لماذا وإلى أين ؟

هل تعرف العلاقات المغربية الاسبانية توترات جديدة؟.. أكاديميون يوضحون

تسارعت التطورات الأخيرة التي يعرفها المغرب في علاقته مع الجارة الإسبانية، خاصة بعد تصريح وزيرة الخارجية الاسبانية، بأن موقف إسبانيا لم يتغير من النزاع حول الصحراء، وأن الملف لا يزال يخضع للمحددات التفاوضية نفسها التي رسمها مجلس الأمن، وكذلك تصريح سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، إذ قال “إن المغرب سيفتح النقاش بشأن ملف سبتة ومليلية بعد الانتهاء من ملف الصحراء المغربية”.

وفي هذا السياق، قال حسن بلوان، متخصص في العلاقات الدولية والصحراء المغربية،  إنه “لا يمكن للمغرب في هذه الظروف المطالبة بفتح ملف سبتة ومليلية المحتلتين نظرا لاعتبارات داخلية وخارجية ترتبط بمنعطفات القضية الوطنية، لكن في نفس الوقت سيستغل كل مناسبة لطرح قضيتهما اتجاه إسبانيا والمنتظم الدولي من جهة، ومن جهة أخرى سيواصل تنمية الأقاليم الشمالية لتقليص الهيمنة الاقتصادية الإسبانية في المنطقة”.

حاولت إسبانيا تضييق الخناق على المغرب

وأضاف بلوان في حديثه مع “آشكاين”، إنه “كلما حاولت إسبانيا تضييق الخناق حول المغرب في قضية الصحراء إلا وصعد هذا الأخير في ملفي الهجرة وسبتة ومليلية المحتلتين. لكن دون أن تصل الأمور إلى القطيعة الكلية”، مشيرا “إذن هناك ترابط الملفات وتشابكها يجعل العلاقات المغربية الإسبانية تعيش بين المد والجزر، متوترة وفي نفس الوقت تحافظ على شعرة معاوية، لأن كل بلد في حاجة إلى الآخر بحكم القرب الجغرافي وتداخل المصالح”.

ويؤكد بلوان في السياق نفسه، إن “موقف إسبانيا من الصحراء المغربية -باعتبارها قوة استعمارية سابقة- معروف ومؤكد، فظاهريا ينحاز دائما إلى الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن لكن تدخل فيه حسابات أخرى كتوازن المصالح بين المغرب والجزائر وقضية سبتة ومليلية”.

معاكسات اسبانية للمغرب

مردفا، “إن معظم الحكومات المتعاقبة على حكم إسبانيا، حاولت منذ عقود الحفاظ على علاقات استراتيجية مع المغرب، كما يظهر هذا الأخير تعاونا متميزا في جميع الملفات المشتركة مع تأجيل الحديث الرسمي عن المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، لذلك كان الموقف الاسباني متوازنا من قضية الصحراء”، مشيرا “مع تزايد المد اليميني واليساري المتطرفين (حزبي فوكس وبوديموس) في إسبانيا، بدأت تظهر بعض الأصوات من داخل البرلمان والحكومة الاسبانيين تعاكس مطالب المغرب المشروعة في وحدته الترابية، ورغم أنها مواقف وتصريحات فردية وغير رسمية إلا أنها صادرة عن ممثلين لمؤسسات مهمة في الدولة، مما يؤثر على العلاقات بين البلدي”.

وعلى خلفية الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، يضيف المتحدث ذاته “زاد التوتر بين العلاقات المغربية الاسبانية، فأعلنت الخارجية الإسبانية تنسيقها مع فريق الرئيس المنتخب بايدن في إشارة إلى رفض القرار الأمريكي، مما جعل المغرب يعبر -على لسان رئيس الحكومة- عن رغبته في استرجاع المدينتين المحتلتين سبتة ومليلة، وقد سبقه تصريح لوزير الخارجية عن رفض المغرب لعب دور دركي المتوسط في قضية الهجرة”، مشيرا “وطفت على السطح مسألة العلاقات المغربية الاسبانية التي توصف بأنها تاريخية لكن بمرفقات سياسية وأمنية واقتصادية تفرض نفسها دائما من خلال ثلاث قضايا رئيسية: الهجرة والصحراء وسبتة ومليلية”.

