لماذا وإلى أين ؟

إسبـانيـا تنتصر “للمُقاربة الواقعية ” في ملفّ الصحراء المغربية

عبد الله بوصوف

إن قضية الصحراء المغربية هي قضية كل المغاربة في الداخل و الخارج مسؤولين ومواطنين معا، أي قضية إجماع وطني، لذلك واظب جلالة الملك على إطلاع الشعب بكل التفاصيل وبكل الأخبار سواء عن طريق الخطب أو الرسائل أو البلاغات…وهو ما سهل على الشركاء الدوليين الوصول لقناعة مهمة مفادها أن الصحراء المغربية هي جوهر الوحدة الوطنية وهي السقف الذي لا يجب المساس به او التفاوض بشأنه، وان مغربية الصحراء هي حقيقة ثابتة، لا نقاش فيها بحكم التاريخ والشرعية وبإرادة قوية لأبنائها وباعتراف دولي.

لقد حددت الخطابات الملكية الأخيرة، خاصة خطابيْ ثورة الملك والشعب والمسيرة الخضراء لسنة 2021 الإحداثيات الجديدة لكل تعامل اقتصادي أو تجاري مع المغرب، كما حددت بدقة معالم حُسن الجوار واحترام الخصوصيات الوطنية والتاريخية؛ حيث طالب المغرب كل شركائه بتبني مواقف أكثر جرأة ووضوحا بخصوص قضيتنا الوطنية، كما حذر أصحاب المواقف الغامضة والمزدوجة بعدم استعداد المغرب للدخول معهم في مشاريع اقتصادية وتجارية لا تشمل الصحراء المغربية.

هذه الإحداثيات وضعت قضية الوحدة الترابية في دينامية إيجابية لا يُمكن توقيفها تُـوِجَت بالاعتراف السيادي الأمريكي بمغربية الصحراء و بافتتاح عدد كبير من القنصليات (24قنصلية) سواء بالعيون أو الداخلة المغربيتين،وبانخراط الممثلين الحقيقيين لسكان الصحراء المغربية في أوراش البناء والتنمية وكذا في الدفاع عن مغربية الصحراء من داخل منظمات وهيئات أممية.
هذا في الوقت الذي واصل فيه النظام الجزائري تشويه صورة المغرب بالخارج و “شيطنته” داخل القطر الجزائري الشقيق، والقيام بإجراءات أحادية من أجل عزل المغرب عن محيطه المتوسطي وعمقه الإفريقي، لكن مساعيه كانت تخيبويعود في كل مرة بخُفيْ حَـنيـن.

ولعل ما تضمنه البلاغ الملكي ليوم 19مارس 2022، بخصوص رسالة رئيس الحكومة الاسبانية “بيدرو سانشيز” بتبني “المقاربة الواقعية” وأن الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب منذ سنة 2007هو الأساس الأكثر جدية و واقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف،يــدخل في صُلب تلك الديناميكية. فهو من جهة أحاط الشعب المغربي بتطورات إيجابية في ملف وحدته الترابية، ومن جهة ثانية أعلـن عن نهاية أزمة غير مسبوقة في التاريخ الحديث للمملكتين العريقتين الجارتين،والتي أشعل فتيلها استقبال زعيم الإنفصاليين بنبطوش/ إبراهيم غالي الملطخة يـداه بدماء القتلى والمعتقلين والمختفين قسريا داخل مخافر التعذيب والاغتصاب. وهي الأزمة التي استغلها النظام العسكري بالجزائر من أجل تسميم الآبار المشتركة بين المغرب واسبانيا بما فيها الهجرة والمبادلات التجارية و التعاون الأمنيوالقضائي وغيرها من الملفات المشتركة بين البلديين.

لن نلتفت الي رَدًات الفعل الغاضبة من النظام العسكري بعد الموقف التاريخي للدولة الاسبانية بخصوص ملف الصحراء المغربية واستدعاءه لسفيره بمدريد للتشاور، بعد فشله في توظيف سلاح أنابيب الغاز الطبيعي،وبعد انتهاء صلاحية بضاعة بعض “باعة المواقف” من صحافيين وكتاب و سياسيي الصف الخامس بإسبانيا؛ كما لن نلتفت لـدموع التماسيح من مُـروجي الأطروحة الانفصالية وسعيهم لشراء الأصوات وتفصيل تقارير ضد الوحدة الترابية المغربية. بل سنتطلع للمرحلة الجديدة التي أعلـن عنها رئيس الحكومة سانشيز وفَـصّـل مضامينها وزير الخارجية خوسي مانويل ألباريس، والتي تقوم على الإحترام المتبادل واحترام الإتفاقيات وغياب الإجراءات الأحادية و الشفافية و التواصل الدائم.

