لماذا وإلى أين ؟

عدم استقرارية الهوية المهنية يُهدد أستاذات اشتكين تعرضهن لـ”التحرش” خلال فض الاحتجاجات

محمد حميدي/صحافي متدرب

بناء على دعوة سابقة من “التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”، هبت أعداد كبيرة من الأساتذة أطر الأكاديميات، حسب تسمية الوزارة،  و”المتعاقدون” حسب ما هو معروف إعلاميا،  نحو العاصمة الرباط يومي الثلاثاء والأربعاء 16و 17 مارس الجاري ، للمطالبة بإدماجهم في الوظيفة العمومية وفق القانون الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية.

وبدا أن الطريقة التي يجري بها التفاعل مع مطالب أساتذة التعاقد لم يطرأ عليها أي تغيير، وظلت المطاردات والإحتكاكات العنيفة سمات حاضرة في هذه التظاهرات أيضا. بيد أن الشيء المستجد هو بروز أشكال جديدة من التدخل لفض احتجاجاتهم، همت على الخصوص العنصر النسوي الذي شكل نسبة هامة من المتظاهرين، إذ تفاجأ الرأي العام المغربي بتداول وانتشار فيديو على منصات التواصل الإجتماعي، يتضمن أستاذة متعاقدة تشكو تعرضها وبعض زميلاتها للتحرش الجنسي من طرف بعض أفراد القوات العمومية التي شاركت في فض الاحتجاجات المذكورة، وهو الأمر الذي يدفع للإستفسار عن حيثيات الواقعة ومآلها النفسي على الأستاذات المتحرش بهن.

تحرش وألفاظ نابية
نزهة مجدي، والعضو السابق بالمجلس الوطني للتنسيقية الوطنية ، ومنسقتها بجهة سوس ماس، تكشف لـ”أشكاين ” في معرض تعقيبها عن الفيديو الذي ظهرت فيه تشكو تعرضها لـ”التحرش الجنسي”، عن “حجم العنف الرمزي الذي تعرض له الأساتذة المحتجين وعن انتهاكات حقوق الإنسان في حقهم، على أن هذا العنف تزداد حدته حينما يتعلق الأمر بالعنصر النسوي، إذ جرى التحرش الجنسي بالأستاذات المتعاقدات تحت ذريعة حماية أفراد القوات العمومية، وهو مايدفع في اتجاه مساءلة الحكومة عن شرعية هذا العنف ومبرراته في ظل سلمية الشكل الاحتجاجي النضالي”، على حد قول المتحدثة.

وعن حيثيات حادثة التحرش بها، تقول مجدي، إنها “حينما كانت بصدد إسعاف أحد زملاءها الأساتذة سرق منه هاتفه من طرف عون سلطة وتعرض للتعنيف بعد أن اتهمه بذلك، أحاط بهم مجموعة من عناصر الوقات المساعدة تتقدمهم قائدة تطلب منهم تفريقنا بالقوة، وهي السابقة من نوعها في أركان المملكة المغربية التي تتبنى الشريعة الإسلامية التي تحرم انتهاك عرض النساء وتجرمه باسم القانون الذي يعاقب على أشكال التحرش الجنسي بالمرأة في الفضاء العمومي”.

وتضيف ذات الأستاذة أن “عددا من عناصر الوقات المساعدة، قاموا متعمدين بلمس مناطق حساسة من جسدها، منفسين عن مكبوتاتهم بكل ما أتيح لهم من إمكانية، العصى والتحرش الجنسي، مع إرفاق عملية التحرش هذه بتهديدات من قبيل: انصرفي أو اهتك دبرك بالعصا أيتها العاهرة”.

وترى مجدي ، أن الأفعال التي تقول إنها تعرضت لها وزميلاتها، “لم تكن حالة شاذة أو فردية لمخازني  واحد، بل كانت موجهة من القائدة نفسها، التي بدورها تلفظت بألفاظ نابية”، تذكر المتحدثة منها قولها “بلغة مستفزة ووقحة ،هيا اهتك دبر العاهرات بالزرواطة”، وما هذه العبارة حسب مجدي إلا “ترجمة بسيطة لما ورد على لسان القايدة، استحياء من ذكر تلك الألفاظ بالدارجة ” والتي “كان لها وقع نفسي كبير وخطير على الأستاذات”.

المتحدثة أكدت أنها “ليست وحدها التي تعرضت للتحرش الجنسي، بل هناك زميلات أخريات لها تعرضن للتحرش، لكنهن يستحيين ويرفضن التعبير عما تعرضن له”.

ضرر نفسي قد يصل حد الإكتئاب:

على اتصال بالضرر والإنكسار النفسي الذي خلفه وسيخلفه هذا التحرش حسب الأستاذة مجديـ، يرى الأخصائي النفسي الدكتور كرم الفطواكي، أن فهم هذا الضرر، يتطلب الوقوف أولا عند كون الإحتجاج الذي قام به الأساتذة المتعاقدون يأتي بدوافع نفسية ذهنية ووجدانية، تتلخص في كونهم “لايملكون مستقبلا مريحا مايجعلهم يعانون من الحرمان على المستوى العاطفي”.

