لماذا وإلى أين ؟

حليمة الزين العابدين.. معاناة بين الاعتقال والحمل دون معيل

معتقلات بلا أحكام..، سلسلة سيتم تسليط الضوء من خلالها على الظروف التي عايشتها عائلات المعتقلين في فترة ما سمي بـ “سنوات الرصاص” التي شهدها المغرب، وهي سلسلة تهدف لإبراز فكرة بأن وراء كل معتقل في تلك الفترة امرأة كافحت وضحت، رغم كل الظروف الصعبة، وعايشت تطورات الاعتقال لحظة بلحظة، امرأة توقفت حياتها هي الأخرى طيلة فترة الحكم، كأن سنوات الحكم طالتها هي أيضا مع فارق أنها خارج السجن وليس داخله، وبلا حكم.

وسيتم في هذه الحلقة تسليط الضوء على ما عاسته حليمة الزين العابدين، الزوجة السابقة للمعقتل السياسي السابق الذي اعتقل في شتنبر 1974 وتم الحكم عليه بـ 22 سنة سجنا ..

– كيف تعرفت على زوجك السابق؟

كان عمري 18 سنة حينما تزوجت رحلت مع زوجي إلى مدينة مراكش، وبعد 6 شهور تم اعتقال زوجي، هكذا وجدت نفسي بلا بيت لأني لم أخبر أهلي باعتقال زوجي كنت حاملا في شهري السادس حينما أعتقل، فوجدت نفسي في الشارع.

– هل تعرضت لضغوطات معينة بعد اعتقاله؟

في البداية لم تطاردني السلطة، بل طاردني الجوع و التشرد و الرعب والخوف… ولما اشتد علي المخاض ذهبت إلى المستشفى للولادة، وأنا  امرأة صغيرة السن ليس بجانبي أحد، لا صديق ولا أم ولا أخت… ليس لها إلا نظرات الأسى في عيون النساء الوافدات على المستشفى، حين خرجت من المستشفى لم أجد ما ألف به ابني خالد مزقت جزءا من جلبابي ولففته به خرجت وجلست متكئة على نخلة بباب المستشفى، لا أعرف أين أتوجه ولا من أقصد ولا من أطرق بابه. هذه هي المحنة الأولى.

في السنة الموالية كنت أهيئ لاجتياز الباكالوريا. وفي يوم من الأيام كنت أحمل حقيبتي و بها دفتر الحالة المدنية من أجل استخراج شهادة ميلاد لملف البكالوريا، فاعترضت الشرطة طريقي وأخذوا محفظتي وأمضيت عندهم 24 ساعة في الكوميسارية و خرجت بدون حقيبة، لقد احتجزوها، وتحت إلحاحي و تشبثي باجتياز الباكالوريا استخرجت والدتي نسخة جديدة من دفتر الحالة المدنية حاملة سنتين زيادة عن عمري الحقيقي.

– ما الخطوات الأولى التي قمت بها بعد الاعتقال؟

عندما اعتقل زوجي بمراكش، كنا نذهب نحن عائلات المعتقلين لباب مخفر الشرطة، وهناك تعارفنا فيما بيننا، وهناك تشكلت في الحقيقة أول نواة لعائلات المعتقلين السياسيين، طالبنا بالإفراج عن المعتقلين من عامل مدينة مراكش و أخبرنا أنه لا يوجد عندهم أي معتقل رأي!!

إن أمهات المعتقلين من اللواتي طرقن أبواب الصحافة و الأحزاب في البداية…. وشهادة للحقيقة و التاريخ، فإن حزب الاستقلال هو الحزب الذي استقبلهم آنذاك، فجل الأحزاب الوطنية الأخرى آنذاك كانت معرضة للقمع الشديد، وكان مناضلوها في السجون كالاتحاد الوطني للقوات الشعبية…. وكانت جريد العلم التي نشرت عن المعتقلين بالمغرب.

وبعد إلحاحنا وضغطنا وخروجنا في مظاهرات في 1974 أطلقوا سراح 60 معتقلا سياسيا من مخفر الشرطة وحملوا الباقي مع الفجر إلى حيث لم نكن نعلم آنذاك، لقد كانت تجربة حركة العائلات مهمة جدا، لقد تحولت عاطفة الأم والزوجة والأخت إلى بركان غاضب ثائر. فانتظمت وتوحدت العائلات، كان الهدف واحد واضح هو إطلاق سراح المعتقلين مع النضال من أجل دعم أبنائهم في نضالهم من أجل تحسين شروط سجنهم.

– هل تعرضت للمضايقات أو الاعتقال اثناء نشاطك في حركة العائلات؟

تعرضت لعدة اعتقالات ما بين 1977 و1980، ففي 10 دجنبر من عام 1979 اقتحمت العائلات مقر الأمم المتحدة مطالبة بإطلاق سراح المعتقلين بعد أن كانت في السابق تطالب بالتسريع بمحاكمتهم و إطلاق سراحهم. واعتصمت العائلات بالمقر لمدة 12 ساعة بشكل محكم ومنظم. الأمهات لم تكن متعلمات وحتى عدد من الزوجات.

لقد عانت العائلات وناضلت أيضا، وقفت 12 و 24 و 48 ساعة أمام مخافر الشرطة و السجون… بعد الاعتصام المنظم بمقر الأمم المتحدة تم اعتقال 5 من الأمهات وبقين محتجزات لـ6 أيام في الكوميسارية.

أتذكر أنه في عام 1981 كانت حملة اعتقالات واسعة، وكان الخوف و الرعب يعتصرننا أينما ذهبنا كل ساعة ننتظر اعتقالنا، هناك مناضلات تم اعتقالهن… ومن شدة الخوف و الترقب، وفي شهر ماي ألبس عدة أقمصة من الصوف تحسبا للاعتقال….

غير أن المأساة الكبرى هي التي عاشها أبناء المعتقلين السياسيين، لم يكونوا يعرفون آباؤهم وهم صغار ابني خالد الذي كانوا يدخلونه إلى أبيه من الفجوة التي يدخلون منها الطعام كان يعتقد كل المعتقلين أباء له، فهم يرتدون جميعا بذل السجناء المخططة. هكذا في أحد الأيام رأى سجينا – عاديا – فناداه أبي … فقط لأنه كان يلبس البذلة المخططة أريد أن أركز الآن على العائلات ودورها الذي يجب إعادة الاعتبار إليه، كما حكت عن ذلك أم المعتقل السملالي في شهادتها.

كيف كان وقع لحظة إطلاق السراح؟

حين خرج المعتقلون من السجن لم نعد نعرفهم، كانوا أناسا آخرين… كالأشباح. كانت المرأة ضحية مرتين… ضحية النظام وضحية المجتمع. أيضا عديد من النساء كن ضحايا للأزواج، إذ بعد خروج بعضهن من السجن، تركوهن وهجروهن مع مخلفات السجن.

50

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x