لماذا وإلى أين ؟

سابقة..الأمير هشام يقصف ولي العهد السعودي

في سابقة من نوعها، يوجه الأمير هشام العلوي،  الملقب بـ”الأمير الأحمر”، مدفعه نحو المملكة العربية السعودية، في مقال عنونه بـ”النزعة الاستبدادية الخطيرة لمحمد بن سلمان”، ولي عهد بلاد الحجاز، واصفا إياه بـ”الرجل القوي الجديد” الذي “يريد ترسيخ وهم الهيمنة السعودية”، ولعل أن الانتقادات اللاذعة التي صاغها الأمير هشام في هذا التوقيت، تحمل دلالات كبيرة، إذ قبل أيام قليلة أعلن الأمير طلال بن عبد العزيز، إضرابه عن الطعام احتجاجا على احتجاز بن سلمان لثلاث من أبنائه الأمراء، بتهمة “الفساد”، بفندق “ريتز كارلتون “، ومن بينهم الوليد بن طلال ابن خالة الأمير هشام.

ويبدو أن ابن عم الملك محمد السادس، لم ينسَ تورط بن سلمان وحاكم دبي، في منعه من القيام بندوة حول الثورات العربية بتونس، وترحيله نحو فرنسا بدلا من المغرب دون احترام للأعراف الدبلوماسية في العلاقات الدولية.

ويمكن القول أن قيام الأمير العلوي، بتشخيص الوضع الحالي بالمملكة العربية السعودية، وفق ثلاث محددات يستند عليها ولي العهد السعودي، ذو “النزعة الاستبدادية الخطيرة” -كما وصفه الأمير هشام- هي: توطيد سلطة الأسرة الحاكمة، وتحديث الاقتصاد، وإعادة توجيه السياسة الخارجية لبلده، قد تكون ذات قيمة أكاديمية، لكن الخلفية التي تحكمت فيها خضعت لشروط ذاتية أكثر منها موضوعية.

إن الانتقادات التي لسع بها الأمير الأحمر نظيره محمد بن سلمان، تأتي بعد تداول خبر رفض حكام السعودية لطلب الملك محمد السادس لهم بالإفراج عن رجل الأعمال السعوي الوليد ابن طلال، الذي تجمعه بالمغرب، مصلحة اقتصادية مهمة بحكم استثماراته به، إلى جانب القرابة الدموية التي أسسها الأمير الراحل عبد الله بزواجه بلمياء الصلح، أخت زوجة الأمير طلال بن عبد العزيز.

وتقدم “آشكاين” لقرائها أبرز ما قاله الأمير هشام، عند تشخيصه للما أسماها “الممارسة السياسية الاستبدادية” التي ينتهجها ولي عهد السعودية في مخططه الهادف إلى بسط سيطرته على كل مفاصل الدولة، القائمة في أحد مرتكزاتها على تصفية المعارضين و”الاستيلاء على ممتلكاتهم”.

في صدد ذلك، اعتبر الأمير هشام أن “رغبة الأمير سلمان في توطيد الحكم أدت إلى اعتقال مئات المسؤولين المتهمين بالفساد، ومنهم العديد من الأمراء”، مشيرا إلى أنه طوال “نصف قرن من المشهد السياسي السعودي كان يتسم بوجود إقطاعيات بيروقراطية واقتصادية، يتنافس أفراد هذه النخبة من أجل السيطرة عليها”.

الأمير ينتصر لابن خالته

واستدرك الأمير حديثه قائلا: إن “انتقال النظام الملكي السعودي من الخلافة الأفقية إلى العمودية، سوف يدفع إلى إعادة ترتيب هذه الإقطاعيات وإعادة تحديد الأولويات، ضاربا عرض الحائط بتراكمات نصف قرن من التقاليد السياسية”، مضيفا أن “محمد بن سلمان اضطر للتعامل بيد من حديد لإضعاف المقاومة الشرسة التي واجهتها إصلاحاته للنظام المؤسساتي، مستعملا نفوذه على أجهزة الأمن وعلى أنصاره في كل المواقع الإدارية والحكومية، وقد استطاع أن يُخمِد تحركات خصومه المحتملين بدون اصطدامات كبيرة”.

