لماذا وإلى أين ؟

الشعب تحت رحمة كوفيد 19 .. وقرارات القرن 19 ..

عبد المولى المروري

أحيانا تتعطل آلة التفكير عند الإنسان، وينعقد لسانه، وينفذ مخزون الكلمات لديه … جراء ما يسمع من قرارات تائهة، وأحكام ظالمة، وبسبب ما يراه من تخبط وعشوائية، عبرتُ عنها غير ما مرة بالعبثية… وفي كل قرار تافه، أو إجراء تائه إلا وأجد وصف “العبثية ” مناسبا ودقيقا، لأنه يحمل معاني اللامسؤولية والارتجال والخطأ في آن واحد…
في الوقت الذي ينشغل فيه الشعب المغربي بجائحة كورونا وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والصحية، وارتجالية قرارات الدولة في شأنها … يفاجؤ بإحداث ” هيئة ضبط الكهرباء “، لا أحد يعرف طبيعة هذه الهيئة، وأسباب إحداثها، والأجور والتعويضات الضخمة المخصصة لأعضاءها في زمن الأزمة المالية والاقتصادية، والتي كشف إحداثها عن منطق الزبونية والمحسوبية والاعتبارات الحزبية على حساب الكفاءة..
فهيئة ضبط الكهرباء وما واكبها من لغط سياسي ونقاش عمومي – زائد -، كل ذلك يعكس واقع الأزمة التدبيرية، ويصور مشهدا فجا من مشاهد التخبط والعشوائية، وانسداد الأفق السياسي، وقصر نظر أصحاب القرار، بل غياب أي نظر سديد يخرج الوطن والشعب من أزماته المستفحلة والمتراكمة التي وُضِع فيها قسرا… هيئة غامضة في زمن الريع الاقتصادي والتردي السياسي والتراجع الحقوقي…
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تواصلت الظاهرة الارتجالية، واستمرت الحالة العشوائية مع بلاغ آخر ساعة (كالعادة)، قرار وزراة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ( يا له من اسم طويل بلا فائدة ) القاضي باعتماد التعليم عن بعد كصيغة تربوية مع إمكانية التعليم الحضوري لمن شاء من الآباء، وتأجيل امتحانات السنة أولى باكالوريا …
قد أتفهم أن هذه القرارات مرتبطة بتطور الحالة الوبائية غير المستقرة والتي تحمل معها مفاجآت غير سارة في كل مرة، الأمر الذي يستدعي اتخاد قرار بما تقتضيه الوضغية المتقلبة والمتغيرة، ليس هنا استيائي من القرار، بل في شكليات اتخاذه وأسلوب تنزيله وعرضه على الرأي العام، ثم مضمونه الذي يفتقد إلى الحلول الواقعية والمنصفة والناجعة…
إن قرار التعليم عن بعد لابد أن يستحضر مجموعة من المعطيات والاعتبارات المهمة والتي لا يجب تجاوزها أو القفز عليها…
التعليم عن يعد يستلزم بنية تحيتية قوية وواسعة على مستوى شبكة الانترنيت، فضلا عن توفير الإمكانيات المادية واللوجيستيكية المساعدة والضرورية…
فإذا كان التعليم عن بعد صالحا وممكنا في المدن، فهو شبه مستحيل في القرى والبوادي … الأمر الذي سيتسبب في إقصاء تلاميذ القرى والبادية.. من يتحمل المسؤولية في هذه الحالة..؟
وإذا كان ممكنا بالنسبة للأسر الغنية، فهو صعب ومكلف بالنسبة للأسر الفقيرة.. خاصة بالنسبة لمن لديهم طفلان وأكثر.. الأمر الذي سيتسبب في إقصاء شريحة واسعة جدا من أبناء الطبقة الفقيرة والهشة…
وإذا كان ممكنا بالنسبة للأسر التي تتوفر على أم هي ربة بيت ولا تعمل خارجه، أو أسر لها فرد يراقب ويتابع الأبناء، فإن ذلك مستحيل أو على الأقل في غاية الصعوبة بالنسبة لأبوين يعملان كلاهما خارج البيت… الأمر الذي قد يتسبب في مشاكل أسرية قد تؤدي إلى تصدع الأسر وتفككها…
هذا فضلا عن إكراهات أخرى مثل متابعة التلميذ، والتأكد من حضوره الدرس أثناء غياب أبويه، ومدى استعداد التلميذ لمواكبة هذه الطريقة، ومردوديتها التعليمية والتربوية … خاصة على مستوى التحصيل والفهم والإنجاز …
ومن جهة أخرى، هذا القرار هو من ضمن القرارات الفوقية التي تخرج متسرعة وفي آخر ساعة، دون إشراك الكثير من الشركاء والمعنيين والمتدخلين، مثل ممثلين عن أطر التدريس وجمعيات الآباء وقطاع التعليم الخصوصي… وبعض المتخصصين في علوم التربية وعلم النفس والاجتماع قصد تدارس التداعيات النفسية والتربوية لهذا القرار على التلميذ والمدرس والأسرة… لابد من إشراك كل هؤلاء في نقاش مسؤول قبل اتخاذ قرار مشؤوم..
وهذا ناهيك عن غياب البعد التواصلي في إذاعة البلاغ، فمن اللازم والضروري أن يكون مصحوبا – في الوقت ذاته – بندوة صحفية تبين أسباب وخلفيات هذا القرار، مع التوضيحات الضرورية، ولكن للأسف الشديد جرت العادة أن يتم التعامل مع المواطن في أموره المصيرية باعتباره شخصا غير ناضج ويحتاج إلى وصاية، وملزم بالطاعة والامتثال، وليس شريكا أو صاحب رأي ومشورة..
الأمر نفسه ينطبق على قرار تأجيل الامتحان الجهوي، هذا القرار الذي يعكس نوعا من الاستخفاف بالتلميذ الذي أُخبِر سلفا بتاريخ معين، ليتم تأجيل الامتحان إلى تاريخ غير معين، دون بيان أو توضيح يحترم التليمذ وأبويه… فإذا كان قرار التأجيل ضروريا، فإن شكل الإعلان عنه كان كارثيا وبئيسا، ويعبر عن أسلوب فوقي سلطوي لا احترام فيه ولا تقدير أو اعتبار لأي أحد..
