2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
لماذا لم يحقق الحوار الاجتماعي سلما داخل قطاعات بالوظيفة العمومية؟

لم يؤدي الاتفاق الاجتماعي المركزي الأخير الموقع قبل شهرين بين المركزيات النقابية والحكومة يوم 29 أبريل 2024، إلى إنهاء الاحتقان القائم بالعديد من قطاعات الوظيفة العمومية، وخلق نوع من السلم الاجتماعي داخلها.
إذ لا زالت بعض القطاعات الحكومية المرتبطة أساسا بالقضايا الاجتماعية تشهد إضرابات واحتجاجات متعددة.
فالتنسيق النقابي للجماعات الترابية يهدد باستئناف سلسلة الإضرابات المتتالية نتيجة عدم تلقي رد وزارة الداخلية بعد على الملف المطلبي، ونقابات القطاع الصحي صعدت من وتيرة الإضراب بجعله يمتد لخمس أيام بالأسبوع في سابقة تاريخية بالقطاع، نتيجة عدم تنفيذ الاتفاق الاجتماعي القطاعي ومنع المسيرة الوطنية ليوم 10 يوليوز، في حين استأنفت نقابات قطاع العدل سلسلة الإضرابات خلال الأسبوع الجاري، إضافة الى استمرار ملف الأساتذة الموقوفين عن العمل وتداعياته على واقع قطاع التعليم.
عودة الاحتقان والإضرابات الطويلة بقطاعات الوظيفة العمومية خاصة بعد الاتفاق المركزي الذي رحبت به الحكومة ونقابة ”الباطرونا” والنقابات كذلك، يطرح سؤالا جوهريا حول أسبابها ودوافعها، على اعتبار أن الاتفاقات الاجتماعية الموقعة بين النقابات والحكومة تأتي عادة لإنهاء الاحتقان والتصعيد وليس للزيادة في حدته.
أستاذ العلوم السياسية، رشيد لزرق اعتبر أن “توالي الإضرابات في قطاعات حساسة مرتبطة بشكل مباشر بمشروع الدولة الاجتماعية، ونتيجة حتمية لأزمة التوازن بين المعارضة والاغلبية وبين البرلمان والحكومة، ما أدى لصعوبات كبيرة للمعارضة في لعب أدوارها المؤسساتية في رقابة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، ما يؤدي للاحتكام للشارع قصد استرجاع التوازن، فلو كانت المعارضة تعمل كما يجب داخل البرلمان لتكلفت بمراقبة مدى تنفيذ الحوار الاجتماعي المركزي وما يترتب عنه من حوارات قطاعية”.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في تصريح لجريدة “آشكاين” الإخبارية أن “التنزيل الأحادي لمشروع “الدولة الاجتماعية” وغياب المقاربة التشاركية بين الوزراء وبين ممثلي الشغيلة ببعض القطاعات، فالتنزيل الأُحادي السريع لبعض المشاريع والبنود، أنتج تخبطا تدبيريا سواء في قطاع التعليم العالي أو التربية الوطنية أو الصحة والجماعات الترابية، الامر الذي يؤشر إلى وجود أزمة اجتماعية”.
وشدد لزرق على “ضرورة تريث الحكومة وعدم التسرع، واعتماد المقاربة التشاركية واشراك المعنيين في تنزيل البنود الخاصة بهم، وأخذ العبرة من تجربة قطاع التعليم فالإصرار على التنزيل الأحادي لنظام أساسي مرفوض من طرف الجميع نتج عنه إضرابات ضخمة غير مسبوقة، أدت في الأخير إلى استبدال النظام الأساسي بآخر مرغوب فيه بعض المفاوضات، بمعنى أن التسرع ضيع على أبناء المغاربة ثلاثة أشهر من الدراسة”.
وحول سبب عدم تمكن الاتفاق الاجتماعي من خلق نوع من “السلم الاجتماعي” داخل قطاعات الوظيفة العمومية، يرى ذات المُتحدث أن “الإشكال الرئيسي في كيفية تنزيل بعض البنود القطاعية، وفي تهميش المفاوضات القطاعية وسوء تدبيرها، وعدم إعطائها الأهمية اللازمة التي أُعطيت للحوار المركزي”.
من جانبه اعتبر حامي الدين، الأستاذ في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس السويسي أن “الحكومة ضعف سياسي كبير تعاني منه هذه الحكومة، وهذا الضعف نابع من كون الأغلبية الحكومية الحالية تتشكل من قاعدة منتخبين تتمثل في الأعيان الفائزين في الانتخابات التشريعية ليوم 8 شتنبر، ومن قيادة تتشكل من رجال الأعمال وأصحاب المصالح تستعين بالتكنوقراط لتدبير الشأن العمومي، وبالتالي فهي تفتقر للبروفايلات السياسية التي لها القدرة على التواصل السياسي المبني على الصدق والإقناع والوضوح”.
وأعتبر حامي الدين أن “هناك سبب ثاني متمثل في عدم الشعور بالمسؤولية اتجاه المواطنين، وهو ما يمكن ان نلاحظه من استهتار بمصالح العموم في قضايا حساسة تتعلق بمشاريع كبرى من قبيل مشروع تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية، وأبرز مثال على ذلك ما تعيشه كليات الطب من احتقان استمر لمدة ثمانية أشهر في غياب مقاربة الحوار والتواصل السياسي مع أطباء الغذ إلى ان وصلنا إلى تعقد المشكل واستعصائه على الحل بسبب غياب الاحساس بالمسؤولية”، مضيفا بأن “هذا المثال ينسحب على كيفية التعاطي مع موظفي قطاع الصحة العمومية ومع رجال ونساء التعليم حيث استمرت الأزمة لمدة ثمانية أشهر وغيرها من القطاعات التي تعيش غضبا متزايدا”.