وتابع الأمير الأحمر، “إن القبض على أفراد من النخبة الذين كان الجميع يعتبرهم أصحاب حصانة، ثم الاستيلاء على ممتلكاتهم، أنتج نوعاً جديداً من الشعبوية. وهذه السياسة الداخلية التي ينهجها محمد بن سلمان تحظى بالشعبية، وقد اتضح أنه المسؤول الأول في الأسرة السعودية، الذي لا يبني سلطته ومَجده على مناصرة الأسرة والعشيرة، بل على نوع جديد من الخطاب الشعبوي”.

وأردف صاحب كتاب “الأمير المنبوذ”، “المشكل هو أن الحكم الشعبوي دائما ما يلاقي مشكلتيْن”. وأوضح أن “أولهما هي الحفاظ على السند الشعبي يتطلب إضفاء الطابع المؤسساتي عليه، من خلال آليات جديدة للمشاركة السياسية، وهنا لا يبدو أن ولي العهد مستعد لتقبل مثل هذه المشاركة، بل يظهر أنه يعاكس هذا النوع من التوجه”،

والمشكلة الثانية تتجلى في “أن الشعبوية، رغم أنها تُضعف سيادة القانون، فإن استمرار الحكم يتطلب شكلاً من أشكال الشرعنة والتأطير القانوني، ولكن ما يبدو هو أن محمد بن سلمان يطبّق سياسته الجديدة على الجميع باستثناء نفسه وهو ما يفتح الباب على جميع أنواع التعسف، خاصة إذا علمنا أن التغييرات التي ينهجها تمارَس في أجواء كلها خطورة”، يقول الباحث هشام العلوي.

وزاد المصدر، في ذات السياق، أنه في “الماضي كان الفساد مكلِّفا، ولكن يسهل التنبؤ بحصوله، وكان يسمح للنظام بالاستمرار، من السهل التظاهر بمحاربة الفساد، ولكن الأصعب هو إرساء منطق جديد للحكم بلا قوانين يكتفي باستبدال تعسف بتعسف آخر. إن الانتقال من نظام شبه فيودالي إلى الحداثة يتطلب في البداية نوعا من المركزة السياسية، ولكنه يقتضي أيضا القبول بالخضوع لمساطر وإجراءات قانونية موضوعية، وهو الأمر الذي لا يبدو أن محمد بن سلمان يقبله من الأصل”.

الانفتاح الاقتصادي يتطلب حدا أدنى من الانفتاح السياسي

وفي سياق متصل، أشاد الأمير هشام بما سماها “رؤية بن سلمان لإصلاح الاقتصاد”، معتبرا أن هذا الأخير “أول فرد بارز من العائلة السعودية الحاكمة، الذي أدرك أن النظام الاقتصادي المبني فقط على ريع النفط وعلى الإقطاع لا يمكن أن يُكتب له الاستمرار”، وأردف المتحدث، “لكي تنجح عملية فطم الدولة عن عائداتها النفطية، فالحكومة بحاجة إلى التخلي عن بعض العادات القديمة. على سبيل المثال فخوصصة شركة أرامكو يجب أن تهدف إلى إنشاء شركة مستقلة، وليس الحصول على عائدات جديدة سريعة عن طريق بيع الأسهم لأن ذلك لن ينتج إلا الريع النابع من الريع. كما أن سوق الشغل يحتاج إلى تغيير شامل. يجب استبدال نظام الكفالة الحالي بسوق للشغل يعتمد على الجدارة والاستحقاق بدلاً من الانتماء العرقي. وهذا يعني أن السعوديين يجب أن يقبلوا اعتبار الأجانب متساوين معهم في هذه السوق، ويقبلوا تكافؤ الفرص في كثير من المجالات”.

وأكد المتحدث أن الانفتاح الاقتصادي للسعودية سوف يتطلب “بالضرورة حدا أدنى من الانفتاح السياسي، وهو ما يبدو أن الأمير محمد يرفض مجرد التفكير فيه”، مبرزا أن “نظام الريع النفطي هو في الأساس قضية سياسية أكثر منها اقتصادية، والمواطنون لن يقبلوا بسهولة تخفيض ما يحصلون عليه من مِنح ومخصصات مالية، أو زيادة في نسبة الضرائب، إن لم يكن هناك من يمثلهم في القرار السياسي. ولا توجد اليوم مؤشرات عن الطريقة التي ينوي اتباعها محمد بن سلمان للتصدي لهذا التحدي الهائل، ولا عن كيفية استيعابه من طرف الملكية كلها”.

