لماذا وإلى أين ؟

“من يوقف نزيف الزمن المدرسي”

برعلا زكريا

من المؤسف اللجوء إلى أمثال شعبية من قبيل : “تبكي أمو قبل ما تبكي أمي”، من أجل توصيف ما يجري بالتعليم حاليا، خصوصا أن المثل المذكور ينطوي على حمولة معنوية بين الأنانية و تحقيق المصلحة الشخصية بغض النظر عن نتائج ذلك على الآخر، في حين أن أهم خصلة ينبغي أن يتصف بها الدائرون في فلك التعليم هي نكران الذات وتغليب المصلحة الفضلى للتلميذ، ولنا في جيل أساتذة الثمانينات خير مثال.

وانطلاقا من أعلى هرم في الإشكال، وهي الحكومة كونها تملك سلطة القرار، فيلاحظ تأخر كبير في الإمساك بزمام الأمور سواء من خلال التجاوب مع مطالب المضربين أو إيجاد بدائل تضمن استمرارية المرفق العمومي، وعلى سبيل المثال، توصلت الحكومة السابقة لحلول من أجل استمرار الدراسة خلال فترة الحجر الصحي تمثلت في التعليم عن بعد، وغيرها من الخطط البيداغوجية. وبدون الخوض في نجاعة ذلك من عدمه فالأهم أن السلطة التنفيذية اتخذت قرارات في سبيل ضمان الاستمرارية، وهو ما غاب عن الأزمة الحالية باستثناء بعض المبادرات كالدعم خارج أوقات الدراسة.

من جهة أخرى، أثار موقف النقابات الكثير من التساؤلات كونها كانت شريكا في إخراج نظام أساسي أدى للاحتجاج، وتارة أخرى، كانت في صف المحتجين، ما قد يفسر الانسياق الكبير وراء التكتلات الموازية أو ما يسمى بالتنسيقيات.

وحتى هذه الأخيرة، هدد نسقها الفئوية الضيقة، ومنطق أنا ومن بعدي الطوفان، فمثلا يأبى أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي أن تتم مساواتهم بزملائهم في الإعدادي والابتدائي ويطالبون بامتيازات مادية حصرية على الرغم من أن المهام والشواهد الجامعية للأطر هي نفسها ! بل على العكس، إن كان لا بد من تفضيل لسلك على آخر، فالابتدائي أولى بذلك بسبب مشقة المهام وتنوع المواد المدرسة وغياب التخصص،وكثرة ساعات العمل.

أيضا فالأساتذة لم يستسيغوا زيادات المفتشين والمديرين معتبرين أنهم أولى بحصة الأسد كونهم الفاعل المباشر في القسم.
ناهيك على أن انشقاقات كبيرة حدثت في بعض التنسيقيات نفسها كفئة “الزنزانة 10” حيث تتصارع الأفواج حول الأحقية بالترقية ويرفض القدامى مساواتهم مع الجدد في السنوات الاعتبارية، نفس الأمر في كل الفئات والتنسيقيات، كل يغني على ليلاه.

وفي أسفل الهرم نجد التلميذ والذي يبدو أنه الحلقة الأضعف، ولا سيما أبناء الأسر متدنية الدخل التي لا تقوى على مصاريف التعليم الخصوصي.
وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهمت في خلق الفئات داخل القطاع وتنظيم خطواتها الاحتجاجية، فقد كشفت من جانب آخر عن تيارات متطرفة جعلت من الإضراب غاية. والعالم الافتراضي يعم بمنشورات وتعاليق لا ينبغي أن تصدر ممن يفترض أنهم مسؤولون عن تربية الأجيال، يسمحون لأنفسهم بالتنمر على غير المضربين، وكيل الشتائم لمن يخالفهم في الرأي.

