2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

خصّ الملك محمد السادس في خطابه الأخير الشركاء التقليديين برسالة مفادها وجوب وضوح في موقفهم في ملف الصحراء، حيث قال، في خطاب وجهه، السبت 20 غشت الجاري، بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب: “أوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.
واعتبر متابعون للشأن السياسي أن هذا التحول المتزايد في الخطاب المغربي بشأن ملف الصحراء، كان المقصود منه في الخطاب الأخير حث الشركاء التقليديين، وعلى رأسهم فرنسان باتخاذ مواقف واضحة من الملف، وأن أي تعامل خارج الاعتراف بوحدة المغرب الترابية هو تهديد غير مباشر لاستمرار هذه العلاقات، وهو ما يطرح تساؤلات عريضة عن السيناريوهات المستقبلية للعلاقات المغربية الفرنسية، خاصة بعد هذا الخطاب.
مؤشرات أزمة صامتة
وفي هذا السياق، أوضح الخبير في العلاقات الدولية، تاج الدين الحُسَيْني، أن “الوضعية بالنسبة لفرنسا أصبحت مقلقة إلى أبعد الحدود، نظرا لأنها أصبحت تعيش ما يمكن أن نعبر عنه بأزمة صامتة، فعندما يتحدث أحد المسؤولين الفرنسيين أو المغاربة لا أحد يعبر عن الامتعاض، اللهم في حالة واحدة متعلقة بالتراجع الملحوظ في عدد التأشيرات المخولة للمواطنين المغاربة”.
وأضاف الحسيني، في تصريحه لـ”آشكاين”، أن البعض كان يعتقد أن هذا النوع من التقليص يطال ربما الفئات التي لا تتوفر على ضمانات بخصوص العودة إلى البلاد أو البقاء بصفة غير شرعية أو ما إلى ذلك، لكنه ثبت فيما بعد أن الأمر يتعلق بقرار سياسي صدر على أعلى المستويات، هدفه إرسال رسالة قوية إلى المغرب تتمثل في تحجيم التأشيرات حتى بالنسبة للأشخاص المتخصصين والوزراء السابقين والأطباء المرموقين وغيرهم، وهو الخروج القوي الذي يثبت أن هناك أزمة صامتة بين البلدين”.
واعتبر الحُسَيني أن “أسباب هذه الأزمة ترتبط بمواقف غير مفهومة للسلطات الفرنسية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية المغربية، إذ أن السلطات الفرنسية، منذ الاستقلال إلى الآن، كانت تفهم المغرب على أنه دولة في موقع التابع، أي أنها قد تخدم مصالح فرنسا في قلب القارة الإفريقية، قد تقوم ببعض المبادرات على مستوى احتضان بعض الصناعات الفرنسية بالمغرب، من خلال عملية تدوير الإنتاج والتوزيع”.

موردا أن “القيادة الفرنسية كانت تعتبر أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء سيكون آخر ورقة يلجأ إليها المغرب، لكن الأخير سبق الأحداث وحقق هذا التعاون، وهو ما تعتبره فرنسا كخروج عن الخط الذي رسمته الاستراتيجية الفرنسية للتعامل مع المغرب، وهذا ظهر بشكل واضخ، ليس فقط في الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، ولكنه ظهر أيضا في إعادة العلاقات مع ألمانيا التي تعد شريكا قويا لفرنسا، وذلك دون الاستشارة مع الفرنسيين أو دون مراجعة معهم، ونفس الأمر مع إسبانيا، التي تعد الآن المنافس الرئيسي لفرنسا على مستوى التجارة الاستثمار”.
وأردف محدثنا “أن فرنسا غير راضية على هذا الوضع وتعتبر أن المغرب لم يصل بعد لسن الرشد الذي يؤهله كي يتعامل هكذا بحرية مع مكونات المجتمع الدولي دون الرجوع إلى الموافقة والرأي الفرنسي”.
وشدد على أنه “على المستوى الاقتصادي، هناك نوع من طلبات العروض التي لن تكون فيها فرنسا المنافس الوحيد، بل ستكون دول أخرى بينها ألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والصين، ومثالا على ذلك خط القطار السريع الذي قد يصل الدار البيضاء بأكادير تتنافس فيه فرنسا مع الصين، وقد تكون العروض الصينية أقل تكلفة مما تعرضه فرنسا”.
ولفت الانتباه إلى أن “فرنسا كانت تعول على أن المغرب سيبقى شريكا منضبطا حتى في أشياء مستقبلية، لكن المغرب شرع في دراسات جد موفقة فيما يتعلق بجبل التروبيك والاحتياطات الموجودة به من معادن نفيسة للمستقبل مع جهات أخرى دون التشاور مع فرنسا”.
“دون أن ننسى ملف الهجرة وما ارتبط به من مضاعفات”، يسترسل الحسيني شارحا: “بحيث أن فرنسا تؤاخذ على المغرب رفضه إرجاع بعض مواطنيه الذين يوجدون في وضعية غير شرعية، وهو ما اعتبرته فرنسا نوعا من العصيان وإن كانت قد وضعت في اللائحة كلا من الجزائر وتونس، ولكنها للأسف تركز على المغرب لتوفره على جالية كبيرة ومهمة “.
