لماذا وإلى أين ؟

ما مدى قانونية متابعة وزير لمواطن بتهمة إهانة موظف عمومي؟ (تحليل)

جدل كبير أثاره اجتهاد قضائي ابتدائي بخصوص إذانة متهم بسنتين سجتا نافذة بعد متابعته بجنحة إهانة وزير على اعتبار أن هذا الأخير “موظف عمومي أثناء مزاولة مهامه” ويتعلق الأمر بوزير العدل عبد اللطيف وهبي، باعتباره مشتكي ورضا الطوجني باعتباره مشتكى به.

الاجتهاد القضائي المشار إليه، وبغض النظر عن كونه ابتدائيا، وبعيدا عن حيثيات القضية التي صدر فيها، طرح إشكالات حول مدى اعتبار الوزراء موظفين عموميين؟ كما يطرح إشكالا آخرا أكثر أهمية وهو المتعلق بالتبعيات المحتملة لهذا الحكم القضائي على واقع التعبير والرأي بالمغرب، خاصة إذا أصبح نهائيا واعتمد كمرجع قضائي يستند عليه لبناء أحكام مشابهة؟

وبالعودة لإشكال مدى اعتبار الوزراء موظفين عموميين، فالنظام الأساسي للوظفية العمومية يعتبر في مادته الثانية، موظفا عموميا “كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة”، وأن من الشروط الأساسية لاعتبار الشخص موظفا عموميا هو “الترسيم في إحدى درجات السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة“، وما يترتب عن ذلك من وجود رقم تأجير وطني لدى الموظف ومنصب مالي قار في قانون المالية السنوي، وهو ما لا ينسجم على وضعية الوزراء.

غير أن الحكم القضائي في الواقعة التي نتناولها، استند في تعريفه للموظف العمومي على تعريف آخر متضمن في القانون الجنائي وليس الإداري، والذي يتحدث على أن “كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه، في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة، أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية، أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام”، علما أن عدد من المتخصصين القانونيين يقولون إن المشرع وضع هذا النص القانوني بهدف حماية المال العام من المسؤول وليس لحماية المسؤول من الانتقاد.

فاختلاف التعريفين للموظف العمومي -الجنائي والإداري- يطرح إشكالا كذلك حول سبب اعتماد الحكم القضائي الابتدائي للتعريف الجنائي بدل الإداري، وهو ما كان سببا في تباين الرؤى.

الوزير منصب سياسي وتواتر الأحكام السلبية في حق المدونين يؤثر على واقع الرأي والتعبير

أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس عبد العالي حامي الدين، اعتبر أن “منصب الوزير هو منصب سياسي أساسا وينظر له بهذه الصفة وليس كونه موظفا عموميا، فالوزير لا يمكن له وضع شكاية في حق شخص آخر إلا بموافقة رئيس الحكومة، ورئيس الحكومة وإن كان يعتبر رئيس الإدارة، فإنه هو وباقي الوزراء الأعضاء يشغلون مناصب سياسية وليس إدارية”.

وفيما يخص احتمال تشكيل الحكم القضائي تبعات سلبية على واقع حريات التعبير، فقد شدد ذات الأستاذ الجامعي في تصريح لجريدة “آشكاين” الإخبارية، على “ضرورة وقف متابعة الصحفيين والمدونين”، معتبرا أن “جر الوزراء للمدونيين والصحفيين للمحاكم، وتواتر المتابعات والأحكام القضائية في حقهم بتهم متضمنة في القانون الجنائي (من قبيل إهانة موظف عمومي أثناء مزاولة مهامه)، يمس بشكل مباشر بحرية التعبير والرأي”.

ودعا حامي الدين الوزراء والحكومة بـ “التحلى بسعة الصدر، وتقبل الأصوات الناقدة، والأراء المعارضة باعتبارها العماد الثاني للديمقراطية، مادام الامر يتعلق برأي وليس بإهانة أو شيء من هذا القبيل”.

الوزراء موظفون عموميون والحكم لن يشكل مرجعا في القضايا المقبلة

المحامي والحقوقي حبيب حجي أكد في تصريح لجريدة “آشكاين الإخبارية”، أن التكييف القضائي في الاجتهاد المتحدث عنه “غير سليم، وينطوي على تجاوزات كبيرة من الناحية القانونية ومن الناحية الحقوقية أيضا، وأن القضاة تماهوا وتأثروا كثيرا مع تكييف النيابة العامة للقضية”.

وأضاف ذات المحامي أن “الوزراء وإن كانوا موظفين عموميين بموجب بند في القانون الجنائي، وهو بند يتم الاستناد عليه في القضايا الجنحية والجنائية، فإن هذه الصفة لا تعطي لهم الحق بمتابعة كل من تطرق أو انتقد قطاع وزاري وحلل إشكالاته بتهمة “إهانة موظف عمومي أثناء مزاولة مهامه”، وإلا فيجب معاقبة كذلك المجلس الأعلى للحسابات لما أظهره حول ميزانيات الأحزاب ومالياتها بالتفاصيل والأشخاص المرتبطين بها، ومعاقبة المندوبية السامية، فهذه مؤسسات تصدر أحيانا انتقادات أخطر من مما يقوله أكثر الأحزاب السياسية تطرفا”.

وحول إمكانية تشكيل الحكم القضائي الابتدائي مرجعا للقضاة في النوازل المشابهة المثارة مستقبلا أمامهم، فرأى الحبيب حجي أن “الحكم وإن يشكل تضييقا خطيرا على حرية التعبير والتضييق، فإنه من الصعب الاعتقاد تحوله لمرجع او اجتهاد لقضاة المغرب في قضايا مشابهة، إذ هناك قضايا أخرى يحكم فيها القضاة بالبراءة وتكون التهم المنسوبة للمتهم فيها أكثر مما نُسب للطوجني، فهناك قضاة مستقلون ونزهاء وذات شخصية قوية وما أكثرهم، ويحكمون بالبراءة ويلغون المحاضر”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
Dghoghi
المعلق(ة)
10 أبريل 2024 08:22

هؤلاء الذين اسسوا مصالحهم على الظلم مند عهد البصري والتحالف مع الظالمين، انهم ادات لقمع حرية التعبير.. صحيح يحكمون بالقانون وليس بالعدل وبالتالي العدالة الانتقائية هي أكبر ظلم في بلدنا ،

فريد
المعلق(ة)
10 أبريل 2024 04:01

لماذا لا نسمي الأشياء بأسمائها؟ هذا لا يعتبر إجتهادا قضائيا، هذا إستعمال للقضاء لترهيب المواطن. بالله عليكم متى حدث أن قام مسؤول حكومي بالدول الديموقراطية برفع دعوى قضائية ضد مواطن؟ هناك رؤساء ووزراء تم صفعهم أو رميهم بالبيض أو الطماطم أو…وعادة يتم القبض على الفاعل لمعرفة هويته ثم يُطلق سراحه في إنتظار المحاكمة وغالبا لا يُدان بالسجن.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x