في هذا الحوار، يوضح الدكتور خالد فتحي، الأستاذ بكلية الطب بالرباط، أهم عوامل انتشار بق الفراش بفرنسا دون غيرها، وسبل الوقاية والحماية من هذه الحشرة المزعجة.
نص الحوار
س) ما هو بق الفراش وما هي مخاطره على الصحة العام؟
ج) هي حشرة او طفيلي استحوذ على اهتمام الناس هذه الأيام ،هو من عائلة طفيليات معروفة ، يوجد منه ذكر وانثى. الأنثى تبيض كل مرة من خمس إلى عشر بيضات ، وفي حياتها تعطي مابين 200 الى 500 بيضة يتم تفقيصها خلال ١٤ يوما، لكن يمكن لهذا البيض أن يصمد لثلاثة أشهر في بعض الظروف البيئة قبل ان يتفتق عن يرقة البق التي تصبح فيما بعد بقا بالغا .
حجم البيضة هو أقل من ١ ميلمتر لذلك لايرى بالعين المجردة، بينما يصل حجم اليرقة مابين 1و2 ملم وهو مايقرب من حبة أرز ،في حين أن البق البالغ يناهز 4 الى 7 ملم اذا كان بطنه خاويا، وهو مايماثل حبة عدس ،ويصل 5 إلى 8ملم اذا كان شبعانا ممتلئا أي بمستوى بذرة تفاح. حجمه الصغير هذا يعطي مصداقية علمية للمحل المغربي الشهير ” البق مايزهق “.
هذه الحشرة ليس لها أجنحة، ولذلك هي لا تطير ولاتقفز،وهي لا تحتاج لذلك ،لأنها تستطيع أن تزحف بسرعة كبيرة نحو الضحية .هذا البق لونه بني قاتم ، و له شكل بيضاوي أو مسطح يمكنه من أن يتسلل و يتوطن الشقوق والتصدعات داخل البيت ،هو يفضل الأسرة والمراتب وإطاراتهما ،والكنبات، و الأثاث الخشبي والزوايا والمكيفات والكتب والجدران ..وبالتالي نجده في كل مكان : دور السينما، المسارح، المدارس ،المستشفيات، دور الرعاية، وسائل النقل العام، ،لهذا لايسمى انتشاره وباء، بل غزوا او اجتياحا فهو رحالة من الطراز الأول .غالبا مايعيش في غرف النوم ،و يهرب من الضوء، ويحبذ الأماكن المظلمة والضيقة التي يصعب النفاذ إليها. يمكن القول إذن أنه طفيلي “أليف” يتأقلم مع الانسان ، وان كانت هذه الالفة من جانب واحد ،فهو يحب البيئة التي يتواجد بها البشر لأنهم أهم عائل له .يتغذى على دم الانسان ،لكنه يمتص أيضا دم الحيوانات الأخرى من بقر وماعز وغنم وطيور بل حتى الخفاش مصاص الدماء يمص دمه بق الفراش هذا .بق الفراش ذكي جدا. له خطة في مهاجمة الانسان .هو يكمن نهارا. ينتظر المساء وهبوط الظلام، ثم يبدأ الهجوم من خلال اللدغ او اللسع او بالأحرى من خلال مص الدم حيث يزحف نحو فربسته مستعملا جهاز الاستشعار المتطور لديه الذي هو بمثابة ردار يقوده نحو ثاني غاز الكربون الذي يخرج من النائم ليلا عند الزفير و نحو الحرارة التي تنبعث من جسمنا المغطى خلال النعاس .عملية المص تدوم من 3 الى 15 دقيقة ، وتتمركز على الجهات المكشوفة كالعنق والرجلين واليدين ،ولا يشعر بها النائم في ابانها،لأن بق الفراش ينفث قليلا من لعابه تحت الجلد ،والذي يحتوي على مخدر لكي لا تفطن الضحية، وعلى مضاد للتخثر لكي يسيل الدم أكثر حتى يتمكن من بلعه ورشفه ،ثم يختفي بعد هذه الوجبة عدة أيام ليهضم و لحين ان يجوع مرة أخرى.
دائما ينتظر نوم الانسان، ثم يزحف نحوه ،او يسقط فوقه من سقف الغرفة ، وهنا تكون العبارة المغربية ” طاح عليه البق ” دقيقة جدا حتى من الناحية العلمية فالبق فعلا يقع من أعلى .
