لماذا وإلى أين ؟

هل يتوفر المغرب على عرض مسرحي يليق بأكبر مسرح في العالم العربي وإفريقيا؟

مسرح الرباط الكبير يعتبر صرحا معماريا فريدا في هندسته، يزين ضفاف أبي رقراق، ويحتل صدارة أضخم مسارح العالم العربي وإفريقيا، بمساحة تبلغ 47 ألف متر مربع، حيث لا يختلف إثنان على كونه أيقونة معمارية في سماء الثقافة والفنون، بقدرته على استيعاب مختلف العروض المسرحية واعتماده على مختلف الخدمات السمعية البصرية المتطورة.

لكن تهيئة مثل هذه اللبنات في المشهد الثقافي، يجعل المرء يتساءل هل المغرب يتوفر على عرض مسرحي يضاهي مستوى هذه المعلمة البارزة اليوم؟ وهل هذا المسرح الذي صرف عليه الملايير هدفه أيضا النهوض بالعروض المسرحية، أم يبقى مجرد أيقونة للتباهي بها وتسخيرها لإقامة عروض أجنبية؟

هذا المسرح الكبير الذي وقعته المهندسة المعمارية البريطانية-العراقية الراحلة زها حديد، هو امتداد للبنية العمرانية التي انخرط فيها المغرب منذ سنوات من أجل النهوض بالمؤسسات الثقافية بالمملكة، ويعتبر أمرا مدعاة للفخر والاعتزاز، لكن ما لا يجب إغفاله أن بناء المؤسسات، عليه أن يسبقه أو يواكبه على الأقل بناء العقليات وتكوين الموارد البشرية.

المسرح المغربي أو “أب الفنون” يعاني منذ مدة من تراجع لا على مستوى الأفكار ولا على مستوى التشخيص خصوصا مع نهاية الثمانينات ومنتصف التسعينات وتحديدا في عهد “أبو المسرح” الراحل الطيب الصديقي الذي ألحق تجربة المسرح المغربي بركب التجارب العالمية، في حين أصبح الواقع المسرحي اليوم يرثي حاله ويبكي على أطلاله.

قد يقول قائل أن أزمة الإمكانيات ساهمت في تراجع العرض المسرحي بالمغرب، وقد نجيب قائلين “نعم صحيح”، لكن هذا ليس بعذر، لأن تألق المشهد المسرحي في عهد شخصيات أمثال الصديقي والطيب العلج وعبد الرحيم برشيد ومحمد كهرمان وغيرهم لم تكن هنالك إمكانيات سوى إلحاحهم وإصرارهم على إنجاح جميع أشكال الفرجة.

هؤلاء القامات المعروفة في المشهد المسرحي تمكنوا من نقل تجربة المسرح المغربي إلى باقي العالم بتوظيفهم التراث الشفهي والنصوص العربية من خلال الأقاويل المأثورة والزجلية لعبد الرحمان المجذوب، ومقامات بديع الزمن الهمذاني، ونصوص الحلقة، سلطان الطلبة، وغيرها، في الوقت الذي كان فيه الهدف من النهوض بالمجال يرتكز بالأساس على الإنسان وبلورة إبداعاته.

وسائل التكنولوجيا غيرت بشكل كبير وإيجابي من معالم الحياة، وفي شتى المجالات، إلا المسرح ربما تأثر سلبا على اعتبار أن صورته النمطية للمسرح والمتعلقة فقط بالديكور والإضاءة والمسرحيين بقيت كما هي، دون محاولة استغلال التقنيات الحديثة وتسخيرها في خلق عرض مسرحي عصري يزاوج بين الأفكار والتشخيص والجانب التقني التكنولوجي.

بناء المسارح الكبرى فخر كبير للمغرب والمغاربة، وليكتمل هذا الفخر على المسؤولين رد الاعتبار لهذا الفن من الناحية التثقيفية والتربوية أيضا، وذلك من خلال أولا تربية الذوق الفني وتهذيب سلوكات المجتمع وتغيير العقليات وبناء مدارس تعنى بتدريس المسرح وقيمه، وليس تشييد البنيات المعمارية لتبقى مجرد معلمة لا تعكس مستوى العرض المسرحي المناسب لها.

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
krklla
المعلق(ة)
10 فبراير 2021 08:02

العالم العربي وافريقيا
وهل حقا يوجد جينوم عربي
في المغرب ام كيف?
ومثلا انا لست عربيا
هل الحقتموني بالعروبة قسرا
وادمقراطيتاه?!!!!!!!
نفس الممارسات نفس منهجية الاغتصاب
الهوياتي والثقافي والتاريخي.
وهل هذا التعليق قابل للنشر
ام ان الردود التي تقول الحقيقة
لا تنشر?

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x