لماذا وإلى أين ؟

متدربو مركز التوجيه والتخطيط التربوي يتساءلون

ذ. الغازي لكبير

التربية بناء، وكل بناء على أساسه يقوم. يكون متينا إذا كان الأساس وثيقا، ويصير متصدعا إذا كان الأساس هشا حتى وإن شُيدت أسواره من رخام وأسقفه من زجاج. على هذا النحو تكون كل البنيات، ولهذا القانون جميعها تستجيب.

والمؤسسة التربوية المغربية، كبنية اجتماعية، لا تخرج عن هذا الإطار. لها دعاماتها التي ترتكز عليها، ولها رافعاتها التي تستند عليها.

وبالنظر إلى المهام المنوطة بها والرهانات المطروحة عليها، قامت الوزارة الوصية بإصلاحات متتالية تستهدف تأهيل بنية المدرسة الوطنية ساعية إلى تقوية امكاناتها وتطوير آليات اشتغالها. فجعلت من مشروع المؤسسة المندمج “آلية وحيدة وملزمة لتدبير وحكامة المؤسسات التعليمية وأداة للتعاقد معها”[1]  ومن التوجيه التربوي والمهني “مدخلا من مداخل تحسين جودة التعلمات كغاية لمشروع المؤسسة”[2]

ومن أجل الرفع من مردودية هذه المنظومة و” إحداث القطائع الضرورية، وابتكار حلول جديدة بمقاربة التغيير في إطار الحسم في الإشكاليات العرضانية والمزاوجة بين الطموح والواقعية وبين تحديد الأولويات والتدرج في التنفيذ”[3] تم إصدار مذكرة مباراة الدخول إلى مركز التوجيه و التخطيط التربوي، مسلك المستشارين بتاريخ فاتح يوليوز 2022 بشروط انتقائية صارمة، بحيث لم يسمح بالمشاركة في المباراة إلا لـ “الحاصلين على شهادة الإجازة (…) المرسمين الذين قضوا 15 سنة من الخدمة الفعلية بقطاع التربية الوطنية والمرتبين جميعهم على الأقل في الدرجة الأولى في إطارهم.”[4] وتم تنظيم المباراة على مرحلتين بحيث لم يتمكن من عبور الصراط إلا من اخْتُبِرت معرفته و ثَبتت كفاءته.

هذا ويتدرب المتفوقون في المركز لمدة سنتين ويستفيدون من تكوين في مستوى عال ثم يتخرجون أطرا عليا يمتلكون آليات وأدوات جديدة ومبتكرة في التواصل والبحث، وفي التنظيم والتأطير وفي التخطيط والتدبير وفي الفحص والتقييم.

بيد أن هذه المدخلات الرفيعة والصعبة المنال، لا تقابلها  للأسف مخرجات في نفس المستوى، إذ يكاد يجزم المتمعن فيها أنها خالية من المكاسب، باستثناء التكوين طبعا.  بل أكثر من ذلك، ففي ظل المستجدات التي أتى بها اتفاق 14 يناير 2023 بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة وبين النقابات الأكثر تمثيلية، أصبحت مظلومية  فوج  2022-2024 في مركز التوجيه والتخطيط التربوي واضحة للعيان. فقد تعسفت الوزارة الوصية والنقابات الموقعة على الاتفاق ببنود النظام الأساسي المرتقب على المتدربات والمتدربين في مركز التوجيه والتخطيط التربوي. فلم يعد الأمر مقتصرا فقط على إقصاء المتدربين والمتدربات من الاستفادة من مخرجات الاتفاق، بل يتجاوز ذلك، حسب ما تم نشره في المنابر الاعلامية،  إلى  إقبار هيئتهم وتشتيتهم في هيئات مختلفة.

فهل يتعلق الأمر يا ترى بالإخلال بالتزامات خارطة الطريق والتراجع عن ما جاء به القانون الإطار والرؤية الإستراتيجية؟ و بالتالي هل الحديث عن مركزية التوجيه التربوي والمهني في مشروع المؤسسة ومشاريع تجويد التعلمات  مجرد شعارات؟

ما لم يتم الالتزام بآليات أجرأة المشاريع التي تم الاعلان عنها، وما لم يتم الإعلان عن بدائل مناسبة، يظل السؤال قائما. كما أن المتأمل في مثل هذه القرارات التي تأتي في منتصف الطريق يكون في حيرة من أمره. ففي عز الأزمة التي تعيشها المؤسسات التعليمية بسبب التحولات الاجتماعية التي يعيشها المجتمع المغربي على صعيد الأسرة بالخصوص، يتم التخلي عن دور مهم يقوم به الإطار في التوجيه والمتعلق بتأطير الأساتذة الرؤساء والفاعلين في الحياة المدرسية ومنسقي الأندية في المؤسسة، الشيء الذي يضفي غموضا حول صدق الشعارات المرفوعة وصفاء نية الارتقاء بالمدرسة والمجتمع.