يمكن لهذا الطفيلي ان يعيش مابين 5 و 6 أشهر، لكنه قد يدخل في حالة كمون أو سبات لمدة عام كامل دون غذاء. وهذا مايفسر صعوبة التخلص منه .بق الفراش ليس حشرة مؤذيةبل هو حشرة مزعجة مقرفة ولها تأثير نفسي لانها تحرم العيون من النوم .يسبب حكة تكون أحيانا شديدة وقد تصل لحد التهيج لكنها تختفي من تلقاء نفسها .تجربة بق الفراش تظل عالقة بالذهن مدى الحياة ،ولعل بعضنا يحفظ عن ظهر قلب قصيدة شاعر الحمراء محمد بن إبراهيم حين عير المطعم البلدي بالبق حيث قال هاجيا: والبق كالغول جسما ان جهلت به فعشه في فراش المطعم البلدي .من فرط حنقه صوره بالغول ،وسماه بق الفراش ،وكذلك تحدث عن عش ،والحقيقة ان البق يعيش منفرد او في مجموعات
كما ان الفصل معين له .هو بقرب الانسان .لايتحمل الحرارة المرتفعة ولاالبرودة الشديدة .
س)بماذا تفسر الانتشار الكبير والواسع لبق الفراش في فرنسا وحدها وليس دول أخرى؟
ج ) يجب أن نقر أولا أنه لحد الآن، لا نعرف بالضبط إن كان بق الفراش قد غزا فرنسا ،ام أنه غزا وسائل الإعلام ، أي أننا لا نعرف بالضبط حجم وقوة الغزو ، و كذا حصة القنوات الفضائية وتورطها في حدوثه .ولكن المؤكد انه لا هرش ولاحكة دون بق ،وبالتالي هناك حتما مشكلة صحية بفرنسا قد تحولت الآن إلى مشكلة سياسية تريد المعارضة استثمارها مستلهمة تجربة سقوط ترامب بكورونا ،وكما فعل عادل إمام في فيلم” مرجان أحمد مرجان” حين حمل فرخة دجاج ميتة مصابة بالأنفلونزا إلى المجلس، رأينا كيف أن نائبة حزب فرنسا الأبية جلبت معها أيضا الى البرلمان الفرنسي بق الفراش .
هذا الجدال ،وهذه الرغبة في تسديد ضربات تحت الحزام بين الاغلبية والمعارضة الفرنسية ،وكذلك هرع الفرنسيين الى نشر فيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كل ذلك حول البق إلى مادة إعلانية دسمة على مستوى العالم، بل عولم المشكلة ،حيث امتد الهلع الى عدد من دول العالم، وخصوصا دول شمال افريقيا ،
ومع ذلك ،يمكن القول إن هذه المشكلة لم تفاجئ فرنسا فكل التقارير كانت تشير الى أنها كانت مهددة بهذا الغزو .فبين 2017و 2022 أصيبت أكثر من عشر الفرنسيين بالبق ،كما سجل ارتفاع متواصل للتبليغات سنة بعد سنة وصرف عليه 1،4 مليار اورو أي 230مليون اورو سنويا لمكافحته دون جدوى ،وزراة البيئة الفرنسية أصدرت سنة 2022 دليلا حول مكافحة بق الفراش للتحسيس والتعبئة، كما وضعت أرقاما هاتفية رهن إشارة الفرنسيين.
الآن يوجد البق بالجهات 13 لفرنسا ،و 7 مدارس عادت إلى الدراسة عن بعد .وهذا يزيد من الضغط على نفسية الفرنسيين الذين لازالت تجربة كورونا عالقة بأذهانهم رغم اختلاف السياقين بطبيعة الحال ،و كذلك على الحكومة التي تواجه أيضا عبئ الاستعداد للأولمبياد القادم،كما أنها تخشى على القطاع السياحي من تداعيات سيئة .
لذلك هي مجبرة على الاستجابة، خصوصا ،وأن التكلفة باهضة للتخلص منه بالنسبة للأسر التي ارهقها الغلاء والازمة الطاقية. فليس الكل بقادر على دفع 1000 أورو .هذا لب المشكلة .
بقي أن البق لاعلاقة له بالنظافة، لأنه لايتغذى على القاذورات. ولذلك لاينبغي وصم أي شعب بالبق، كما قام بذلك وزير الصحة الجزائري الذي اعتبر ان الجزائر لن تعرف انتشار الحشرة نظرا لنظافة السكان !.
هناك عوامل ساهمت في أن تعاني فرنسا من المشكلة دون غيرها ، منها استئناف حركة السفر بعد كورونا ،التغير المناخي حيث ارتفعت حرارة فرنسا بشكل نوعي،وكذلك ولع الفرنسيين بإعادة تدوير الأثاث المستعمل .وأخلاق الترف التي تجعلهم يجعلون من البق غولا .