ويرى الحسيني أن “هذه الأسباب ذات طبيعة اجتماعية وتكنولوجية وأسباب أخرى ترتبط بالميزان العسكري، إذ أن فرنسا ترى في المغرب منافسا أكثر من كونه شريكا، وكلها أسباب يمكن لفرنسا أن تتراجع بشأنها، إذ أن خط الرجعة موجود”.
وأبرز أنه “على القيادة الفرنسية أن تدرك أن المغرب لم يعد ذلك الشريك التابع بل هو شريك مستقل، وأن العلاقات معه يجب أن تندرج في منطق رابح رابح، وفي إطار المصالح المشتركة لبناء مصالح الجميع”.
واسترسل أن “هناك عنصرا آخر لا يجب أن نهمله في هذه المعادلة، وهو أن فرنسا في عهد ماكرون خاصة بعد إعادة انتخابه، أصبح يلحق به عددا من المستشارين الشباب، وهم فئات مسبوغة إلى حد كبير بالنظرة الاشتراكية التقليدية التي ترى في المعترك الغربي من السلوك غير المثالي في العلاقات الدولية، وهؤلاء المستشارون يبدون مواقفا كثيرة التحفظ بخصوص دعم المغرب في قضية الصحراء، ويعتبرون أن اللجوء إلى الضوابط الدولية التي تتبناها الجزائر يمكن أن يكون هو ورقة الفصل بالنسبة للموقف المستقبلي لفرنسا، وهو ما ستكون له انعكاسات خطيرة على الموقف الفرنسي داخل مجلس الأمن وفي منظمات أخرى”.
سياريوهات الأزمة
وفي جوابه على سؤال “آشكاين” عن سيناريوهات العلاقات المغربية الفرنسية مستقبلا، أكد الحسيني أنه “يمكن وضع سناريو الأمل لهذه العلاقات، وهو الذي يفترض أن يتفوق مستقبلا، نظرا لكون العلاقات بين الجانبين ليست بالعلاقات العادية أو التقليدية او السهلة، بل هي جد متداخلة، لأن مصالح فرنسا بالمغرب على مستوى الاستثمار كبيرة ومهمة، منه ما يعرفه المغرب من ثورة اقتصادية في صناعة السيارات: رونو وبوجو وغيرهما، وفي صناعة الطائرات المصنوعة بتعاون أوروبي”.
وتابع أن”التعاون الفرنسي المغربي لا يمكن لأحد أن يفكر انه سيلغى بين عشية وضحاها، علاوة على التواجد الثقافي والحضاري، حيث أن جل الزبدة المغربية تدرس في البعثات الفرنسية، والتعاون الثقافي، وأكبر الجاليات الفرنسية موجودة في المغرب وبالمثل أكبر جالية مغربية في أوربا موجودة في فرنسا”.
وخلص إلى أنه “لا يمكن لأي كان أن يقول بجرة قلم إن سيناريو المستقبل هو التشاؤم، إذ أن هذا التفاؤل يرجع لكون العلاقات الفرنسية المغربية عرفت في الماضي أزمات أكثر حدة وعمقا من هذه التي نعيشها اليوم، وهي أحداث تنتهي دائما بطي الصفحة والرجوع إلى الحكمة ووعي المصالح الاقتصادية والحيوية التي هي محرك هذه العلاقات”.
سيناريو اليأس يخدم الجزائر
معتبرا أن “سيناريو اليأس إذا حاولنا أن ننظر إلى معانيه يمكن أن يظهر واضحا من خلال منافس أكثر حدة، وهو الطرف الجزائري الذي يلعب كل الأوراق بسخاء من أجل شيء واحد، هو أن يواجه المغرب وحطم الأطروحة المغربية”.
مؤكدا على أن “فرنسا في إطار مفاوضاتها السرية، قد تحصل من الجزائر على مكاسب لا تعد ولا تحصى، سواء من خلال السعر التفصيلي لسعر الغاز، أو على مستوى البترول أو دور الشركات الفرنسية بالجزائر، مقابل ما تقوم به الصين، وهدف الجزائر هو تحطيم الأطروحة المغربية، وقد يكون لماكرون نوع من الطموح لتحقيق هذا النوع من الأهداف، ولول مرحليا، وزيارته للجزائر في 25 غشت الجاري، لن تكون بعيدة عن هذه الأهداف”.
وذهب الحسيني باعتقاده إلى أن “سلطان الوعي قد يتحكم في الفرنسيين وتبقى فرنسا التي عرفت في الماضي وهي الموازنة بين الجزائر والمغرب، من أجل الحفاظ على مصالحها الحيوية مع الطرفين وتحقيق أكبر عدد من المكاسب دون تفريط في مصالحها العليا وتعود المصالح إلى مجاريها بعد وقت غير بعيد”.