لكن ونحن نُـعيد قــراءة معالم المرحلة الجديدة بلسان وزير الخارجية الإسباني يوم 19مارس 2022، نكاد نعيد قراءة نفس فقرات خطاب ثورة الملك والشعب ليوم 20غشت من سنة 2021 عندما قال جلالته “إننا نتطلع بكل صدق وتفاؤل لمواصلة العمل مع الحكومة الاسبانية ومع رئيسها معالي السيد Pedro Sanchez من أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين على أساس الثقة والشفافية والغحترام المتبادل و الوفاء بالإلتزامات….”.

و بالرجوع لنفس الخطاب سنقف على أن هذه النتيجة التاريخية  كان من وراءها جلالة الملك محمد السادس من جهة بقولـه يوم 20غشت 2021 “تابعت شخصيا وبشكل مباشر سير الحوار و تطور المفاوضات…” ،  و من جهة أخرى العاهل الاسباني “فيليبي السادس” الذي صرح خلال استقباله للسلك الديبلوماسي المعتمد بمدريد في يناير من سنة 2022 بمتانة العلاقات الديبلوماسية بين مدريد والرباط وضرورة الدفع ببناء علاقات مؤسساتية أكثر صلابة وقوة في الفترة المقبلة قصد إيجاد حلول ناجعة؛ وسيُـتبعها بعد أيام قليلة فقط  بزيارة ودية بدلالات رمزية و سياسية إلى الرواق المغربي بالمعرض الدولي للسياحة بمدريد.

لقد حاولت بعض الأصوات المُمَولة من طرف “سوناطراك” عـبثـا تغليط الرأي العام، وذلك بـربط الموقف الجديد لإسبانيا برئيس الحكومة سانشيز فقـط، و بنشر لائحة أحزاب تطالب رئيس الحكومة بالمثول أمام البرلمان لشرح الموقف الجديد. لكن المثير هو الرد القوي عليها من طرف شخصيات اسبانية وازنة تنتمي إلى عالم السياسة و الفكر و المال و الأعمال و مسؤولين سابقين و وزراء وعمداء مدن وكتاب و صحافيين مرموقين.

وهنا لا بد أولًا من ســرد بعض الأحداث التاريخية الـدالة على القناعة السياسية والواقعية الجديدة للدولة الاسبانية في ملف الصحراء المغربية، قـبل رسالة رئيس الحكومة سانشيز والخروج الإعلامي لوزير الخارجية الاسباني يوم 19مارس. ونعني به أولًا، اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الاسباني بنظيره الأميركي “أنتوني بلينكن” في يناير 2022 من أجل توحيد الجهود لحل نزاع الصحراء المغربية، وأن الحل السياسي أصبح غير قابل للتأجيل، لأن غير ذلك يعني ترك المشكل قائما لعقود مقبلة.

وثانيا، بيان وزارة التحول البيئي الإسبانية في شهر فبراير 2022 و الذي أعلنت من خلاله الدولة الاسبانية استعدادها لضمان أمن المغرب الطاقي باستعمال أنبوب الغاز MEG و الذي كان مستعملا سابقا في نقل الغاز الجزائري عبر التراب المغربي.

كما أنه من الـمفيد ثالثـاً، التذكير بأن الأحزاب التي طالبت بمثول رئيس الحكومة لتقديم توضيحات بشأن الموقف الجديد بخصوص الصحراء المغربية هي أحزاب صغيرة ذات نزعة قومية (الباسك) أو نزعة انفصالية (كطلونيا) أو بقايا تيارات حقبة الديكتاتور الجنرال فرانكو و شتات اليسار الراديكالي الإسباني المخمور بشعارات الحرب الباردة.

إن تبني الدولة الإسبانية للمقاربة الواقعية في ملف الصحراء المغربية له نفس منزلة الموقف الألماني الواقعي/ السياسي، بتبني الحكم الذاتي المُقترح من طرف المغرب؛ لكنه يرتفع عنه بعض الشيء، على اعتبار أن اسبانيا هي الدولة المستعمِرة السابقة للصحراء المغربية (1884/1975)، وهي بذلك تشترك مع المغرب في التاريخ المشترك للمنطقة.أضف أن اغلب قادة البوليساريو يتكلمون اللغة الإسبانية ويحملون جوازات اسبانية ويتواجد بها أكبر عدد من جمعيات الإنفصاليين، وهو ما جعل بحق من الإعلان عن الموقف الإسباني الجديد زلزالا قويا زعزع أركان النظام الجزائري و طارت معه خيمات تندوف.

ويبقى الانزعاج الجزائري الآن هو الخوف من تأثير “الدومينو السياسي” و خروج شركاء آخرين من الدائرة الرمادية و تبني المقاربة الواقعية / السياسية في ملف الصحراء المغربية. لذلك سنواصل التعبئة و اليقظة بكل الهدوء و الوضوح والمسؤولية لأن مَـن يـمْلك الــحَق يَـملك الـقُـوة.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x