انتقلنا في السنوات الأخيرة إلى مرحلة جديدة من التطبيع، إذ أصبح المغاربة اليوم، خاصة الشباب، يقبلون فكرة وجود مغاربة تركوا الإسلام. أمثلة على صور هذا التعايش السلمي موجودة اليوم على مواقع التواصل الإجتماعي وبرامج الدردشة وغيرها. فهناك إذا فرق كبير جدا بين ما كنا عليه وما نحن عليه الآن، والأمور في تحسن مستمر”.

وفي نفس الصدد يؤكد ذات المتحدث، على أن”الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته وكلنا يحتاج لجماعة تحتويه وتعطيه الإحساس بالانتماء، وبذلك فإن الشاب المغربي الذي يعيش في أسرة مسلمة ومحيط مسلم لا يستطيع التعبير عن قناعاته وتجده غالبا ينافق الأسرة والأصدقاء، لهذا فإن شبكات التواصل الإجتماعي تعوض هذا النقص، ومن خلال تجربتي في المجموعات اللادينية، بالنسبة للكثيرين هذه المجموعات تصبح العائلات الحقيقية لأنها المكان الوحيد الذي لا ينافق ولا يلبس فيه الشاب أقنعة”.

وحول تجربته الخاصة، يشير هشام، إلى أنه “فضل العيش خارج المغرب لأنه من الأفضل أن يعيش التارك للإسلام في بلد يحترم حقوق الإنسان ويضمن الحريات”، على حد تعبيره.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x