لماذا وإلى أين ؟

المرزوقي: استقبالُ سعيد لغالي يُشكل مُنعطفا خطيرا

قدم الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، قراءة و تحليلا للوضع العام على مستوى المنطقة المغاربية كما شرح السياق التاريخي للوحدة المغاربية التي تشهد تخبطات غير مسبوقة في ظل النزاعات الفارغة و التشنجات المفتعلة من بعض الأطراف لنسف أي مبادرة هادفة من شأنها أن ترأب الصدع و توحد الصفوف. الشيء الذي يسعى إليه المغرب جاهدًا، كما يتجلى ذلك بشكل واضح من خلال دستور 2011 الذي صوت عليه الشعب المغربي و الذي ينص علنًا في ديباجته على ضرورة “العمل من أجل بناء الوحدة المغاربية كخيار استراتيجي” لا محيد عنه. كما لم يفوت الفرصة للتعبير عن مدى احترامه و تقديره للملك محمد السادس، الذي وقف دائما إلى جانب الجمهورية التونسية و إلى جانب الشعب التونسي، حيث أسدى خدمات لا تقدر بثمن، سواء عند زيارته المطولة لتونس لمساندتها في اجتياز محنتها آنذاك أو مؤخرا إبان أزمة كوفيد-١٩.

المرزوقي وخلال استضافته في لقاء تواصلي عن بعد، نظمته يوم الجمعة الماضي، تنسيقية مغاربة العالم لحزب الإستقلال، أشار إلى الصدمة الكبيرة التي تلقاها عقب الخطوة الخطيرة و غير محسوبة العواقب، حسب تعبيره، التي قام بها الرئيس التونسي الحالي قيس سعيد، و المتجلية في استقبال زعيم “الجمهورية الصحراوية” الوهمية يليق فقط باستقبال رؤساء الدول و ليس ممثل جبهة البوليساريو التي يصنفها بعض المراقبين و المنظمات الدولية كجماعة متطرفة، معتبرا أن هذه الخطوة تشكل منعطفا خطيرا في العلاقات الثنائية الأخوية بين البلدين الشقيقين و كذلك اختلافا جوهريا في ما يخص السياسة التونسية المعهودة و الواضحة المعالم منذ الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة حتى عهد قريب جدًا.

و أضاف المرزوقي في ذات اللقاء الذي نشطه الحاج شفيق، مستشار رئيس مجلس المستشارين و منسق حزب الاستقلال بأوروبا لمغاربة العالم، (أضاف) بأن الاستقبال الذي جرى يعد اعترافا ضمنيا بالكيان الوهمي “لكون الاستقبال جرى تحت علمين مختلفين، علم تونس كدولة معترف بها وعلم البوليساريو” وهو ما يعد بمثابة “الضربة لسياسة تونس الأزلية التي لا يجب أن تقع في فخ شقيق ضد شقيق آخر” في إشارة ضمنية الى دولتي الجوار الجزائر و المغرب. منددا (المرزوقي) بشدة كبيرة بما وقع في قمة تيكاد-8 لشهر غشت الماضي، حيت اعتبر بأن ذلك يشكل خطوة غير مبررة من شأنها إدخال الدول المغاربية في دوامة صراعات هي في غنى عنها، بحكم أنها ستساهم في تعطيل مسلسل بناء المغرب العربي الكبير الذي هو أصلًا معطل منذ عدة سنوات.

وأوضح أن الموقف التونسي الحالي سابقة في تاريخ العلاقات التونسية المغربية، التي عرف عنها دائما التقارب و التوافق و التناغم في المواقف، و هي تعد علاقات متميزة على المستوى المغاربي، لكن ما حدث في الآونة الاخيرة قلب كل الموازين. ثم عرج ليؤكد أن ما و قع هو بدون أدنى شك مسألة ظرفية محددة و سحابة صيف عابرة لا يمكنها في أي حال من الأحوال أن تستمر لمدة طويلة، نظرًا للأخوة و العلاقة الطيبة و المتميزة التي تجمع بين الشعبين الشقيقين.

وشدد المرزوقي على اعتقاده الراسخ واقتناعه العميق بمغربية الصحراء و سيادته التاريخية عليها و المتجذرة الضاربة في عمق التاريخ و بأن المسلك السياسي المتبع من طرف الحكومة الجزائرية في هذه القضية المفتعلة كان على الدوام مجانبا للصواب و للأعراف المتداولة بين الجيران و شعوبهم الذين توحدهم اللغة و الدين و الثقافة و التقاليد. و لم تفته الفرصة للتذكير بأن هذا الموقف لا يعبر بالإطلاق على رأي أو نظرة الشعب الجزائري، حيث قال إن هناك فرقًا شاسعًا بينه و بين الموقف الرسمي للحكومة الجزائرية.

وأكد المرزوقي  أن موقفه لا ينبني بتاتا على تعلقه الشخصي بالمغرب، بل هو متعلق بالمنطق و العقل اللذين يفرضان التحلي بخصال الصراحة و الوضوح و الإعتراف بشرعية سيادة المغرب التاريخية على أراضيه. و في هذا الإطار، فند الأسطوانة الجزائرية المتآكلة بشأن الصحراء المغربية، متسائلا باستغراب عن قصة “استعمار” المغرب لصحرائه، التي هي جزء لا يتجزأ من التراب المغربي كان خاضعا فيما قبل للإستعمار الاسباني على غرار منطقة الشمال قبل أن يتمكن المغرب من اكتمال استقلاله.