ملف سبتة ومليلية

من جهته، محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض بمراكش، لقد عرف ملف مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين من طرف اسبانيا جمودا طويلا، وظل هذا الموضوع معلقا لما يناهز خمسة قرون، رغم أنه كانت هناك مجموعة من المحاولات التاريخية للمغرب من أجل استعادة هذه المدن، منها محاولة المولى اسماعيل في القرن السادس عشر ميلادي، ثم محاولة السلطان محمد لن عبد الله سنة 1774، وبقيت هاته المحاولات من غير جدوى، الشيء الذي جعل اسبانيا تعمل من أجل جعل معالم المدينتين أكثر انسجاما مع الجو الاسباني”.

وأضاف بنطلحة في حديثه مع “آشكاين” إن “المنطقة أصبحت تتمتع بصيغة الحكم الذاتي داخل اسبانيا، بقرار البرلمان الاسباني عام 1995، وهي صيغة لا تتضمن إقامة برلمان مستقل بل جمعية ثم مجلسا للحكومة ورئيسا”، مؤكدا “على الرغم من أن المغرب لم يفتح الصيغة الرسمية بالنسبة لهذا الموضوع، إلا أننا نجد تصريح رئيس الحكومة المغربية، سعيد الدين العثماني، عمل على بداية توتر جديد ساهم فيه ضغط أحزاب اليمين المتطرف واليسار الراديكالي الاسباني، حيث استدعت الخارجية الاسبانية سفيرة المغرب في اسبانيا، كما أن بيان الخارجية الاسبانية اعتبر سبتة ومليلية أراضي اسبانية”.

النقطة التي أفاضت الكأس

وزاد “أجد نفسي كملاحظ لتطورات الوضع السياسي بين البلدين، أن تصريح العثماني، هو بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس من الجانب الاسباني”، مضيفا “انطلق التوتر الحالي منذ انطلاق المغرب في ترسيم حدوده البحرية في إطار القانون الدولي، معلنا حواره مع الجالية الاسبانية في إطار سيادة المغرب على كل مجاله البحري، مما خلق أزمة صامت بين البلدين، كانت وراء تأجيل القمة المشتركة، وبرزت بشكل جلي بعد الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، حيث تم إرباك حسابات الجيران”.

وأكد أستاذ العلوم السياسية ذاته، بالقول “إن المغرب لا يزال متشبثا بالحكمة وملتزم بصدق التعاون مع الجارة الشمالية معلنا على مجموعة من المبادرات التنموية في جميع مناطق المملكة، ومنها المشاريع الضخمة التي يعمل عليها في المناطق الشمالية، مما غير في ملامح المنطقة”، مشيرا “هذه الإنجازات اعتبرتها إسبانيا بمثابة خنق لاقتصاد سبتة ومليلية وبمثابة حرب غير مباشرة، خاصة بعد إنشاء المغرب لمنطقة تجارية في مدينة الفنيدق”.

وختم بنطلحة، حديثه بالقول “إن إسبانيا عليها أن تدرك أن ميزان القوى الإقليمي قد بدأ يتغير، وأن المياه التي تبدو راكدة باتت تجري الآن، ولو بشكل بطيء وتدريجي، وأن هذا الملف الذي لا يزال شبه غائب عن طاولة النقاش والتفاوض، يجب على الدبلوماسية الاسبانية أن ترتهن فيه إلى جيو سياسة واقعية، بدل جيوسياسة ميتافيزيقية أصبحت من الماضي، وأن تستحضر دور المملكة القوي كشريك اقتصادي”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x