ملف التعليم ما هو إلا كرة ثلج متدحرجة تكبر مع مرور الولايات التشريعية لتصبح تركة ثقيلة ومعقدة للحكومات المتعاقبة، ولحد الآن لا زلنا نتحدث عن مشاكل البنية التحتية وغياب المراحيض والهدر المدرسي والمراتب المتدنية في المؤشرات المعتمدة على الصعيد الدولي.

أزمة التعليم الحالية كشفت أن التحدي الأكبر الذي يواجه أي إصلاح هو ضمان الحفاظ على الزمن المدرسي كاملا، وهو ما نجح فيه التعليم الخصوصي، فالملاحظ أن الزمن المدرسي لا يضيع بتاتا، وأن الحصص يتم استكمالها بغض النظر عن ظروف الأساتذة أو غيابهم لأسباب قاهرة كالمرض، كل ذلك لأن المؤسسة الخصوصية تحرص على تأمين الزمن المدرسي من خلال تعويض المتغيبين.

ويبدو أنه حل فعال وناجع، والسؤال المطروح هو لماذا لا يتم التفكير في إحداث آلية متخصصة في تعويض الأساتذة المتغيبين في المدارس العمومية لأي سبب كان ؟ سواء عبر التدبير المفوض أو الانفتاح على محيط المؤسسة وشركائها، وفسح المجال في ذلك أمام طلبة التعليم العالي.

والذي يقلل من شأن ضياع الزمن المدرسي ما عليه سوى الرجوع لتقارير المجلس الأعلى للحسابات وهيئة التقييم الوطني بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، حيث تشير الإحصائيات إلى أن حصصا دراسية تضيع خلال كل موسم دراسي لعدة أسباب أبرزها الإضراب عن العمل، والشهادات المرضية.
ودون إيجاد حلول لهذه المعضلة سيبقى التلميذات والتلاميذ ورقة ضغط تستعملها التنسيقيات ومن يقف وراءها لتصفية حسابات سياسية، ستظل معها أم التلميذ تبكي في صمت.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

7 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
مغاربة الحدود
المعلق(ة)
23 ديسمبر 2023 07:13

لا أظن أن أساتذة اليوم الذين يضربون بنظام وانتظام أنهم سيتقنون مهمة التدريس سواء حضوريا أو جودة كما يتقنون الإضراب فقد أصيبوا بمتلازمة الكسل ولم يدخلوا الأقسام منذ 4 أشهر إضافة إلى شهري يوليوز و غشت فلاحول ولاقوة بالله العلي العظيم.

علي المغربيّ الحُرّ.
المعلق(ة)
25 ديسمبر 2023 22:00

يجب على “السلطات المغربيّة” تلبية جميع مَطالب رجال التربية و التعليم، مادّيّاً و معنَويّاً، فأمام غلاء المَعيشة جرّاء الرَّفْع المهوِل في أسعار جميع الموادّ الأساسيّة و الضروريّة، أصبحت الأجور الهَزيلة لِهذه الفِئة المُهَمَّشة لا تكفي لِتلبية احتياجاتها الضروريّة و أضْحت تعيش ظروفاً قاسيَةً للغايَة، لقد تقَهقرت هذه الطبقة من المُجتمع المغربي من الطبقة المتوسّطة إلى طبَقة فقيرة جدّاً. فَعِوضَ تكريمها عن عمَلِها النّبيل و خِدمتِها الجليلة، في تكوين أجيال الغد و رجال المُستقبَل،تمَّ الإجهاز عليْها، عَمْداً بنوْعٍ من الإهانة المُبطَّنة التي تتجلّى في سلْب حقّها في الإضراب المَشروع الذي يُخوِّلُه لها (القانون)، و الانتقام منها من خلال الاقتطاعات المُتتالية من أجورِهم المُتواضِعة. على (السلطات) تمتيع هذه الفئة “ركيزة المُجتمع” بجميع حقوقِها خاصّةً المادّيّةَ منها، علماً أنّ الدولة تتوفَّر على أموالٍ طائلة لا تُعدّ و لا تُحصى، يتمتّع بها أصحاب النفوذ، من أعضاء البرلمان مُروراً بالوزراء و كبار الموظّفين (الموظّفين السّامين).فالاهتمام بالتعليم و رِالاتِه يعني تكوين مُجتمع مُثقَّفٍ راقٍ متحضِّر