في سياق آخر، أثار الانتباه إلى الآثار الوخيمة التي تعاني منها الشعوب المغاربية ضحية السياسات الفارغة و الحسابات الضيقة التي أفسدت العلاقات بين دول الجوار والتي هي الآن بصدد إفسادها بين الشعوب أيضا إن استمرت على حالها، حيث بدأ، على حد قوله، السم يتسلل بين الشعوب المغاربية وهو ما يشكل ضربة قاسية لعلاقاتهم الطبيعية. كما عرج كذلك على معاناة الصحراويين أنفسهم من السياسة الجزائرية، مشيرا إلى أنهم أكبر نتاج و ضحية لهذه السياسة، متسائلا مرة أخرى: من يصدق أن 100 ألف أو 200 ألف من الصحراويين الموجودين في تندوف منذ عقود أبناؤهم سيبقون هناك ؟ من يتصور أنهم سيعودون بعد تحرير المنطقة ؟ وهو الأمر الذي لن يحدث إلا اذا تم تدمير المغرب عسكريا وهو أمر لن يحصل!

و للإجابة على أسئلة أعضاء و عضوات تنسيقية مغاربة العالم لحزب الاستقلال، قال المرزوقي إن الاختيار الذي نهجته الحكومة الجزائرية بجعل قضية الصحراء المغربية قضية جوهرية لها و لسياستها الخارجية أدى الى تدمير الاتحاد المغاربي من الداخل، وأيضا تدمير حظوظ شعوب المنطقة ككل و كذا إمكانية التقدم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي ودمر بالأساس ” هؤلاء المساكين الموجودين في تندوف الذين ليس لهم أي مستقبل سوى البقاء جيلا بعد جيلا في هذا المكان..”. و هنا ذكر المرزوقي سعيه الحثيث خلال فترة رئاسته لتونس الشقيقة لإذكاء الروح و المضي قدماً بالاتحاد المغاربي، عبر مقترحات سهلة التنفيذ بدءًا بإرساء مبدأ الحريات الخمس وهي : حرية التنقل وحرية الاستقرار و حرية العمل و الاستثمار وحرية الملكية وحرية المشاركة في الانتخابات البلدية لكل المواطنين المغاربيين. مجهودات ذهبت مهب الريح و مقترحات باءت بالفشل للأسف.

وفيما يخص  التصور الاستشرافي للوحدة المغاربية في ظل الخلافات الدائمة بين دول الجوار، أكدالمتحدث نفسه، أن الحل واضح و جلي، وهو العودة إلى الاتحاد المغاربي الذي في كنفه ستحل قضية الصحراء، وأضاف موجها خطابه للصحراويين : “دائما أقول للإخوة الصحراويين بأن الاتحاد المغاربي هو الحق الحقيقي لأنه آنذاك ستكون لكم خمسة أوطان بدلا من وطن واحد..وطن صغير وهو المغرب و وطن كبير أي الاتحاد المغاربي..وآنذاك يمكنكم أن تدرسوا في تونس وأن تستقروا في الجزائر وتفتحوا مصانع في ليبيا”.

وشدد على “حاجة الشعوب المغاربية إلى فضاء شاسع يحتضن الجميع، فلا المغرب و لا الجزائر ولا تونس ولا ليبيا ولا موريتانيا يستطيعون التحرك والتقدم وسط هذه الحدود، فهذه الحدود – يضيف – لعنة لهذا رفعوها في أوروبا وأصبح هناك فضاء لـ 500 مليون نسمة”. مردفا أنه “ليست هناك أدنى إمكانية لأي شعب أن يتطور وسط فضاء صغير و ضيق، لكن للأسف – يقول المرزوقي – من حبسوا عقولهم وقلوبهم في سردية خاطئة وتسمموا بهذه السردية سيواصلون التسمم بها وأنا لا أعتقد أنهم سيغيرون هذه السردية، لذلك فالأمل الوحيد هو التغيير الذي قد تحمله الأجيال السياسية القادمة للشعوب المغاربية، عبر القطع مع السرديات القاتلة والمميتة وأن يفهموا بأن مصيرهم واحد وأنهم لابد أن يعيدوا الحياة للاتحاد المغاربي”.

يذكر أن  اللقاء المذكور عرف مشاركة مهمة للعديد من الشخصيات السياسية المغاربية اللامعة من قبيل عبدالقدوس السعداوي، كاتب الدولة للشباب في عهد الرئيس السابق الفقيد محمد الباجي قائد السبسي و هو من الجالية التونسية المقيمة بفرنسا، و كذلك عدد من الوجوه السياسية المغربية البارزة المقيمة بالخارج المناضلة في حزب الاستقلال، كما عرف أيضا مشاركة لشخصيات مغربية مرموقة فاعلة في المجتمع المدني بكل من أوروبا، كندا، أمريكا، إفريقيا و آسيا، حيث تم التطرق فيه للعديد من المواضيع ذات الأهمية البالغة، كراهن و مستقبل العلاقات الثنائية بين تونس و المغرب في غضون الأزمة الحالية و كذا التصور الاستشرافي للوحدة المغاربية في ظل الخلافات الدائمة بين دول الجوار.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
محمد أيوب
المعلق(ة)
10 أكتوبر 2022 22:57

تصحيح:
منصف المرزوقي وليس أيمن المرزوقي…

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x