إخفاقات ابن سلمان الخارجية

وفيما يخص المحدد الثالث الذي اعتمده الأمير هشام في تحليله الانتقادي لولي عهد السعودي، المتمثل في “إعادة الهيكلة التي تتبناها السياسة الخارجية” فإنه يقوم على ” التدخل المباشر لدى الجيران في سعيه لتكون المملكة السعودية قوة رئيسية في المنطقة”. معتبرا أن بن سلمان حصد في هذا المجال “الكثير من الإخفاقات”، مضيفا أن “كل تدخلاته تنبع من الشعور بالعدائية البالغة تجاه إيران”.

وزاد أن التنافس بين السعودية وإيران اشتد “بفعل التوترات الطائفية، التي تعتبر أن إيران هي قائدة الزخم الثوري الشيعي، وأن المملكة العربية السعودية هي الحصن الحصين للعالم العربي السني”. مشيرا إلى أن “الحرب على اليمن لم تفلح في هزيمة الحوثيين، وأدت فقط إلى كارثة إنسانية. أما حصار قطر فلم ينتج عنه إلا إحداث شرخ في مجلس التعاون الخليجي، وتسريع التقارب القطري الإيراني”.

وتابع المصدر، “أن محمد بن سلمان لم يفلح في إضعاف حزب الله اللبناني عندما سعى إلى إسقاط الحكومة اللبنانية، ولم يفلح في إقناع السلطة الوطنية الفلسطينية بقبول صفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المسماة «صفقة القرن». ذلك أن الأمير محمد، عندما يريد ترسيخ وهم الهيمنة السعودية فهو يغفل أمرا مهما للغاية، وهو أنه من أجل مخاطبة الطائفة الشيعية في العالم العربي لا بد من استدعاء هويتها وميراثها الثقافي العربي، بدل تخييرها بين الوفاء لمعتقداتها والوفاء له. ويبدو الآن أن الحكومة السعودية بدأت تفهم هذا الأمر عندما مدت يدها لمقتدى الصدر ولحكومة العبادي في العراق”

واستدرك الأمير الأحمر، تحليله مشيرا إلى أن ” هناك مسألتين أساسيتين ما زالتا فوق طاولة النقاش” لدى حاكم الفعلي للسعودية، تتمثل الأولى في ان السعودية ” لم تستطع إقناع الولايات المتحدة وإسرائيل بشن هجوم على إيران، التي لا تملك في الوقت الراهن إلا الانتظار أن يقبل محمد بن سلمان في هذه المرحلة ترتيبات وفقا لشروطها”.

والمسألة الثانية تتجلي في أن “السياسة الخارجية السعودية تشوبها سلسلة من الأخطاء في العمليات الحسابية، مثل تلك المتعلقة بالتعامل مع مسألة مدينة القدس. لقد كانت السعودية تخطط للتطبيع التدريجي للعلاقات مع إسرائيل على خلفية تحالفها مع المعسكر الأمريكي – الإسرائيلي ضد إيران، ولكن جاءت مفاجأة الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، فوضعت الرياض في وضع متناقض، لأن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل مع السعوديين يتم حسب الشروط الأمريكية الجديدة، وقد مضت أيام إدارة الرئيس بوش حيث كانت العلاقات الودية والروابط العائلية تكفي لضمان سياسة متماسكة، وجاء وقت الرئيس ترامب بسياسة جديدة”.

وختما قال الأمير هشام إن “السياسة الخارجية السعودية في شراكة مع دولة الإمارات تسعى أولا وقبل كل شيء لإلغاء الإنجازات التي حققها الربيع العربي في بلدان مثل ليبيا ومصر، ولكن بدون توفير البديل عن السياسات الاستبدادية التي أفرزت حركات الاحتجاج خلال الربيع العربي. وعندما تضطلع السعودية بهذا الدور التخريبي فهي أصلا ضد الثورات ولا تلعب دور المسانِد للثورة المضادة، فهي تشعر بالحساسية المفرطة إزاء التعبئة الشعبية، وغير قادرة على تقديم إطار أيديولوجي جديد للحكم”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x