علي المغربيّ الحُرّ.
المعلق(ة)
25 ديسمبر 2023 21:28

عندما انكَشفَ أمرُ (النقابات) و انفضَح، من خلال ما قيل عنها، حول تواطُئِها مع (الحكومات) المُتعاقِبة ضدّ مصالح رجال التعليم، “إبرام اتفاقيات” لا تُلبّي مطالِب هذه الفئة المُتضرِّرة، بالإضافة إلى عدَم مُتابعَة (الحكومات) عن اتّفاقيات تمّ الاتفاق عليها و لمْ تَقُم بتنفيذها، اتفاقية عام 2011 نموذجاً.. أمامَ هذا كلِّه انسحبَ مُعظم رجال و نساء التربية و التعليم من حضن هذه (النقابات)، و قاموا بإنشاء (تنسيقيات) بَديلاً، إلّا أنّهم قد أخطأوا الهدف و لمْ يُحسِنوا اختيار البَديل، فبِتشكيل عددٍ كبير من (التنسيقيات)، كلّ واحدة تُطالب بِحقوقٍ خاصّة بمُنخرطيها، نتَج عن ذلك تشتيت كلمتهم بَدَل توحيدها من أجل خلْق قوّة تستطيع مُجابهةَ (السلطات) من أجل انتزاع حقوقِها كامِلَةً غير مَنقوصة. يجِب على هيْئَة التربية و التعليم إنشاء (تنسيقيّة) واحِدة تَجمع كلّ أساتذة الأسلاك التعليميّة، و من خلالِها يُدرِجون
مَطالِبهم المُختلفة و المتنوِّعة. و إلّا فهم يُعتَبرون أنانيّين كلٌّ يُغنّي على ليلاهُ. و بذلك لنْ يُحقّقوا شيْئاً من مَطالبهم.

مريمرين
المعلق(ة)
24 ديسمبر 2023 01:39

لو كانت الحكومة (الحكومات) تفي بوعودها وتنفذ اتفاقاتها مع النقابات لما أضربت الشغيلة التعليمية عن العمل و خرجت إلى الشارع . حراك رجال و نساء التعليم ليس وليد اليوم ، بل هو نتيجة تراكم إنكار الوزارة الوصية ومعها الحكومة لتعهداتهما ، وكما يقال ، وصل السيل الزبى من كثرة المماطلة و نكث الوعود. فلا تحملوا أسرة التعليم أكثر مما تحتمل.

الصحراوي المغربي
المعلق(ة)
24 ديسمبر 2023 22:03

ربما حاليا لا احد لان المسالة تعدت كل القدرات المتدخلة اين يوحد متل هدا في العالم توقيف الدراسة بتلاتة اشهر من اجل نظام وضع ولم يتم التراجع عليه وتعديل تلقانون الاول فعلا هل هناك من يوقف نزيف دولة الا من تعمد التحدي وظلم ابناء الفقراء الدين فرض عليهم العمومي.
لو فعلا كانت لنا مسؤةليات لما كان اصلا تعليم خصوصي لان الظولة هي النسؤةلة عن تعليم ابناء الشعب وتكافؤ الفرص لا لبيع التعليم لا للفرق بين أبناء الشعب

ملاحض
المعلق(ة)
23 ديسمبر 2023 14:00

يجب النضر في المتقاعدين هم اكبر المتضررين .
ولا حولة ولا قوة الا بالله

Bentaieb hicham
المعلق(ة)
23 ديسمبر 2023 10:05

اساتذتك الذين علموك كيف تمسك بالقلم محكورون.. يشعرون بالغبن و نكران لمجهوداتهم عبر السنين وانت تهاجمهم؟ هل انت ناكر للمعروف؟

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

7
0
أضف تعليقكx
()
x