إن الحل في حالة الامتحان الجهوي هو إلغاؤه نظرا لارتباك الوضع التعليمي وعدم استقرار الحالة الوبائية، هذا أحسن من التلاعب بنفسية التلميذ والعمل على إرباك طريقته وأسلوبه ومنهجه في الاستعدادات للامتحان الجهوي، خاصة وأن عدم تحديد التاريخ يضعه ضرورة في حالة عدم الاستعداد لهذا الامتحان، وبالتالي يؤثر سلبا على جاهزيته واستعداده النفسي والعقلي…
لقد استقر رأي الدولة مؤخرا على أن المواطن ” وحده ” هو من يتحمل المسؤولية في الانتشار الواسع لوباء كورونا بسبب عدم التزامه بإجراءات الحجر الصحي، وهذا مرتبط بطبيعة الحال بقلة وعيه وغياب نضجه…
في سلسلة من المقالات تحت عنوان #_الثورة_على_الشعب_” بينت أن هذا الأخير – فعلا – يعاني من ظاهرة قلة الوعي وغياب النضج، الأمر الذي جعله غير قادر على تغيير واقعه والمطالبة بحقوقه بالطريقة الصحيحة والمناسبة. لذلك لابد أن تكون هناك ثورة على هذا الشعب قبل أن ينادي هو أو يطالب بأي ثورة.. وهنا، من اللازم أن تكون عندنا الجرأة لطرح السؤال، من المسؤول عن هذا الوضع؟ من المسؤول حقيقة عن قلة وعي الشعب وغياب نضجه؟
إن هذا الشعب يجر وراءه أكثر من ستين سنة من سياسات التجهيل والتعليم الرديء والمتخلف، والإعلام التدجيني الماجن… هذا الشعب لأكثر من ستين سنة وهو يعاني من سياسة التفقير والإهمال وضعف الرعاية الصحية وتهالك البنى التحتية، وغياب أي مشروع تنموي حقيقي، لننتهي إلى حقيقة صادمة في القرن 21 أننا نتوفر على أكثر من عشرين مليون فقير في حاجة إلى دعم مباشر من أصل أقل من أربعين مليون، يعني أكثر من ‎%‎50 من المغاربة فقراء!!
فماذا نتوقع من شعب هذه هي تربيته التي زودته بها الدولة، وهذا وعيه الذي رضعه من برامجها، وهذا نضجه الذي شربه من مياهها…؟
إن تعامل هذا الشعب مع هذه الجائحة وغيرها من المصائب والوقائع هو ثمرة لما غرسته هذه الدولة فيه، ونتيجة منطقية لأسباب صنعتها في عقله وفكره ونفسه، فهل اللوم يقع على الشعب أم على الدولة؟
من المؤسف حقا أن تعترف الدولة بعدم قدرتها على مواصلة دعم الفئات المتضررة والفقيرة، هنا تفرض بعض الأسئلة نفسها؛ لماذا فشلت كل المشاريع التنموية منذ الاستقلال إلى الآن؟ أين تذهب الثروات المغربية الكثيرة والمتنوعة؟ لماذا ظل اقتصادنا هشا وضعيفا وتابعا لأكثر من نصف قرن؟ لماذا تقدمت دول جاءت من بعدنا، وكانت أدنى منا مرتبة وقوة وتقدما مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية وتركيا وبعض دول إفريقبا جنوب الصحراء، بينما نحن ما نزال متشبثين بمؤخرة الترتيب على سلم التنمية والتعليم والبحث العلمي …؟ ولماذا يتحمل الشعب وزر هذه التعثرات والسياسات الخاطئة؟
ومن جهة أخرى، لماذا تحتكر الدولة كل الأنشطة الاجتماعية وتمنع على بعض الأفراد وجمعيات المجتمع المدني المساهمة في مساعدة الأسر الضعيفة والمنكوبة، وهذا المنع تحت ذريعة عدم توفر صفة جمعية ذات النفع العام، وتقوم السلطات بعرقلة عملية الحصول على هذه الصفة وتلاحق وتتابع من سولت له نفسه المبادرة في مساعدة الأسر الفقيرة والهشة، وتمنع الجمعيات من وصولاتها القانونية… إذا كانت الدولة عاجزة وتريد فعلا إنقاذ الأسر المعوزة، فلماذا تحتكر هذا النشاط ولا تفوضه إلى المجتمع المدني وتسهيل مساطر ذلك؟
لماذا تقدم الدولة الدعم بطريقة انتقائية وغير منصفة لفائدة شركات ومقاولات دون أخرى، مثل المقاولات الصحفية والإعلامية وشركات السياحة بينما قامت بإقصاء مؤسسات ومقاولات أخرى أكثر نفعا وأصدق مواطنة؟
لقد بدا واضحا أن الدولة احتكرت كل شيء، وبسطت هيمنتها على كل المؤسسات والقطاعات، وفوضت وزارة الداخلية قصد القيام بهذا الدور، مع إقصاء الكل، ولم يعد للجهات المنتخبة أي دور في الفترة الراهنة، وربما الفترة المقبلة… وتعطل فعليا دور الحكومة في تدبير هذه الجائحة وتداعياتها، وأصبحت تقوم بتنفيذ التعليمات دون المساهمة في صناعة القرار واتخاذ المبادرات، فالخطاب الأخير أتى على ذكرة الدولة والسلطة العمومية دون ذكر الحكومة ولو لمرة واحدة، فغيابها في الخطاب يعني تغييبها في الواقع… لابد أن نكون صرحاء في قول هذه الحقيقة، وأقوياء في تقبلها..
لقد بدا واضحا أن الأزمة ما تزال في بدايتها، والأسوء – لا قدر الله – هو القادم مع استمرار الوباء وتوسعه، في غياب قدرة الدولة عن حماية المواطن من تداعياته الاقتصادية وأخطاره الصحية.. بل بإلقاء اللوم عليه وحده دون المؤسسات والجهات الرسمية صاحبة القرار الفعلي والماضي الذي نعيش نتائجه وويلاته الآن…
إن المواطنة الحقة والتضامن الفعلي هو تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية، ورفع الظلم عن المواطن والأبرياء، والقطع مع اقتصاد الريع والمحسوبية السياسية، وإفساح المجال لتكافئ الفرص، وللمجتمع المدني وكل غيور على هذا الوطن كي يقوم بدوره في المساهمة في إنقاذه من السكتة القلبية الثانية …