لكن البق ليس فرنسيا، هو يتنقل وموجود في جميع أنحاء العالم، بل هو حشرة عالمية، تعاني منه دول الكاريبي، أمريكا اللاتينية، نيويورك،التي كانت لها تجربة ناجحة في مكافحته ،استراليا ،بريطانيا ..الخ .
المغرب أيضا عرف انتشار هذه الحشرة خلال مرحلة الاستعمار الفرنسي ،كانوا يطلقون عليه البومبة لأنه كان يتم غلق الغرفة الموبوءة بعد تفجير مايشبه قنبلة بالمبيدات بداخلها .
العالم يعرف عودة البق لأن المبيدات الفعال ددتي تم أبطال استعماله لاحتوائه مواد خطرة والمبيعات الحالية تعاني من مقاومة الحشرة لها ،وارتفاع الحرار سهدمهد الجو لتكاثره
س) كيف ينتقل بق الفراش وما هي سبل الحماية منه والقضاء عليه؟
ج) بق الفراش لايعيش فوق جسم الإنسان، هو يأتي لأجل مهمة معينة ثم يغادر لكنه قد يبقى على اللبسة وفي الأثاث وحقائق السفر وهكذا ينقله الانسان من خلال حركته من مكان ال آخر فيستقر في المكان الجديد ثم يستهدف سكان هذا البيت الجديد وهكذا يمكن أن ينتشر في الأحياء والفنادق وجميع البنايات ووسائل النقل ،وينتقل من دولة ال أخرى من خلال السفن والطائرات والسيارات المحصلة بالبضائع و الأثاث الموبوء.
هناك إجراءات للوقاية تقوم بها الدولة عند المعابر الحدودية من مطارات ومواني وحدود برية كن خلال مراقبة وتفتيش وسائل النقل ورصد وجود الحش،ة من خلال إصابات علال المسافرين او من خلال آثار الحشرةاو ضبطها هي نفسها ومستعمل لذلك تقنيون كما يستعلن بكلاب مدربة .هذاىمايسمى بالقوة الصحية والرصد الاستباقي الذي فعله المغرب على سبيل المثال ،وهناك إجراءات على المسندتوى الفردي تريد الدولة المواطنين إليها من خلال التواصل معهم بحيث تحذر المقبلين منهم على السفر الدولي وتزوجها بالنصائح ،وتعلم السكان بطرق رصد الحشرة من خلال الانتباه لبقع حمراء تدل عل انسحاب وانضغاط الحشرة عندما يتمدد فوقها النائم فيخ،ج الدو المخازن بداخلها ،او ملاحظة بقع سوداء تدل على براز هذه الحشرة او آثار البثور التي تسببها والتي تكون متوالية علىخط مستقيم .كذلك ينبغي عدم شراء الأثاث المستعمل واستعمال العطور والنفاذة داخل البيت وتفتيش وتعقيمه واللجوء الى الشركات المختصة عند الا شتباه في غزو محتمل .
الا ان الأهم هو الخطة الحكومية التي تنهيها الدولة والتي تقوم على إعادة تصنيف حشرة البق من مهددة للسلامة الصحية الى مهددة للصحة العامة لرفع درجة التأهل والجديد في التعامل مندع المشكلة ،وكذلك اصدار تشريعات جديدة تتولى نظافة الشقق المفروشة المعدة لاكراء وتشديد معايير النظافة في الفنادق ،وتعبئة مدخلين آخرين لمراقبة كل المؤسسات كوزارة التعليم بالنسبة للمدارس ووزارة الفلاحة والنقل والسيارة والداخلية…الخ .
أخشى أن يفرض هذا البق الصغير الحجم معركة طويلة المدى لأن المبيدات لم تبق فعالة وهة ينجح في مقاومتها ،ولايمكن نقصةحركة السفر كما انه لاتنسيق بين الحكومات بخصوص هذه الحشرة .كل الأمل في البحث العلمي الذي عليه أن يكتشف مبيدات جديدة فعالة لت آثار جانبية لها على صحة الانسان وعلى البيئة،دون القضاء نهائيا على البق لأنه أيضا ضمن التنوع البيئي .هذا هو الرهان الذي يتعين على المنظومة الصحية العالمية كسبه .
عمليا ينبعدغي تنظيف لوازم الفراش بماء ساخن جدا، استعمال المكواة،تجميد بعض الأغراض، إتلاف الأثاث المستعمل ،التبليغ عند ملاحظة إشارات الوباء.
هل يمكن اعتبار هذه الحشرة ناقلة للفيروس مثل السيدا والفيروسات التي تصيب الكبد ؟