لماذا وإلى أين ؟

حكمة بوريطة في تدبير طيش مزوار

تساءل البعض عن سبب رد فعل وزارة الخارجية بشأن تصريحات صلاح الدين مزوار المثيرة حول الوضع في الجزائر، بل هناك من تحدث عن انتهاز للفرصة لتصفية حسابات شخصية بين وزير الخارجية السابق ووزير الخارجية الحالي.

فهل كان بوريطة قاسيا على مزوار؟

إن الرئيس السابق للباطرونا هو من خطّ بلاغ وزارة الخارجية بيده! لأنه ما كان لينتهي به المطاف بهكذا طريقة لو لزم الحذر في موضوع زادت حساسيته بعد الذي يحصل في جارتنا الشرقية، التي تعيش أوضاعا تكتنفها الضبابية والاضطراب ويُجهل ما ستؤول إليه الأوضاع.

لقد جاء مزوار إلى الاتحاد العام لمقاولات المغرب بعدما تقلد مناصب عليا في الدولة، فقد عين منذ 2004 وزيرا للصناعة والتجارة وتأهيل الاقتصاد، وفي 2007 وزيرا للاقتصاد والمالية، وتزعم سنة 2010 حزب التجمع الوطني للأحرار، بعدها نال حقيبة الخارجية قبل أن يسلمها لناصر بوريطة في أبريل 2017. إلى جانب أنه ما من مرة تنقل في جولات الملك إلى بلدان كثيرة وزيرا ورئيسا للباطرونا… ما يعني أنه رجل دولة، وبمهامه هذه لا يمكن أبدا حصر تصريحاته في إطار مجرد رأي للمجتمع المدني.

ليس مزوار وحده الذي اضطرت الخارجية لاحتواء خرجته الطائشة، إذ يتذكر الجميع رصاصة الرحمة التي أطلقها حميد شباط على نفسه، حين حشر أنفه في علاقات المغرب وموريتانيا، لمّا اعتبر أن الحدود المغربية تصل إلى موريتانيا وأن هناك مؤامرة تقودها الجزائر وموريتانيا. حينها سارع مزوار لتوبيخ شباط ونعته بالجاهل والمُفتقد للنضج، قبل أن يضع القدرُ مزوار في مكان شباط.

وليست هذه المرة الأولى التي يتدخل فيها بوريطة لتصحيح أخطاء الآخرين، فهو يقوم بدوره في إطار المجال المحفوظ لوزارته، وبالتالي لا يرتبط الأمر بمسألة شخصية أو بروتوكولية. فبلاغ الخارجية قال إن “حكومة صاحب الجلالة تشجب التصرف غير المسؤول للسيد صلاح الدين مزوار”، أي أن بلاغ بوريطة عبر عن موقف حكومي واضح.

وحتى رئيس الحكومة الحالي، سعد الدين العثماني، حينما زاغ عما تقتضيه الدبلوماسية وتحدث عن “الحُكام الجدد للجزائر”، رد عليه بوريطة، مجددا له التأكيد على ضرورة احترام القنوات الرسمية.

لقد تعامل بوريطة مع تصريحات مزوار المثيرة للجدل بحكمة ديبلوماسية تحسب له، فقد فوت الفرصة على خصوم المغرب الشرسين من داخل بعض الأجهزة الجزائرية، المعروفة بعدائها للمغرب، لتصفية حسابات سياسية ونسف أي تقارب بين البلدين، على حساب طيش مزوار، الذي رأى أن السلطة العسكرية في الجزائر سيكون عليها أن تقبل تقاسم السلطة مع الإسلاميين الذين حاربتهم منذ عقود .

لقد كان بالإمكان أن يستدل حكام الجزائر الحاليين بتصريحات مزوار لتبرير زعمهم بأن هناك من يحرك خيوط الحراك الشعبي من بعيد لزعزعة استقرار الجزائر، وبالتالي قطع بيان بوريطة الاستباقي الطريق أمام من كان يريد إقحام المغرب في الشأن الجزائري الداخلي، وكذا طموحات شعبه الذي لا يمكن إضافته كخصم آخر للمغرب، خاصة وأن جهات كانت تدفع بالمحتجين لرفع أعلام البوليزاريو واحتضان مطالب الانفصاليين في مسيراتهم.

كما أن بوريطة لم يرد أن يتغافل البيان وينتظر إلى حين صدور ردة فعل الجزائر، لأن المغرب سيضطر حينها للرد من موقف المدافع، وإذا لم يرد فسيكون في حُكم الخائف، وكلتا الحالتين ليستا في صالح بلادنا.

والدليل على وجاهة رد الفعل الاستباقي للخارجية المغربية، هو أن حتى الصحافة الجزائرية عموما، والمعروفة بمهاجمة المغرب خصوصا، لم تتعدّ حدود الإخبار بمنطوق مزوار ورد الحكومة، وهي التي كانت لا تتورع في استغلال أدنى تصريح لمهاجمة المغرب ووحدته الترابية.

هنا تكمن حكمة بوريطة عندما عقّب على مزوار.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x