ليخلص الأخصائي ذاته، إلى الإقرار بتعرض الاستاذات المتحرش بهن إلى “نوع من الصدمة النفسية وعدم استقرارية الهوية المهنية “، وهو مايؤثر على الوضعية النفسية لهن ، سواء على المستوى العاطفي أو المستوى العلائقي أو المستوى الإجتماعي، وقد يصل تأزم هذه الوضعية إلى الشعور بالإحباط والإكتئاب وقلة التقدير الذاتي، لأنهن كانّ يتوقعون نفسيا الإعتراف بهنّ كمواطنات أولا ثم كأساتذات ثانيا.

ورد الأخصائي النفسي كرم الفطواكي هذه السلوكات، إلى عدم توفر المؤسسات الأمنية المتدخلة في فض الإحتجاجات، على متخصصين في علم النفس الجماعي ومتخصصين في السلوكات الاجتماعية لتأطير المحتجين، ولكي لا تؤول الأمور إلى نتائج نفسية في مثل هذه الحالة يصعب التأقلم معها.

تنديد واسع ومطالبات بالمساءلة:

وخلفت هذه الممارسات غير المسبوقة في حق الأستاذات، استياء بالغا في أوساط جملة من المنظمات النسائية االسياسية والمدنية، في مقدمتها منظمة نساء المؤتمر الوطني الإتحادي، التي أصدرت بيانا شجبت فيه ما وصفته بـ”السابقة التي تؤكد التراجعات الخطيرة في المجال الحقوقي ومجال الحريات بالبلاد”.

وعبرت المنظمة ذاتها في بيانها، عن “تضامنها المطلق مع الأستاذات اللواتي تعرضن للتحرش الجنسي”، مطالبة في الوقت ذاته، بـ”فتح تحقيق عاجل وجاد في الموضوع ، بغية محاسبة المتورطين فيالممارسات المشينة، بما يكفل تفعيل مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب” .

كما استنكر المكتب السياسي للحزب الإشتراكي الموحد، ما وصفه بـ”الأفعال المشينة التي صدرت عن بعض أفراد قوات الأمن  وتجاوزت التحرش اللفظي إلى الجسدي على أستاذات، وهو مايستدعي المطالبة بفتح تحقيق مسؤول لأجل ضمان عدم تكرار هذه السلوكات الرعناء” على حد وصف البلاغ..

ومن جهتها أدانت حركة خميسة “ما تعرضت له نساء التعليم من تحرش جنسي من طرف رجال الأمن”، بحسبها، وذكرت الحركة ذاتها بالمادة الأولى من قانون العنف ضد النساء، الذي يدخل أي فعل أو قول أو استغلال من شأنه المساس بحرمة جسد المرأة، داخل خانة التحرش الجنسي، داعية هي الأخرى (حركة خميسة) إلى “محاسبة المتورطين في الإعتداءات الجنسية التي تعرضت لها المشاركات في المسيرة”.

نفي أمني

من جهتها نفت ولاية أمن الرباط، بشكل قاطع، “صحة الادعاءات والمزاعم التي تم الترويج لها بشكل مغلوط على مواقع التواصل الاجتماعي، والمتعلقة بلجوء قوات حفظ النظام التابعة للأمن الوطني إلى استخدام القوة والعنف أثناء تفريق تجمهرات متفرقة نظمها أعضاء تنسيق مهني للأساتذة المتعاقدين بمجموعة من المحاور الطرقية بمدينة الرباط”.

وأكدت ذات الولاية في بلاغ سابق لها أن “عناصر الشرطة قامت بتوجيه الإنذارات القانونية، قبل أن تباشر عملية تفريق تجمهر حاول تنظيمه المحتجون بالشارع العام، في خرق لإجراءات حالة الطوارئ الصحية، وذلك دون أن يتم تسجيل استعمال أي من الوسائل والمعدات النظامية للتدخل الموضوعة رهن إشارة عناصر الشرطة”، مضيفة أنه “قد تم رصد مجموعة من حالات التظاهر بالإغماء بين المحتجين، تم نقلها إلى المستشفى الذي غادرته على الفور، دون تسجيل أية حالات للاستشفاء على خلفية هذا العمل النظامي، بخلاف ما تم تناقله إعلاميا بشكل مشوب بالتحريف من ادعاءات حول تسجيل إصابات جسدية من بين المحتجين على خلفية التدخل الأمني المزعوم”.

وأوضح أصحاب البلاغ أن ” عناصر قوات حفظ النظام باشرت تنفيذ ترتيبات أمنية بعين المكان، تروم تطبيق إجراءات الوقاية التي تنص عليها حالة الطوارئ الصحية، فضلا عن ضمان حرية التنقل بمدينة الرباط”.

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
مواطنة
المعلق(ة)
23 مارس 2021 08:40

ضرر نفسي ههه. من تحرش بهن؟؟؟ لقد كانوا وسط أصدقائهم من الرجال.

سعيد
المعلق(ة)
22 مارس 2021 21:52

العاااالم شاهد صوت وصورة وعلى المباشر الاساتدة نساء ورجال وهم يتعرضون لركل والرفس والضرب بالنصوصة والسرقة والمخزن يقول انه ملاك طاهر لم يضرب احد مع العلم ان الفيديوهات موجودة وشاهدها العاالم

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x