نتساءل مرة أخرى في ظل هذه الظروف الاستثائية، هل يستطيع متدربو ومتدربات مركز التوجيه والتخطيط التربوي إسماع صوتهم والترافع عن مظلوميتهم؟

هل تستطيع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة و النقابات استدراك ما تجاهلته في اتفاقها وتنصف ضحايا النظام الأساسي المرتقب؟

في جميع الأحوال، فإن المدرسة الوطنية ذات جودة و جاذبية لا يمكن تحقيقها إلا بانخراط الجميع، وقد يصعب ضمان انخراط كل الفاعلين في ظل الإجهاز على الحقوق والتراجع عن المكتسبات.

[1]  المذكرة الوزارية رقم 87/21

[2]  المذكرة الوزارية 15/22

[3]  الرؤية الإستراتيجية 2015-2030

[4]  المذكرة  الوزارية رقم 55/22

أستاذ بمركز التوجيه والتخطيط التربوي

الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

3.7 6 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

4 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
Abdelkader Akhittouch
المعلق(ة)
24 يناير 2023 16:32

و نعم المقال. الوزارة في طريقها إلى دق آخر مسمار في نعش هذا الإطار. لابد من تعبئة شاملة للمتدربين و الممارسين من أجل الدفاع عن هذا الإطار الذي كنا ننتظر أن يتم إنصافه، لنتافجأ مؤخرا بنوايا مبيتة لإقباره.

مستشار
المعلق(ة)
24 يناير 2023 13:28

السلام عليكم لا أحد يجادل في أهمية التوجيه والتخطيط في منظومة التربية والتكوين لكن للاسف يجب اعادة الاعتبار لهذه الهيئة التي ظلمت في النظام الاساسي ل 2003 حيث انتزعت منها عدة مكتسبات رغم انها تشتغل وتتنقل بين المؤسسات بوسائلها الخاصة وعلى نفقتهت بالنسبة لاطر التوجيه و تساهم في عدة لجان وتؤطر مجموعة من العمليات الاحصائية والتخطيط الى اوقات متأخرة من المساء بالنسبة لاطر التخطيط. عمل اطر التوجيه والتخطيط يختلف تماما عن عمل باقي اطر التربية لان تكوينهم مختلف عن تكوينهم كاساتذة او مفتشين بحيث يتلقون تكوينا في مجالات جديدة ومتعددة مثل القياس والتقييم والتخطيط وعلم النفس والديموغرافيا والاحصاء وعلم الاجتماع وعلم النفس المرضي والقياس النفسي وغيرها. لهذا يجب ان ينصف النظام الجديد هذه الفئة لان تكوينها يفوف تكوين باقي الاطر من مفتشين و اطر الادارة التربوية بحيث لتكون مستشار يجب ان تقضي سنوات في التدريس وبعد اقدمية ست سنوات وتكون حاصلا على الإجازة تجتاز مباراة ولوج المركز لتقضي به سنتين من التكوين.

الحسين
المعلق(ة)
25 يناير 2023 12:55

بالنسبة للمتدربين، مطلب التخرج بإطار مفتش يحقق لهم تعويضات أفضل من تعويضات الدرجة الممتازة بالإضافة الى المكانة الاعتبارية ، خاصة في ظل عزم الوزارة على الرفع من تعويضات المفتشين.
أمًا بالنسبة للمشاكل التي تتخبط فيها منظومة التوجيه والتخطيط، فالحل الأنسب والواقعي وهو توحيد المستشارين والمفتشين في إطار واحد مفتش في التوجيه ومفتش في التخطيط وليس اسما آخر يرفضه المفتشون الممارسون حاليا، مع انصاف من ولج اطار مفتش بالتكوين، وعددهم قليل جدا، من خلال منحهم سنوات اعتبارية للترقي في الدرجة التي سيتم اضافتها ومنحهم الأسبقية في منصب منسق اقليمي للتوجيه أو التخطيط لتنسيق عمل أطر التوجيه أو التخطيط بالاقليم بعد الغاء العمل بمناطق التفتيش، وبالموازاة مع هذا الإجراء يجب تعديل القطاعات المدرسية لتشمل كل ما يتعلق بتتبع وتأطير المؤسسات التعليمية وتقييم أدائها مما سيساهم لا محالة في الرفع من أداء المؤسسات وتحسين المردودية وتطوير كفايات الفاعلين دون أن يكلف خزينة الدولة موارد بشرية اضافية انسجاما مع ترشيد التدبير العمومي وتخليق الحياة العامة وترسيخ مبدأ الحكامة الجيدة.

محمد
المعلق(ة)
24 يناير 2023 10:14

في الصميم

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x