محام بهيئة الرباط وفاعل حقوقي

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زهير ابن أبي سلمى
المعلق(ة)
24 أغسطس 2020 13:17

تدبير ملف عشرة ملايين تلميذ وطالب مقبلون على دخول مدرسي في أجواء يسودها الخوف على مصير رجال المستقبل..تدبير يضحي بفلذات الأكباد ويسرع بموتهم وأسرهم ، إن لم يكن هذا الإجراء انتحارا جماعيا ومجتمعيا ت تحت مسؤولية الآباء..
إنه قرار يستحمر الآباء والأبناء معا . وإلا من من الآباء والأمهات يفكر في الدفع بعزيزه وسط أتون كرونا وويلاته ؟
تمت التضحية بالأكباش في عيد الأضحى ومعها ضحوا بالناس فارتفعت نسبة الإصابات بشكل مرعب . واليوم نحن أمام قرار للتضحية بما تبقى ..انتظروا الطامة الكبرى التي لا تبقي ولا تذر .. وبعدها – لا قدر الله – يتم تحميل المءؤولية للآباء..

كريم
المعلق(ة)
24 أغسطس 2020 01:15

السلآم عليكم اعتقد ان الكل متفق معك و مع تشخيصك للمرض الورم الدي اصبح سرطان لكن التغيير يلزمه نخبة صادقة وشعب على الأقل نسبة %20 منه واعية وقادرة على التضحية في سبيل هدا الوطن معادلة صعبة في مواجهة المستفيدين والمنافقين المتسلطين والمتربسين من الخارج نطلب عون الله في داك اللهم افتح علينا باب نصر من عندك واحم بلدنا و أمتنا من كل الفتن

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x